في موسم حصاد الفساد..شوفني هيكل مصور بالثياب!

> نعمان الحكيم :

>
نعمان الحكيم
نعمان الحكيم
من يزرع يحصد .. والحصاد موسم للفلاحين .. فيه يجنون ما زرعوه، وإذا كانوا قد أحسنوا الزرع والسقي، يكون حصادهم وفيراً، وإلا فإن العكس يكون حصاداً مراً، وهذا هو الحال في دنيا السياسة والاقتصاد والتنمية، وكثيراً ما نقرأ ونشاهد ونسمع تصريحات تفضي في مجملها إلى محاربة الفساد والقضاء عليه، والأكثر جدية هو الإصرار على حصاد الفساد من أساسه، وهو موسم للتصريحات الرنانة، الحنانة، الطنانة، ولم نر أو نسمع أو نقرأ شيئا من ذلك على الواقع العملي.

والفساد في بلادنا صار فساداً مركباً، رغم أن الدولة في معظم قياداتها لا ترضى بسلوك كهذا، يضر بسمعتها وبناسها، ويؤدي بالكثيرين إلى هاوية سحيقة يكون في نهايتها الإفقار، وهو ما يرهق كاهل الدولة، إن كانت فعلا ترى في ذلك ما يسمى فساداً .. أحادياً أو مركباً .. وهكذا دواليك.

وقصة الفساد هذه صارت من قصص ألف ليلة وليلة، وصارت حديث كل دقيقة وساعة وثانية. والتلذذ بسرد هذه القصص ليس من قبل عامة الناس، بل من رؤوس معينة، خفية كانت أو ظاهرة .. تحكي الحكايات والبطولات، ونحن نشمئز ونتقزز من ذلك، لأننا قد وصلنا إلى حد الغثيان، فلم يعد لدينا ما يمكن أن نخاف عليه، بعد أن صرنا عيال فساد بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

نعم .. نحن عيال الفساد .. بدءاً من الوظيفة حتى التقاعد، مروراً بمتطلبات الحياة في الطفولة والشباب والشيخوخة، وهل نقوى على تغيير ما نحن فيه؟ إلا إذا كان لدينا القدرة والإمكانية، وهما الشيئان المسلوبان، فالقدرة قد شلتها المجاعة والفاقة، والجسم يترنح على طريقة (شوفني هيكل مصور بالثياب)، أما الإمكانيات فهي مجرد كلمة في مجموعة حروف، فلا تسمن ولا تغني من جوع، ونحن ننظر من حولنا لنرى دولاً كانت تعيش أزمات خانقة، ورزقها من البحر مثل بيع المحار والقواقع والصدف، وصارت اليوم في القمة، في حين نحن في الرمة والغمة، ولا كأننا بلد نفطي .. أو على رأي أحد الظرفاء نحن من:(نفّطي لك نفطي) سخرية وعلى طريقة نفخ (الزماطة) التي يسميها البعض (نفاطة أو نفيطة)، وهي في الحقيقة مخزوقة ولا تزمط؛ أي لا تحدث صوتاً يتداعى لسماعه الأطفال في الحوافي الطيبة من مدينة عدن الوديعة الهادئة.

وبالحديث عن الفساد .. لا نريد أن نلصق التهمة بأحد .. بقدر ما نوجه حديثنا للجهات الحكومية التي أصمّت آذاننا بتصريحاتها ومنجزاتها العنترية، التي هي في رأيي الشخصي فساد في فساد، وهل نأكل ونشرب ونحيا فساداً في ظل دولة تنشد الحرية والسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا تستطيع أن تقدم حتى نموذجاً واحداً من هؤلاء (العتاولة) للمحاكمة العلنية، حتى ولو كان قرباناً أو ضحية يمكن أن يرتدع به بقية الفسّاد، آكلي قوتنا وناهبي صحتنا وحياتنا؟!

انظروا اليوم إلى حالات كثيرة في حياتنا .. لا يمكن السكوت عليها أبدا، فالمياه توزع بتقنين قاتل في مدينة عمرها لم تعرف مثل هذه السياسة، والكهرباء كانت عال العال في الصيف والشتاء، والآن يصرحون لنا مشكورين أن الانقطاعات قد تذهب بنا في الصيف إلى جهنم، واستغفر الله العظيم .. والأسماك صارت (ألماساً) في مدينة تعيش وسط البحر، والفساد والإفساد طال الشواطئ وبعض الفنادق والمتنزهات، رغم جهود رجال الأمن مشكورين في مكافحة هذه الأمور الهدامة، والسلطة المحلية تبرر في بعض الأحيان أننا لسنا بعيدين عما يحدث في (دبي) أو (ماليزيا) والعياذ بالله، وهي الطامة الكبرى أن نظل هكذا متفرجين..!

إن الفساد ينهش الأعراض، والجريمة قد طالت البيوت الآمنة، وفي الأسرة الواحدة بدأ الموت الرهيب بين الأرحام يأخذ له مجالاً .. يا الله .. أين نحن مما يجري، وأين حكومتنا ودولتنا؟ وهل ذلك إلا مؤشر خطير، ولو تم السكوت عنه لصارت الحياة في فلك الفساد الذي به يخسف الله بنا جزاءً لمعصياتنا التي لا حد لها ولا رادع؟!

حاربوا الفساد بدءاً من رؤوسه الكبرى .. وإلا .. فلا ندري ماذا بعد إلا !

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى