(ترزية) قوانين

> محمد عبدالله الموس :

> حتى لا يذهب البعض بعيداً، فإن مصطلح «تزرية القوانين» شائع الاستخدام في كثير من أصقاع الأرض، ويقصد به أولئك الذين يعملون على تفعيل القوانين بصورة تحقق «غرضاً في نفس يعقوب» على طريقة عمل «الترزي» الذي يفصل قطع القماش تبعاً لجسم الزبون، ولترزية القوانين أسواقهم في أنظمة الحكم الاستبدادية وشبه الديمقراطية وديمقراطيات الـ (نص كم).

قبل أشهر قليلة صورت وثيقة معادلة شهادة مدرسية لطالب يمني من إحدى إدارات التعليم في مصر، وقد لاحظت أنها استندت إلى قانون صدر في العام 1954م، ولأننا تعودنا على قوانين ذات موديلات حديثة، فقد تعجبت ومن كان معي من ذلك، وبرر هذا التعجب وزير العدل اليمني في حديث له «إن القواعد القانونية تفقد رسوخها عند تكرار تعديلها، فتكرار التعديل يضعف هذه القواعد القانونية». الاشقاء في مصر يحرصون على احترام قواعد القانون في معاملاتهم فيما نطلق عليه (الروتين)، مع أنه ليس بالسوء الذي نتصوره، فمن خلاله يعرف الشخص حقوقه ومتى وكيف يحصل عليها.

في ندوة حول الحكم المحلي نظمها فرع (رأي) في لحج، قال أحد المتحدثين وهو دبلوماسي: «إن قانون السلطة المحلية يتعارض مع (73) قانونا آخر، ولا ندري عدد القوانين الأخرى التي لا يتعارض معها هذا القانون».

تذكرت كل ذلك ونحن بصدد الحديث عن تعديل قانون الصحافة، وما كتبه (فرسان الكلمة) تعليقاً، والسؤال - العجب- من نقيب الصحفيين ورد دولة رئيس الوزراء حول هذا القانون.

واقع الحال أننا لا ندري ما يدعو حكومتنا إلى تعديل قانون الصحافة الحالي، مع أن فيه من الهراوات ما يكفي أكثر الأنظمة استبداداً، فما بالنا ونحن في بلد (ديمقراطي)!

تحتل بلادنا مرتبة متقدمة جداً في زحمة القوانين من حيث زمن إصدارها، ومع ذلك لا نلمس قدسية لهذه القوانين في حياتنا، فلم نسمع عن توقيف ناهب للمال العام أو متنفذ سلب حقوقاً للغير أو متلاعب - جودة وسعرا ووزنا- فيما يقدم للناس من سلع وخدمات أو شخص منفر للاستثمار أو مرتش أو راش أو مراش وغيرهم من أساطين الفساد، لكننا رأينا مسيرة منعت أو ضرب مشارك فيها، وصحفا أوقفت أو تعرض القائمون عليها للتحقيق، وصحفيا ضرب أو سجن أو تعرض للتهديد. ونجد قوانين الضرائب والجبايات تجد طريقها سريعاً من المصدر إلى المحصل قبل أن يجف مداد ختمها.

(الشفافية) سمة رئيسة من سمات العصر الكونية، ولا يمكن ممارستها في ظل قيود الحد من التعبير أو التظاهر السلمي، ولا يوجد غير هاتين الوسيلتين سوى (العنف)، وهو أسلوب لا يخدم السلم الاجتماعي وسكينة المجتمع، ونثق بأن صناع القرار في بلادنا لا يجهلون ذلك أو حاجتنا إلى الإصلاح بمعناها الشامل، فحلاقة رؤوسنا بأيدينا أكثر سلاماً لأنها تراعي (الندبات) في مساحة الوطن، فيما الحلاقة عن بعد أكثر إيلاماً، وقد تعجز عن مراعاة كل (الندبات).. كان رائعاً وصف وحذر د. هشام محسن السقاف لحالنا (حتى لا نكون كطواحين الهواء لا تتحرك إلا بفعل الرياح القادمة من خارجها)، ومع ذلك فإن الرياح لا تأتي دوماً كما تشتهي السفن.. والله من وراء القصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى