مع الأيام: ولما وين يا قوم؟

> علي عمر الهيج

> من وسط أحداث الحياة اليومية العابرة، تنزل امرأة مسنة وبدينة من إحدى الحافلات لتمد للسائق الشاب عشرين ريالاً، فينهرها الشاب للتو قائلاً:«باقي خمسة ريال يا حجة»، فقالت مستعطفة إياه: «يا ابني باقي معي عشرين ريال حق الرجعة.. سامحني بالخمسة الريال».. غضب السائق قائلاً:«ألا يا الله من العجاجيز.. ذلحين باتكون مخبيّة معها ألف ريال وأكثر»، فتدخل رجل كبير وعاقل كان جالساً في الخلف وقال: «يا ابني خلاص.. هذه زي أمك .. امشي على بركة الله» فهاج الشاب وغضب قائلاً: «ألا يا الله من الطبازة».

بادرت بالتدخل لتهدئة الأمور، وما أن بدأت الحديث إذا بالرجل العاقل يحثني بقوة على الصمت وإغلاق فمي ، ربما لأن الرجل بخبرته أدرك أن الشاب لن يستجيب مطلقاً، فاستجبت للتو للمقترح، تم تمتم الرجل بصوت خافت قائلاً: «لا حول ولا قوة إلا بالله».

حدث كل هذا فيما الناس جالسون صامتون، يرمقون هذه المعارك المعيشية، تتساقط منهم حبات العرق ومحاصرين بالقلق والحيرة، فالكل هائم يسبح و(يطوس) في مشاغل الحياة وهمومها المتراكمة.

هكذا أصبح الحال، فاليوم يتدافع الناس متزاحمين نحو كل شيء وأي شيء، المهم هو تعزيز «وسخ الدنيا» هذا الوسخ الذي أصبح تاجاً أنيقاً ينظف ويضيء ويزيح الكثير من متاعب الحياة المظلمة.

يلهث الناس منذ الصباح الباكر، يقارعون المعيشة بـ (الصميل)، فلم تعد حظوظ المعيشة يسيرة ومسالمة .. تعقدت حوائج الناس ومصالحهم، وضاقت بهم السبل واتسعت الهوة بين الدخل والالتزامات، فظلوا ينظرون وبفارغ الصبر «بشائر الأجور الغائبة» ولا يعلم إلا الله سبحانه وتعالى كيف ستحط هذه الريالات على صدر ذلك الغد المجهول.

هكذا أصبح البسطاء يعيشون، فشغلهم الشاغل هو «ميزانية الأسرة»، وتلك الأفواه الصغيرة والكبيرة التي تنتظر عائلها من أجل إشباع جوعها وصرف تكاليف علاجها وتسديد «فاتورة المعيشة»، التي خاصمت وحطمت «هدنة الحب والسلام» وغابت عنها تلك المشاعر الرائعة التي كان يرى الناس فيها نسمات دافئة وحميمة لتبادل القبل والابتسامات الحقيقية وسط خارطة المجتمع، وترميم ذلك الفراغ الإنساني الذي تاه باحثاً عن الفيد والمآرب .

بهكذا احتدمت المعارك المعيشية وسط هذا المد المعيشي الجارف الذي قلب موازين كل شيء، وصارت العيون ترقب بذعر وهلع ذلك الغد الذي بدا وكأنه ملبد بالغيوم .

وبين حيرة المواطن المنكسر وصمت المصلحين ظل الناس يتهامسون مستفسرين «من يرفع عنا هذه المرارات والانتكاسات المعيشية المتلاحقة؟» دعوة عامة للإجابة، ودعاء وابتهال للخالق بالخير والبشائر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى