ما وصفته اللجنة الدستورية حول المظاهرات غير قانوني

> علي هيثم الغريب

>
علي هيثم الغريب
علي هيثم الغريب
قرأت ما صرح به الأستاذ علي أبو حليفة، رئيس لجنة تقصي الحقائق بمجلس النواب إلى صحيفة «الأيام» (العدد 4449)، حول عدم قانونية المظاهرات والمسيرات التي شهدتها عدد من المحافظات إثر الإعلان عن قانون ضريبة المبيعات، والظاهر أن اللجنة البرلمانية لم تستند في حكمها هذا إلا على قانون تنظيم المظاهرات والمسيرات رقم (29) لسنة 2003م، وهو القانون الذي يتصدى بقوة السلاح لأي تعبير سلمي من كافة نواحيه، حتى اتفق عرفاً على تمييز هذا القانون عن غيره بأنه «قانون ضد المسيرات والمظاهرات». والأستاذ أبو حليفة يعرف جيداً أن التشريع اقتصر على قانون واحد من بين القوانين التي صدرت، لذا فإن معالجة المظاهرات والمسيرات سوف تكون قاصرة لا محالة، فمشروع قانون تنظيم المظاهرات والمسيرات لم يكتف بنص تجريمي واحد، بل تعددت نصوص التجريم والعقاب والإجراءات الجزائية حتى أغلق المشرع أي ثغرة يمكن أن تكون خارج حماية الأمن (تحدثنا عن ذلك في مواضيع سابقة نشرتها «الأيام» الغراء) .

والثابت أن اتهام المظاهرات والمسيرات من قبل لجنة تقصي الحقائق بأنها غير قانونية ليس من بين الصلاحيات التي تفوض فيها اللجنة، ودستورياً لا يحق للجنة إصدار أحكام على مظاهرات عفوية يحميها الدستور وقوانين حقوق الإنسان الدولية، فالمادة (95) من دستور 2001م المعدل تنص على: «لمجلس النواب بناءً على طلب موقع من عشرة أعضاء على الأقل من أعضائه أن يكون لجنة خاصة، أو يكلف لجنة من لجانه لتقصي الحقائق في موضوع يتعارض مع المصلحة العامة.....».

فما هو الموضوع الذي يتعارض مع المصلحة العامة: هل هو المظاهرات العفوية أم قانون ضريبة المبيعات؟ ومن قال إن المظاهرات السلمية التي تطالب بالخبز والدواء تتعارض مع المصلحة العامة، ومن قال إن قانون ضريبة المبيعات الذي يترتب عليه تحميل المواطن عبء سداد نسبة 10% من الضرائب التي ستقتطعها الدولة من التجار دون وجه حق ودون سند دستوري يراعي المصلحة العامة؟! فالمادة (12) من الدستور تنص على: «يراعى في فرض الضرائب والتكاليف العامة مصلحة المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية بين المواطنين».

إن جواز استمرار إصدار القوانين من قبل مجلس النواب المقضي بعدم دستوريتها يهدر القيمة الحقيقية للتشريع في بلادنا. ومن المؤسف أن يجد هذا التصرف ترجمته العملية من خلال مجلس النواب استناداً إلى الصلاحيات الاستثنائىة التي يمنحه الدستور إياها بدلاً من إلغاء أو تعديل تلك القوانين التي رفضها المجتمع رفضاً قاطعاً.. وإن إلقاء المسؤولية على المواطنين فور كل رفض لأي قانون تتعارض نصوصه مع مصالحهم، يزج بلجنة تقصي الحقائق بمجلس النواب في أمور تحكمها اعتبارات المواءمة السياسية لا المصلحة العامة، ومن ثم تقود هذه التصريحات إلى مخاطر تسييس أعمال اللجنة المكلفة من قبل مجلس النواب وفقاً للضغوط التي قد تخضع لها من قبل السلطة التنفيذية. فما فائدة التقرير الذي سترفعه اللجنة طالما ورئيسها الأستاذ علي أبو حليقه قد صرح بأن المظاهرات التي عمت صنعاء وعدن وتعز غير قانونية؟! إذ ننظر إلى هذا الحكم النهائي أصلاً (لأن أغلبية أعضاء مجلس النواب تؤازر الحكومة) باعتباره يشكل خرقاً لأحكام الدستور واللائحة الداخلية لمجلس النواب، ومحاولة للالتفاف على الرفض لبعض النصوص الضريبية التي احتواها قانون ضريبة المبيعات.

ونؤكد للجنة تقصي الحقائق أن هناك مقالات وندوات دارت لأكثر من عقد من الزمن من قبل فقهاء القانون وعلى رأسهم أستاذ القانون الدولي الدكتور محمد علي السقاف تتعلق بعلاقة مجلس النواب تجاه أفراد المجتمع، ولكن مع الأسف فإن مجلس النواب أصدر قوانين تعسفية، تصل إلى الهيمنة الكاملة والشاملة على أي شارع وبيت وأي صوت ينطق بالحق أو يرفض باطلاً، بما في ذلك إدخال المدخل العقابي في التشريع (وهو بالمناسبة أسوأ مظاهر التشريعات في البلدان غير الديمقراطية).. إذ يوجد في قانون تنظيم المظاهرات والمسيرات رقم 29 لسنة 2003م 14 عقوبة، ولم يكتف المشرع بذلك بل صاغ في ختام باب العقوبات النص التالي: «لا تخل العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون بأي عقوبات أخرى أشد منصوص عليها في القوانين الأخرى النافذة»، أي أن القانون هنا لا يكتفي بحظر المظاهرات والمسيرات إلا بعد تشكيل لجنة وتقديم بلاغ مكتوب للأمن وإرفاق الشعارات التي سترفع خلالها بطي البلاغ، وأن يكون البلاغ موقعاً عليه من اللجنة وموضحاً فيه أسماء أعضاء اللجنة ومهنهم وعناوينهم .. وهذا هو الفرس وهذا الميدان ومن كذب جرب.

وهذا التجريم يعتبر إخلالاً بضوابط العقاب، فمجلس النواب كان ينبغي ألا يسرف في التجريم عن طريق المعاقبة على سلوك حضاري ينطوي على ممارسة لحق أو حرية كفلها الدستور، وألا تكون العقوبة إداة قامعة للحرية.

وكان يجب على لجنة تقصي الحقائق أن تقف إلى جانب المواطنين الذين عبروا عن رفضهم لقانون ضريبة المبيعات بطريقة حضارية سلمية، وأن تشيد بذلك وأن تنتقد الأساليب القمعية القديمة التي استخدمها الأمن، لأنه لا يجوز التضحية بحقوق المواطن اليمني وحرياته في غير ضرورة تمليها مصلحة عامة لها قدسيتها ومكانتها الاجتماعية.. وهذه المواقف التي يخاطر بها بعض أعضاء مجلس النواب لا تعكس سوى رغبة بعض الجهات الإدارية والخاصة في الهيمنة والتسلط والعقاب الجماعي، فالتهديد والوعيد الذي جاء في تصريحات وزارة الداخلية والغرف التجارية وعلى لسان بعض المتنفذين يتعارض مع مبدأ التناسب بين العقاب والجرم المرتكب، ومع مبدأ شخصية العقوبة، ومع مبدأ وجود ضرورة اجتماعية للتجريم والعقاب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى