رجال في ذاكرة التاريخ 1- الشيخ عبدالله عبدربه مجلبع: عصامي وصاحب رصيد وطني عمره نصف قرن 2- اللواء سالم مسيبع المطهافي: خبر الترقيات والتضحيات على مدى نصف قرن

> «الأيام» نجيب محمد يابلي :

> 1- الشيخ عبدالله عبدربه مجلبع:الميلاد والمنشأ...الشيخ عبدالله عبدربه مجلبع، من مواليد «الصعيد» حاضرة مشيخة العوالق العليا عام 1935م، وهو حفيد شيخ العوالق العليا، امرصّاص بن فريد، نشأ الشيخ عبدالله يتيم الأب، وتولى رعايته جده مجلبع بعد وفاة عبدربه مجلبع في غارة جوية يابانية علي إحدى المدن الأندونيسية التي كان يعمل فيها.

تلقى الشيخ عبدالله تحصيله الأولى من القرآن ومبادئ القراءة والكتابة بمدرسة آل الحداد في مدينة الصعيد، وخرج بعد ذلك إلى ميدان الحياة وهو في ميعة الصبا والتحق في صفوف الحرس الحكومي (الذي تعارف الناس على تسميته بـ«معسكر شبرد») والحرس الاتحادي لاحقاًً. عين في نهاية الخمسينات من القرن الماضي أميناً لمستودع قوة الحرس في إمارة الضالع، وانتهت خدماته في الحرس في نهاية 1955م في عهد العقيد فضل عبدالله بن فريد، قائد الحرس آنذاك.

الشيخ عبدالله يحمل عصا الترحال إلى السعودية
خاض الشيخ عبدالله عبدربه مجلبع تجربة الاغتراب الجغرافي وهو في ربيع العمر، حيث غادر إلى المملكة العربية السعودية عام 1956م، وحط الرحال في الرياض والتحق بمؤسسة محمد بن لادن وهداه تفكيره المسؤول إلى سد النقص في مجال التأهيل فقرر أن يجمع بين العمل والدراسة، فكانت ثمرة ذلك الجهد اجتياز المرحلة المتوسطة التجارية، وطمح إلى أكثر من ذلك واتخذ قراراً آخر وهو ممارسة الأعمال التجارية الخاصة، وكانت المهمة بالنسبة له مهمة «البحث عن الذات».

في الكويت.. ممارسة التعددية الحزبية مع علي عنتر
في العام 1959م، قرر الشيخ عبدالله عبدربه إحداث تنوع في الاغتراب الجغرافي، وكان القرار بشد الرحال إلى الكويت وفي رأسه ثلاث مهام: الحصول على الوظيفة وخوض المرحلة الثانية من التأهيل وممارسة العمل الحزبي والسياسي لصالح حزبه «رابطة أبناء الجنوب» الذي اكتسب عضويته عام 1956م .

وفي الكويت، الحق الشيخ عبدالله بوزارة الأشغال العامة وهناك واصل دراسته الثانوية وتوّجها بحصوله على شهادة الثانوية العامة، أما على صعيد العمل الحزبي فقد نشط الشيخ عبدالله فيه وأبلى بلاء حسناً حتى أصبح رئيساً لتنظيم الرابطة في الكويت، التي شهدت نشاط التيار القومي، حيث تأثر المناضل الوطني المعروف علي أحمد ناصر عنتر بحركة القوميين العرب، وواصل هناك المناضل الوطني المعروف علي عقيل بن يحىى عمله الحزبي مع حزبه البعث العربي الاشتراكي.

من الكويت إلى كور العوالق
وفي العام 1966م، غادر الشيخ عبدالله عبدربه مجلبع، الكويت إلى القاهرة والتقى هناك قادة «الرابطة»، وتوجه بعد ذلك إلى عدن والتقى الأستاذ شيخان الحبشي، الأمين العام للرابطة والسيد عبدالله الجفري وغيرهما، وطلباً منه التفرغ للعمل الحزبي في منطقة العوالق.

نفذ الشيخ عبدالله مجلبع التكليف الذي اسند إليه في منطقة العوالق حتى اعتراف الحكومة البريطانية بالجبهة القومية ممثلاً للشعب في «الجنوب العربي» والتي أثمرت اتفاقية الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية . شكلت حركة الوحدة الوطنية عام 1968م على خلفية استثناء الفصيلين الوطنيين: جبهة التحرير والرابطة، وفصل عدد من ضباط القوات المسلحة والأمن.

انطلقت مسيرة شعبية في 22 يوليو 1968م وشاركت فيها قوى وطنية (جبهة التحرير والرابطة) والضباط المبعدون من القوات المسلحة والأمن ورجال القبائل وانفجرت شرارة المعارك في منطقة العوالق العليا بين القوى المتحالفة وقوات النظام خلال الفترة (أغسطس 1968م - سبتمبر 1969م) في جبال كور العوالق، وكان الشيخ عبدالله عبدربه مجلبع من رموز تلك الحركة البارزين.

الشيخ مجلبع في حضرة القاضي الإرياني
نزح مئات المقاتلين العوالق من جبال الكور، وولوا شطر صنعاء في العام 1969م. كان الشيخ عبدالله عبدربه مجلبع على رأس وفد من المقاتلين الذين التقوا القاضي عبدالرحمن الإرياني، رئيس المجلس الجمهوري، على خلفية نبأ أذاعته عدن يوم 22 يونيو 1969م أن الحركة التي اقترنت بهذا التاريخ والتي تزعمها سالم ربيع علي قد أقصت الرئيس قحطان الشعبي عن السلطة، فعقب القاضي الإرياني بحضور أعضاء الوفد : هولاء الجدد أسوأ ممن سبقوهم.

الشيخ مجلبع مع الشيخ فريد بن بوبكر وآخرين في حركة المقاومة
وفي العام 1970م شكلت حركة في صنعاء لمقاومة النظام في الجنوب، وانطلقت الحركة من ثلاثة محاور: محور ردفان بقيادة عبدالله الأصنج ومحمد سالم باسندوه، والمحور الأوسط (دثينة والعواذل) بقيادة حسين عثمان عشال ومن معه من النازحين من الجنوب، والمحور الشرقي (العوالق ومرخة وبيحان) بقيادة الشيخ فريد بن أبوبكر بن فريد والشيخ عبدالله عبدربه مجلبع، واستمرت حركة المقاومة لمدة ثمانية أشهر.

الشيخ مجلبع من ضمن المحاورين للاشتراكي في الهند
غادر الشيخ عبدالله عبدربه مجلبع أراضي المحافظات الشمالية إلى المملكة العربية السعودية عام 1972م ومارس أعمالاً خاصة إلى جانب نشاطاته السياسية كمساعد للأمين العام لرابطة أبناء الجنوب.

كان الشيخ عبدالله عبدربه من ضمن المشاركين من الرابطة وهم: السادة عبدالرحمن بن علي الجفري وأحمد علي الجفري وذو النون صادق الأهدل في الحوار الذي فتحوه مع الحزب الاشتراكي الحاكم أثناء زيارة وفده للهند عام 1982.

وضع الرابطيون عدداً من الشروط بغرض تطبيع الأوضاع في المحافظات الجنوبية، ومنها السماح بعودة الأحزاب السياسية في الجنوب وإطلاق الحرية العامة وتحقيق الديمقراطية والتعددية السياسية وإعادة الممتلكات الخاصة المؤممة، إلا أن شروطهم رفضت جملة وتفصيلاً.

الجنوب والرابطة يشهدان انعطافاً عام 1986م
شهدت المحافظات الجنوبية أحداثاً مؤسفة عام 1986م والمعروفة بأحداث يناير وعلى خلفية تلك الأحداث قاد الشيخ عبدالله عبدربه مجلبع مع زملائه في قيادة الرابطة حركة تجديد ومطالبة بحضور سياسي لمجاراة المستجدات في الساحة السياسية في اليمن.

على اثر تلك المطالبة، حدث انشقاق داخل الرابطة بين الحرس القديم والدماء الجديدة وأسفر ذلك عن عقد مؤتمر للرابطة وانتخاب قيادة جديدة على النحو التالي: 1) عبدالرحمن علي الجفري، رئيساً. 2) محسن محمد بن فريد، أميناً عاماً .3) عبدالله عبدربه مجلبع، مساعداً للأمين العام.

الإعلان عن قيام حزب «رأي» في اليمن
بعد قيام دولة الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م، انتقلت القيادات الشابة الجديدة لحزب الرابطة إلى صنعاء، عاصمة دولة الوحدة وأعلنت عن قيام حزبها الجديد «رابطة أبناء اليمن» (رأي) وأن نشاطها السياسي والحزبي سيشمل اليمن، شمالاً وجنوباً، ومن خلال موقعه مساعداً للأمين العام، قام الشيخ عبدالله عبدربه مجلبع بجولات عديدة في المحافظات لتفقد فروع الحزب والإشراف على العمل السياسي والتنظيمي لحزب «رأي».

يجد الشيخ عبدالله عبدربه مجلبع متعته في مكتبته الخاصة الزاخرة بأمهات الكتب في شتى المعارف والمجالات وعلى سبيل المثال لا الحصر: الأدب والتاريخ والسياسة، وتحقق كل ذلك بفضل الله ومن بعده سنوات كفاحة الدائب القائم على صرح العصامية، أو الانطلاق من نقطة الصفر.. له ابنان هما صالح ووليد.

اللواء سالم أحمد مسيبع المطهافي:
الولادة والمنشأ...اللواء سالم أحمد مسيبع المطهافي من مواليد 1360هـ (حوالي 1941م) في قرية المطهاف بمديرية رضوم فيما كانت تعرف بـ «السلطنة الواحدية». تزامن يوم ميلاد اللواء سالم مع وصول الكولونيل ليك، قائد جيش محمية عدن (APL) والذي تعارف الناس على تسميته بـ «جيش الليوي» LEVIS الذي أقام في نفس البيت الذي استضاف ولادة اللواء سالم وهو منزل الشيخ سالم بن سعيد الحميري، جد اللواء سالم من جهة الأم.

قام اللواء ليك، قائد جيش محمية عدن بزيارة المنطقة للتفاوض مع قبائل آل لخنق اثر مقتل اثنين من ملاحي إحدى الطائرات البريطانية التي أُسقطت بعد أن قامت بقصف منطقة الحامية، وهي بلدة آل العظم الذين تصدوا للقصف الجوي البريطاني.

استغل بعض أفراد الأسرة مصادفة زيارة الكولونيل ليك مع مولد سالم مسيبع واقترحوا تسمية المولود باسم ضيفهم «ليك»، إلا أن جده الشيخ سالم الحميري اعترض على تلك التسمية وسماه «سالم» .

أول المشوار.. من المطهاف إلى البريقة
تلقى سالم أحمد مسيبع المطهافي تحصيله الأولي من القرآن ومبادئ القراءة والكتابة على يد المغفور له بإذن الله الشيخ محمد عبدالله المطهافي، وبعد انتقاله إلى عدن، انتقل إلى مدينة البريقة، حيث أقام في منزل عمه سالم يسلم العزاني وتلقى فيه دروساً خصوصية في اللغة الإنجليزية على يد أحد موظفي شركة النفط البريطانية (B.P).

انضم سالم مسيبع إلى جيش محمية عدن عام 1956م ضمن قوة فرقة الموسيقى، وبعد سنتين تم نقله إلى مكتب التسجيل في قيادة الجيش بوظيفة كاتب، ونقل بعد فترة إلى السلك الكتابي في الكتيبة الثانية، السرية الخامسة مشاة.

سالم مسيبع في تعز
كان سالم أحمد مسيبع المطهافي من ضمن آلاف المتفاعلين مع قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م. حيث ترك خدمته في جيش محمية عدن وغادر إلى تعز حاملاً معه جهاز إرسال لا سلكي قدمه هدية للعقيد عبدالقادر الخطري، قائد لواء تعز آنذاك وترسخت العلاقة مع العقيد الخطري، الذي أبلغه بقرار القيادة اليمنية بتعيينه نائباً للأستاذ محمد عبده نعمان، الذي قاد الحملة العسكرية ضد الملكيين في حريب بمحافظة مأرب، وحالت الأقدار دون المشاركة في تنفيذ المهمة الوطنية التي أسندت إليه، إذ وصلته رسالة من عدن حملت خبراً مشؤوماً بأن والده مرقّد في مستشفى مصافي عدن.

رياح الأقدار تهب في اتجاه معاكس
وصل اللواء سالم مسيبع على جناح السرعة إلى عدن لزيارة والده المريض والسهر علي رعايته. وبعد أن من الله بالشفاء على والده الذي حثه على المغادرة إلى المطهاف لزيارة أمه وزوجته، مكث مسيبع شهراً واحداً في رحاب أسرته وعزم على الرحيل إلى تعز، وما إن وصلها حتى فوجئ بأن خاله الشيخ مقبل عائق باعزب قد عين خلفاً له نائباً للأستاذ محمد عبده نعمان.

عاد سالم مسيبع إلى عدن وأقنعه صديقه الرائد قائد محمد أحمد قباطي، مدير مكتب الإحصاء والتسجيل في قيادة جيش الليوي بأن يلتحق بخدمة الجيش، وبدأ مسيبع خدمته السرية في أبريل 1969م.

مع معمر القذافي وعبدربه منصور هادي في بريطانيا
ابتعث سالم أحمد مسيبع مع عبدربه منصور هادي (فريق ركن ونائب رئيس الجمهورية حالياً) مع ضباط عسكريين آخرين في دورة دراسية وتدريبية إلى بريطانيا عام 1966م. وأقاموا في قرية بيكنسفيلدا، حيث تلقوا دراستهم في مدرسة اللغات التابعة للجيش البريطاني.

كان لهم شرف التعرف في تلك المدرسة على شقيقهم القادم من ليبيا العقيد معمر القذافي، الذي قاد ثورة الفاتح من سبتمبر 1969م في ليبيا.

يروي سالم مسيبع حكاية خلدت في ذاكرته عندما اختلف العقيد القذافي مع مدرسهم الإنجليزي الذي زعم بأن للعرب عدة لغات، فانبرى له القذافي قائلاً بأن للعرب لغة واحدة وربما تقصد أن عندهم عدة لهجات.

راح القذافي يؤكد على صحة مقولته، فوجه الدعوة للأخوة العرب الدارسين في المدرسة للاصطفاف تحت لوحة الكتابة (السبورة) والتقطت صورة جماعية لهم .

تخرج سالم أحمد مسيبع مع عبدربه منصور هادي وطلاب البعثة العسكرية الآخرين في مدرسة «مونس» بإنجلترا وكان التخرج برتبة «ملازم» وعادوا من بريطانيا في 4 ديسمبر 1966م. نقل سالم مسيبع بعد تخرجه إلى «الكتيبة الخامسة» وعُيّن أركان الكتيبة في فبراير 1967م.

وفي صيف 1967م تم اختيار سالم أحمد مسيبع مع مجموعة من الضباط للالتحاق بـ «دورة مسيطرين جويين» وعقدت الدورة في معسكر بدر، مقر سلاح الطيران البريطاني آنذاك.

سالم مسيبع في الجمهورية العربية المتحدة
ابتعث سالم أحمد مسيبع إلى الجمهورية العربية المتحدة (جمهورية مصر العربية حالياً) عام 1969م في دورة كتيبة دبابات (ك/بب) وعُين بعد عودته ضابط السلفة لسلاح المدرعات ثم قائد سرية دبابات، وفي عام 1972م صدر قرار بتعيينه قائد كتيبة دبابات بمنطقة العبر، وتمت ترقيته عام 1973م ليصبح قائد مدرسة المدرعات.

سالم مسيبع في ديوان وزارة الدفاع وفي العام 1974م، تم نقل سالم أحمد مسيبع إلى ديوان وزارة الدفاع وعُين ركن الضبط والمراسيم، وعُيّن في نفس العام نائب مدير العلاقات الخارجية للشؤون الدبلوماسية بوازة الدفاع.
يلاحظ أن كثرة التنقلات تبين أن النظام في المحافظات الجنوبية لم يرسم ويرسخ في حساباته أن مثل هذا السلوك يُلغي عامل الاستقرار الذهني والنفسي عند القائد وأفراد قوته بل والنظام برمته، ويفرز تكريس ذلك السلوك انشقاقاً في وحدة الصف، ونتيجته الحتمية «الصراع الدموي».

مشروع قاعدة العند على كتفي سالم مسيبع
أسندت لسالم أحمد مسيبع مهمة إدارة مشروع قاعدة العند في نهاية 1975م، واستمر في تأدية مهامه في ذلك المشروع العملاق حتى أغسطس 1982، وتعرض بعد ذلك لإجراء تعسفي في إطار مسلسل الفرز (مع فلان وضد فلان) وتم تعيين سالم مسيبع ضمن أركان سفارة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في أديس أبابا، عاصمة أثيوبيا، واستمر في تأدية مهامه هناك حتى حركة 13 يناير 1986م.

سالم مسيبع في صنعاء والمعاناة من المرض
نزح سالم أحمد مسيبع إلى صنعاء بعد أحداث يناير 1986م والتحق هناك بمجموعة الرئيس علي ناصر محمد. سارت الأمور بصورة عشوائية قبل وبعد قيام دولة الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م وأصبحت الوظيفة والاستحقاقات لا تخضع للثوابت الإدارية والقانونية والأخلاقية. عُين سالم أحمد مسيبع في وزارة الدفاع ثم عٌين بعد ذلك مستشاراً لرئيس هيئة الأركان ثم أحيل للتقاعد . انتكست الأحوال الصحية للواء سالم مسيبع وسافر إلى الأردن لتلقي العلاج، وهو الآن في طور التماثل للشفاء,له 4 من الأبناء و5 بنات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى