من مظاهر الدولة الرخوة ..أراضي مخطط النصر وحكاية «الفيل يا جلالة السلطان»

> نجيب محمد يابلي :

>
نجيب محمد يابلي
نجيب محمد يابلي
ورد في الأثر أن أول شيء يرفع من هذه الأمة هو الحياء والأمانة، ولذلك قال العلماء: «نسأل الله الحياء والأمانة»، كما ورد أن أول شيء يوضع في ميزان العبد يوم القيامة حسن الخلق. وردت هذه المقدمة وأنا أقلب ملفاً كبيراً لقضية منكوبي «أراضي مخطط النصر» فسألت نفسي: أين الحياء والأمانة وأين حسن الخلق عند هؤلاء الناس؟

إنها قضية (57) مواطنا من إجمالي (371) مواطنا آخرين حازوا على رقم مواز من الأراضي في مخطط النصر بخورمكسر. صدرت أحكام قضائية باتة ونافذة لصالح الـ (57) مواطناً، داخوا سبع دوخات على امتداد (8) سنوات تراكمت خلالها عشرات الأوراق بين أوامر أصدرها مسؤولون كبار، وانتهت من حيث بدأت، ثم صدرت أحكام قضائية لصالح المنكوبين الذين يحملون بأيديهم وثائق ملكية بأراضيهم وسندات بالرسوم المستحقة كاملة للدولة، وفوجئوا بأن مصلحة أراضي وعقارات الدولة قد أصدرت وثائق ملكية بالأراضي نفسها لصالح المنتصرين في حرب صيف 1994م، وهو إجراء غير دستوري وغير قانوني وغير أخلاقي، إجراء تنتفي منه عوامل الحياء والأمانة وحسن الخلق التي سبق التطرق لها في ديباجة الموضوع.

إن من يطلع على ملف أراضي مخطط النصر سيجد نفسه في دوامة يصعب الخروج منها. أردت أن أمسك بخيط واحد على الأقل لأثبت به أن هناك مؤسسات دولة يحكمها النظام والقانون، لكني لم أفلح. بدأت المأساة في 20 نوفمبر 1997م عندما وجه الأخوان العقيدان عبدالله علي عليوه، رئيس هيئة أركان القوات المسلحة، وعلي محسن الأحمر، قائد المنطقة الشمالية مذكرة إلى الأخوين رئيس مصلحة أراضي وعقارات الدولة والمدير العام للمصلحة بعدن، ووجها بتمكين المذكورين في الكشف المرفق من أراضيهم بموجب وثائق الملكية بعد أن سددوا قيمتها للدولة عام 1993م، وعدم صرف أي وثائق جديدة فيها.

لجأ المنكوبون إلى القضاء الذي أصدر حكمه لصالحهم في 21 مارس 1998م، وتعثر الحكم وتدخل فخامة رئيس الجمهورية الذي أمر بتنفيذ الأحكام المتعثرة. المرأة الحديدية، نورا ضيف الله، رئيس نيابة استئناف الأموال العامة أدلت هي الأخرى بدلوها في القضية، حيث أمرت مدير عام المصلحة بعدن في مذكرتها المؤرخة 5 أكتوبر 2004م بإلغاء جميع العقود المصروفة لاحقاً في الأراضي التي سبق صرفها للمدعين بعقود رسمية عام 1993م، ونبهته إلى أن قراراً تنفيذياً بذلك قد صدر في 20 نوفمبر 2000م. تجلت نقاوة معدنها عندما رثت لمعاناة المنكوبين في ساحات القضاء طيلة السنوات الثماني المنصرمة.

ساد السنوات الأخيرة زخم من تمرير المذكرات، الذي أخذ الأسلوب الكروي «خذ وهات» فمدير الأمن يخاطب محافظ عدن بأن أحكاماً قضائية صدرت لصالح ناصر أحمد النمي وآخرين وعددهم (57) فرداً ضد المحكوم عليها مصلحة أراضي وعقارات الدولة م/عدن وإدارة أمن م/عدن، وقد قضى الحكم بعدم التعرض للمذكورين أعلاه من قبل المصلحة وفي بقع الأراضي الممنوحة لهم، راجياً تكرمه بالاطلاع على الحكم. بدوره أشّر الأخ المحافظ بأن على مدير عام المصلحة الاطلاع والإفادة. تخلص مدير عام المصلحة من المأزق بأن أفاد محافظ عدن بأن التنفيذ من مهام الأمن.

استمرت عملية «خذ وهات» ووصلت الكرة إلى قدم الأخ وزير العدل، الذي مررها لعدالة رئيس محكمة استئناف عدن موجهاً بتنفيذ الحكم، فوجه عدالته عدالة رئيس محكمة صيرة الابتدائية باتخاذ الإجراءات الكفيلة بتنفيذ الحكم. قاضي التنفيذ، وجيه حامد مرشد يخاطب محافظ عدن، طالباً منه العون لتنفيذ قرار القضاء.

يشير الفصل الأخير في المأساة الملهاة أن محافظ عدن وجه خطاباً في 30 مارس 2005م إلى مدير أمن محافظة عدن أفاده فيه بحيثياث القضية من حيث مذكرة رئيس محكمة صيرة الابتدائية الموجهة إلى مدير أمن المحافظة بتاريخ 23 فبراير 2005م بشأن تنفيذ الحكم القضائي الصادر في 21 مارس 1998م، وخطاب مدير عام مصلحة أراضي وعقارات الدولة المؤرخ 28 سبتمبر 2004م الموجه للمحافظ بشأن إلغاء العقود التي صرفتها لاحقاً عامي 97/1998م في الأراضي الممنوحة للمحكوم لهم عام 1993م وتثبيث شرعيتها، وطالما أن الحكم قد أصبح نهائيا وواجب التنفيذ، فعلى مدير أمن المحافظة تمكين المذكورين من أراضيهم.

المشاهد مجتمعة تذكرني بمباراة كرة قدم بين فريقين، خطة أحدهم هجومية والأخرى دفاعية، وهذا هو حال أهل الحق في أراضي مخطط النصر. جهات عدة نصرتهم ومع ذلك لم يتمكنوا خلال ثماني سنوات وحتى الآن من استعادة حقوقهم، لأن أحداً لم يتجرأ ويعترف بأن أصحاب العقود اللاغية في غالبهم من العيار الثقيل، وهناك صعوبة كبيرة في وضع الحكم القضائي موضع التنفيذ على الأرض، وهي تذكرني بقصة «من يضع الجرس على رقبة القطة؟!» ونجاح هذه المهمة مرتبط بقصة أكبر وهي قصة «الفيل يا جلالة السلطان!».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى