أخر تحديث للموقع
اليوم - الساعة 04:00 ص بتوقيت مدينة عدن

مقالات الرأي

  • أمن اليمن… من أمن مصر والخليج

    د. محمد قباطي




    أعاد الصراع الأخير بين إسرائيل وإيران، والذي استمر 12 يومًا وانتهى بهدنة هشة، تسليط الضوء على هشاشة الدول التي تجد نفسها في مرمى النيران الجيوسياسية. وفي الحالة اليمنية، تكشف لحظة التهدئة هذه عن خطورة ربط السلام الداخلي بتقلبات الخارج. لقد طال أمد النظر إلى أزمة اليمن من خلال زاوية التدخل الإيراني فقط، وهو اختزال مخلّ يُغفل الأسباب البنيوية لانهيار الدولة، ويُكرّس استراتيجية فاشلة تقوم على انتظار متغيرات إقليمية لحل إشكال وطني.

    الحوثيون ليسوا مجرد “وكيل” لطهران؛ بل مشروع سلطوي متجذر أيديولوجيًا وتنظيميًا، يسبق تحالفهم مع إيران. إن ربط مستقبل اليمن بضعف النفوذ الإيراني هو مقامرة بسيادته على مذبح التحولات الخارجية.

    وفوق ذلك، فإن تعليق كامل المسؤولية على إيران يتيح للنخب اليمنية التهرب من تبعات فشلها. فالدولة لم تنهَر في فراغ، بل تآكلت بفعل سوء الإدارة، والإقصاء السياسي، وغياب رؤية وطنية جامعة. لقد استغلت إيران هذا الفراغ، لكنها لم تكن من صنعه.
    • الاستقطاب وتآكل الإرادة الوطنية
    لا تزال الساحة السياسية في اليمن ممزقة بين اصطفافات إقليمية تُقدِّم مصالح الخارج على حساب الضرورات الوطنية. فبعض القوى تنزلق نحو المحور الإيراني، وأخرى تُراهن كليًا على التحالف الخليجي دون شروط واضحة تضمن السيادة.

    التحدي الجوهري هنا هو التمييز بين الشراكة الاستراتيجية والتبعية السياسية. فالانخراط الخليجي في اليمن أمر حتمي بحكم الجغرافيا والروابط الاقتصادية، لكنه يجب أن يكون مبنيًا على الاحترام المتبادل واستقلالية القرار اليمني، لا على منطق الصفقات المؤقتة.

    السيادة الحقيقية لا تعني العزلة، بل القدرة على بناء شراكات تعزز التنمية والاستقرار وفق أجندة وطنية مستقلة.
    • اليمن والخليج: تكامل لا تنازل
    يرتبط مستقبل اليمن ارتباطًا وثيقًا بدول الخليج. فموقعه الجغرافي المحاذي للسعودية وعُمان، وإشرافه على البحرين الأحمر والعربي، يجعله جزءًا لا يتجزأ من معادلة الأمن في شبه الجزيرة. لكن هذه الجغرافيا يجب أن تُترجم إلى سياسات واعية ومتكاملة.

    ينبغي أن يكون اندماج اليمن في المنظومة الخليجية قائمًا على أسس عادلة ومصالح مشتركة، تحترم خصوصياته وتراعي تحدياته. فالتكامل لا يعني التخلي عن السيادة، بل هو وسيلة لتثبيتها وتعزيزها متى ما أُنجز بشروط منصفة.

    وينطبق هذا المنطق أيضًا على البعد الأوسع. فمضيق باب المندب، الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن، لا يمثل أهمية استراتيجية لليمن والخليج فحسب، بل يشكل شريانًا حيويًا لأمن مصر البحري والاقتصادي. وأي اضطراب في اليمن يهدد هذا الممر الدولي الحيوي، ويضع المصالح المصرية والعالمية على المحك.
    • مصر… ورهانات البحر الأحمر
    تفرض الجغرافيا والدور التاريخي لمصر موقعًا طبيعيًا لها كشريك في استقرار اليمن. فهي دولة تطل على البحر الأحمر وتُمثل ركيزة مركزية في النظام العربي، وتمتلك من الأدوات الدبلوماسية والقدرة الاقتصادية والموقع البحري ما يؤهلها للعب دور فاعل وبنّاء.

    فحماية ممرات التجارة في البحر الأحمر تتقاطع مع أولويات الأمن القومي المصري: من ضمان عائدات قناة السويس، إلى مكافحة تهريب السلاح، وتأمين الجناح البحري الجنوبي للدولة. وبالتالي، لا ينبغي لمشاركة مصر في اليمن أن تكون هامشية؛ بل هي ضرورة استراتيجية.

    كما أن القاهرة قادرة على أداء دور توازني بين دعم انخراط اليمن في المنظومة الخليجية، وبين الدفع نحو حلول سياسية شاملة تراعي السيادة الوطنية. ويمنحها إرثها الدبلوماسي العربي القدرة على ردم الفجوات وتجاوز منطق الصفر الذي طالما عقّد المسارات اليمنية.
    • من ساحة صراع إلى شريك فاعل
    لكي يخرج اليمن من مأزقه، لا بد أن يُعيد تعريف السيادة، لا كعزلة، بل كقدرة على اختيار الشراكات التي تُعزز مؤسساته الوطنية. ويتطلب هذا التحول مشروعًا سياسيًا توحيديًا، قائمًا على التنمية والمواطنة والمؤسسية.

    لا ينبغي لليمن أن يظل ساحة تتصارع فيها القوى الإقليمية، بل يجب أن يصبح شريكًا فاعلًا في إعادة تشكيل المشهد الإقليمي، من خلال انخراط قائم على الكرامة مع دول الخليج، وبناء شراكات استراتيجية مع مصر والدول المعنية بأمن البحر الأحمر.

    إن الفرصة اليوم متاحة. فمع إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، تبرز مساحة جديدة للدول المهمّشة كي تستعيد حضورها. فإما أن يكون اليمن رقمًا تابعًا في حسابات الآخرين، أو يستعيد مكانته عبر وضوح الرؤية ودقة الحركة الدبلوماسية.

    بدعم خليجي وشراكة مصرية واعية، يمكن أن تتحول سيادة اليمن من حلم بعيد إلى ركيزة أساسية لنظام إقليمي جديد قائم على التوازن والتعاون والاحترام المتبادل.

المزيد من مقالات (د. محمد قباطي)

Phone:+967-02-255170

صحيفة الأيام , الخليج الأمامي
كريتر/عدن , الجمهورية اليمنية

Email: [email protected]

ابق على اتصال