مأزق الدكتاتوريات العربية

> علي الكثيري

> ثمة مؤشرات جلية دالة على وجود توجه أمريكي جديد يقوم على مرتكز رفع اليد الداعمة والمانحة والحامية عن الدكتاتوريات الشمولية المستبدة في بلدان الشرق الأوسط وممارسة مختلف أشكال الضغوط باتجاه إحداث تغييرات جذرية فاعلة تؤسس لمشاريع ديمقراطية جادة وقابلة للنماء والتطور، وهو توجه نوعي أضحى محل توافق مختلف القوى الدولية ذات الحضور والثقل والفاعلية، الأمر الذي يكسبه زخما وقوة ويوفر له الاقتدار على النجاح.

نعم، إنه توجه فارق ومغاير لتوجهات أمريكية ودولية سادت على مدار العقود الفارطة، وظلت تغدق على هذه الديكتاتوريات بكل أسباب التجبر والطغيان، وبكل مقومات البقاء والازدهار، ومرد هذا التحول الجذري، كامن في مقتضيات مصالح تلك القوى في المنطقة، بعد المتغيرات العالمية التي أسفرت عن انبثاق نظام عالمي جديد أحادي القطبية على أنقاض تمترسات الحرب الباردة والثنائية القطبية، لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن هذا التوجه الجديد ينطوي على محددات مشروع ديمقراطي نهضوي حملت لواءه قوى ونخب سياسية وفكرية في العديد من بلدان المنطقة على مدى عقود زمنية متوالية، وهي محددات ظلت وما فتئت تشكل عناوين ومفردات لمصفوفة من حاجات وتطلعات شعوب هذه البلدان، ومن هنا تبرز السمات المايزة لهذا التوجه و المتجسدة في هذا التوافق والاتساق بين مقتضيات مصالح القوى الدولية وما تمليه حاجات الشعوب وضروراتها وتطلعاتها، الأمر الذي يوفر فرصة تاريخية تطاول أمد انتظارها، لتحطيم أغلال سطوة الدكتاتوريات الشمولية، وإحداث التغيير الجدي المفضي إلى إرساء أسس الحكم الديمقراطي الصالح والضامن للحريات، والمعبر عن الإرادة الحقيقية للشعوب، والمخصب لعوامل الاستقرار والعدالة والنماء والملبي لمتطلبات تبادلية المصالح والمنافع مع الآخرين.

إن خيارا واحدا مطروح أمام الأنظمة الشمولية الحاكمة في بلدان المنطقة في ضوء التحولات والتوجهات الدولية الجديدة، وهو خيار أخذ زمام المبادرة الإصلاحية التغييرية بإرادة وطنية وعلى نحو يتسم بالفاعلية والشمول، ذلك أن التلكؤ والمكابرة والعجز لن يؤدي إلا إلى فرض التغيير بإرادة الخارج الحريص على مصالحه، وذاك أمر ستكون تكاليفه باهظة وعواقبه وخيمة على الحاكمين المستبدين ودوائر سلطاتهم تحديدا، أما الاندفاع في محاولات التفافية على ذلك التوجه الدولي، من خلال قيام بعض تلك الأنظمة الحاكمة بإجراءات شكلية خاوية من المضامين، تضفي على هياكلها الشمولية (لمسات) ديمقراطية ديكورية، وقشورا حداثية زائفة، فلا ينم إلا عن قراءات خاطئة وغبية لمفاعيل المتغيرات والتوجهات الدولية، وهو في التحليل الأخير فعل عاجز ويائس لن يعطل حركية التغيير الجذري الشامل المطلوبة والمفروضة، بل سيسقط أي صدقية أوجدية لشعار (الإصلاح من الداخل) الذي ترفعه الأنظمة المتسلطة في معظم تلك البلدان، وبالتالي سيفسح المجال ليفرض التغيير منطقه وحتميته التاريخية بوسائل فعالة وعاصفة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى