حبوب منع الكذب

> صالح علي السباعي

>
صالح علي السباعي
صالح علي السباعي
بعد غزو الإنسان للفضاء جاء غزو العلم لعالم الإنسان الداخلي، وها هو الإنسان يتعرض لغزو مباشر من علماء الأعصاب والمخ والنفس، وهناك الكثير من الأبحاث أجريت ونجحت منهاحبوب تهدئة للأعصاب والشعور بالفرح والسعادة والتحكم في عاطفة الحب والكراهية، وحبوب منع الحمل والفياجرا للرجال وأخيراً الفياجرا للنساء.. أليست المساواة مطلوبة وشعاراً ترفعه الأحزاب للحصول على أصوات النساء؟

إحدى الشركات العالمية تزعم أنها بصدد إنتاج عقار جديد اسمه حبوب منع الكذب، بعد (كرس) كشف الكذب، حيث أصبح الكذب يمارس من قبل شرائح واسعة من الناس، ويمارس بشكل يومي في العمل والمنزل والشارع، وتمارسه بعض الصحف والأجهزة الإعلامية. معظم الرجال يكذبون وكذلك النساء.. المرأة الوحيدة التي لم تكذب كانت أمنا حواء، حيث لم تدع بأن أحداً قد تقدم لطلب يدها قبل أبينا آدم وقد كانت صادقة ولا تكذب، لكنها لو عاد زوجها متأخراً للمنزل تفتش ملابسه بحثاً عن علامات أنثوية، وتسأله أين كنت أو مع من؟ فيجيبها لا يوجد سواك في هذا العالم وهو صادق ولا يكذب. المرأة أمس واليوم وغداً ستظل تذكر زوجها بأن رجلا مهما تقدم لطلب يدها لكنها فضلته على غيره وقد تكون صادقة أحياناً.

اليوم الأحزاب ترفع شعار الديمقراطية وتمارس الدكتاتورية في أوساطها وها هي قياداتها باقية بقاء الزمن لم تتغير.. والحكومات ترفع شعار الإصلاح عند تشكيلها وفي نهاية الفترة يكتشف الناس أن الحكومات لم تصلح سوى أحوال أعضائها. بعض الإعلاميين يأخذك من أمام التلفاز وأنت تتابع الأخبار ليحلق بك بعيداً ويحدثك عن النجاحات والتطور والرفاهية، ثم يعود بك على سريرك لتنام وتحلم أحلاما وردية، وعندما تصحو في الصباح تجد أن التطور قد حصل في الأسعار بصورة تراجيدية وتحت باب بيتك حزمة من الفواتير أبسطها فاتورة الماء التي تصل إليك قبل وصول الماء أحياناً، حيث تجد في هذه الفاتورة المساواة بين استهلاك المياه والمجاري، وإن وجد الفرق يكون طفيفاً، الماء هو عصب الحياة يستهلكه الناس ولكن كيف يستهلك الناس هذا الكم الهائل من المجاري؟ وإلى متى؟ أما آن الأوان لتحرير المواطن من هذه الفتوى المجارية؟ أم أن قدر المواطن هو أن يدفع الكثير للحصول على القليل في مسيرة حياته التي صرفت فيها ملايين يفوق عددها عدد شعرات أي رأس بشري بل وشعيراته الدموية، حرقت الملايين على الندوات والاجتماعات والدراسات والمناسبات كانت كفيلة لو استغلت لبناء محطة لتحلية مياه البحر في كل مدينة ساحلية، ولتمكن المواطن من الخروج من دائرة الكفاف المائي وخطر الجفاف الذي قد يهدد حياة الملايين، والذي قد يتساوى فيه سعر برميل الماء مع برميل البترول، إذا لم تفكر الدولة في حلول استراتيجية.

الكذب شعار الأغلبية تستثنى منه الأقلية، وأعضاء الكونجرس طيبون يرفعون الأيادي يوافقون ثم يناقشون. وبعض رجال الدين يتعاطون السياسة، مع الأسف أصبحت أصواتهم لا تؤثر خصوصاً على الذين يستثمرون أموالهم في بناء الفنادق وعلب الليل المزدحمة أكثر من المساجد في صلاة الفجر.

البعض يكذب في التربية عندما يرى أطفاله يكذبون ويفرح في سريرة نفسه ويقول إن أولادي سينجون ويسيرون مع القافلة ، والبعض يكذب في التعليم عندما يحملون الطفل منهجا دراسيا عجز المدرس عن استيعابه، وعندما يفتتح المسؤولون معرضاً لرسوم الأطفال حيث يقصون الشريط ويصورون ويصفقون وهم يدركون أنه لا يد للأطفال في هذه الرسومات إلا ما ندر.

كثرة الجامعات وكثرة الدكاترة وقريباً قد نصبح بلد المليون دكتور بعد المليون شهيد والمليون عقي دوربما المليون مستثمر. وبالرغم من وجود كل هؤلاء لازالت حصيلتنا متواضعة في كل شيء ولازلنا نستورد الدبوس وإبرة الخياطة. إنها جوقة من الأصوات غيرالمتجانسة تحاول أن تعزف لحن التطور على قيتارة الزمن دون أن تتعلم فن العزف.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى