أيام الأيــام...موكب الإصلاح انطلق ولن ينتظر المتأخرين

> علي الجبولي :

> كشفت تقارير المنظمات والمراكز العربية والدولية المهتمة بحقوق الإنسان وتنمية الديمقراطية، التي كان آخرها التقريرالثالث للتنمية البشرية الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة مطلع أبريل الفائت، كشفت للعالم الحر هشاشة الأوضاع العربية، وبينت للجماهير العربية ونخبها السياسية والفكرية أن أنظمة الحكم العربية لا تسعى الى تسوية أرضية صالحة لنمو نظام ديمقراطية سقفه الدستور والقانون بل وغير قادرة على التكيف مع متطلبات العصر الراهن جراء تكيفها الطويل على أساليب الكبت والاستبداد، دون أن تحفل بخطر ما ينتجه نهج كهذا من أزمة ثقة بين السلطة وشعوبها، وما يترتب عليه من تخلف وعنف كانت تغض الطرف عن نموه المتسارع، بل هيأ كبتها الأرض الخصبة لتوالده، ولم تحفل بمعالجة أسبابه، معتقدة أنها ستكون بمنأى عنه أو قادرة على توظيفه لخدمة كرسي الحكم وإسكات المعارضين، بيد أن الخطر ارتد يهددها ويهدد الآخرين، آنئذ وجدت نفسها عاجزة عن إيقاف جموحه.

اليوم هبت رياح التغيير تحمل معها تباشير النظام العالمي الجديد، وقد وضعت الوطن العربي ضمن المناطق المستهدفة بالإصلاح السياسي كخطوة نحو الإصلاحات الشاملة، نرى الأنظمة العربية العتيقة تقف مناهضة له خوفاً على عروشها، إذ لجأت إلى تزوير وعي البسطاء وتحريضهم على رفض الدعوات الداخلية والخارجية الهادفة الى الإصلاح وتحرير الشعوب من أنظمتها المأزومة، التي أمست غير قادرة على الإقلاع عن سلب إرادة شعوبها، وعاجزة عن الاستفادة من خبرات الغير. وبدلاً من ذلك وظفت الدين والكرامة والسيادة والهوية تتباكى عليها لإثارة حمية الأميين الذين كرست بينهم الأمية حتى وصلت نسبتها بين الشعوب العربية إلى أكثر من 50% كي يسهل عليها دغدغة العواطف العربية بشعارات القيم والثوابت، مع أن القيم التي ترفعها اليوم هي أول من يعرف أنها لم تتوان يوماً عن التهاون بها طالما حقق ذلك وصولها إلى كرسي السلطة أو خدم بقاءها عليه، ولم يكن الأجنبي الذي تسمي نصائحه اليوم بـ (الوصفة الخارجية) سوى ولي النعمة الذي طالما استعانت به ضد بعضها بعضاً أو ضد شعوبها أو تسولت هباته حينما كان يغض الطرف عن فسادها واستبدادها وانتهاكها حقوق مواطنيها ورفضها التنازل لهم عن أبسط مطالبهم المشروعة.

إن الشعوب العربية غدت اليوم في حاجة ماسة لإصلاح سياسي فاعل تسهم في صنعه الخبرات الدولية، وليس إلى إجراءات شكلية تغالط بها السلطة شعوبها لتزيين وجه حاكم فرد وصل للسلطة بطريقة غير مشروعة فاختزل القانون والنظام في شخصه أو في سلطة تنفيذية تواليه، وعلى حساب البناء المؤسسي للحكم، ولم ير غضاضة من التشبث بالسلطة لعقدين من الزمن أو يزيد، بل يسعى لتحويلها إلى ميراث يوصي به لأبنائه وذوي القربى من بعده.

تحتاج إلى إصلاح سياسي يحدث تغييرات جذرية وجوهرية ويؤسس لديمقراطية قابلة للبقاء والتطور، وليست إصلاحات هامشية لا تحقق طموحات الشعوب وتطلعاتها، بقدر ما تشرع وتعزز تشبث الحاكم بالسلطة وتكرس استسلام الشعوب لأنظمة حكم ترفض شفافية المعلومات والتعامل مع المال العام، ليسهل لها نهب خيرات شعوبها. ولم تجد حرجاً من استخدام الأبواق الدينية التي صنعتها خصيصاً لخداع شعوبها وتعبئة البسطاء بالتسبيح بمآثرها وإنجازاتها الوهمية، لضمان بقائها على كرسي الحكم وشرعنة الفساد والفقر والمرض والفشل في معالجة تردي أوضاع البلاد أو في تبرير تصفية وقمع الرأي الآخر.

إن الديمقراطية التي ينعم بها العالم الحر، وتتطلع إليها الشعوب العربية، وفي طليعتها النخب السياسية والفكرية والثقافية، ليست هبة من حاكم يستعيدها متى شاء، وإنما استحقاق دستوري لضمان الاستقرار السياسي والانعتاق من ربقة أنظمة الحكم الدكتاتورية الشمولية والعسكرية، التي لم تنتج على مدى تاريخ تربعها الطويل على كرسي الحكم سوى الأزمات.

فالديمقراطية منظومة متكاملة من مبادئ الحكم تعبر عن إرادة الشعوب، وتوفر مناخاً لتأسيس دولة النظام والقانون التي تصون حقوق الإنسان، وتحترم حرية التعبير وكل الحريات، وتقبل بوجود معارضة سياسية حقيقية وليست شكلية أو مفرخة كما نرى اليوم. وهذا لن يتحقق إلاّ بأحد خيارين، إما بتغيرات جذرية تقوم بها أنظمة الحكم بشجاعة وبإرادة صادقة وبإشراف الخبرات الدولية، وإما بفعل إرادة شعبية مسنودة بدعم دولي.

إن الديمقراطية غدت اليوم البديل الأمثل للأنظمة الشمولية وصمام أمان يحول دون اغتصاب السلطة، ولن تقبلها الشعوب مشوهة أو منقوصة، فقد لاح في الأفق ما يبشر بأن صمت الخوف لم يعد صومعة ملاذ الشعوب من بطش السلطة أينما كانت، رغم دمويتها وهمجيتها في قمع وتلفيق التهم لمعارضيها.. لاحت تباشيرالتوق للحرية في غير مكان بصوت الجموع تزأر في وجوه المحنطين على كرسي الحكم «كفاية» وتصفع بهدير الغضب الذين يعتقدون أن الشعوب تركة يوصون بها لأبنائهم وذوي القربى «لا للتوريث».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى