د. سمير الشميري في ندوة منتدى «الأيام» حول الجريمة وسبل مكافحتها...التنشئة الاجتماعية إذا كانت سيئة تخرج منها سيئات داخل المجتمع ويتناسل منها الإجرام والمجرمون

> عدن «الأيام» خاص :

> في الحلقة الثالثة من ندوة الجريمة وسبل مكافحتها يواصل د.سمير عبدالرحمن الشميري، أستاذ مشارك في علم الاجتماع بجامعة عدن، شرح الابعاد الاجتماعية للجريمة فيقول :

نظرية التحكم والسيطرة ترى أن المجرم يصير مجرما بسبب ضعف العلاقات العائلية والأسرية والعشائرية، وبالتالي هذا يؤدي به إلى توترات معينة ويؤدي به الى ارتكاب فعال وسلوكات تضر بالامن الاجتماعي، هناك أيضاً نظرية ثقافية التي تقول إن المجرم صار مجرماً بسبب ارتباطه برفاق السوء وتعلم منهم مهنة الإجرام.

يمكن في هذا السياق أن أقول إنه لا يمكن عندما نتحدث عن الاجرام أن نتحدث عن عالم محدد أو معين فقط ونقول إن هذا هو السبب الرئيسى أو السبب الأحادي فقط لارتكاب الجرائم، ارتكاب الجرائم له مسببات مختلفة مرتبطة بالجهل والامية ومرتبطة بأزمات نفسية ، مرتبطة بأسباب اقتصادية واجتماعية ، مرتبطة بالوضع الاجتماعي، وبضعف هيئات الضبط، وبالتفكك الاسري وبالبيئة الجغرافية، وبضعف الوازع الديني، ومع ذلك بالإمكان أن أقول بكلمة عريضة إنه في الوقت الذي نسلم فيه بوجود عوامل مختلفة وأسباب متعددة لارتكاب الجرائم إلا أنه لا يمكن أن ننسى أن الاسباب الرئيسية لوجود مثل هذه التصرفات تأتي نتيجة لعسر الحياة المعيشية، للفقر ولضيق ذات اليد والحياة القاسية والعيش على شيء من القلة والشظف، وازدياد حجم الفقر والفساد والمشاكل الاجتماعية المتضخمة في المجتمع، علاوة على أننا لا يجوز أن نهمل أو ننسى ضعف الوازع الديني وانهيار الاخلاق والقيم الاجتماعية وضعف مؤسسات الضبط.

هنا عندما نحلل ايضاً مسألة الجرائم في مجتمعنا اليمني لاننسي مثلاً أن الفقر لعب دوراً رئيسيا في شيوع الجرائم داخل المجتمع، خاصة اذا عرفنا أن سعر الدولار عند قيام الوحدة اليمنية كان 14 ريالا، اليوم سعر الدولار صار قرابة 192 ريالا، انخفض دخل الموظفين قرابة عشر مرات، نلاحظ ايضاً أنه في عام 1990م كان دخل الفرد 541 دولارا، الآن دخل الفرد ما يقارب 275، عدد الفقراء تقول احدى الدراسات في اليمن إنه يصل الآن إلى 8 ملايين فرد داخل المجتمع.

نحن كمتخصصين في علم الاجتماع نقول ايضاً ضمن مسببات الجرائم التي تحدث في المجتمع هي التنشئة الاجتماعية السيئة داخل المجتمع وعادة ماذا نقصد بالتنشئة الاجتماعية، أننا نجعل الفرد يتكيف مع المجتمع يتكيف مع عادات وتقاليد المجتمع، نجعل الفرد يكتسب ثقافة المجتمع ويحترم العادات والتقاليد الاجتماعية، ويسلك سلوكاً نزيهاً ونظيفاً داخل المجتمع، يحبث لا يشكل هذا السلوك عبئاً على الحياة الاجتماعية ولا يشكل خطراً على الامن الاجتماعي، التنشئة الاجتماعية يتم بها تحويل طفل من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي، نعلمه كيف يأكل ويشرب ويقرأ، وكيف يتصرف تصرفاً سلوكياً يتواءم مع إيقاع الحياة الاجتماعية الموجودة في المجتمع، لكننا في الضفة الاخرى نرى عندما تكون التنشئة الاجتماعية سيئة، فهذه التنشئة الاجتماعية اذا كانت سيئة تخرج منها سيئات داخل المجتمع وتتناسل من هذه التنشئة الاجتماعية الإجرام والمجرمون داخل المجتمع، نتيجة لسوء التنشئة الاجتماعية الموجودة داخل المجتمع.

طبعاً من ناحية اجتماعية اذا نظرنا إلى المجرمين بشكل عام من زاوية اجتماعية نرى أن عائلاتهم تتميز بالتفكك الأسري، ازدياد مشاكل الطلاق في هذه العائلات نرى أنه في فترة طفولتهم تربوا في مناخات اجتماعية قاسية بنوع من التشدد والصرامة، نرى أنهم عاشوا في أجواء يسودها الخلافات الاجتماعية أو اهمال لحياتهم مما أدى بهم إلى ارتكاب جرائم تشكل خطراً على المجتمع وعلى الامن الاجتماعي.

طبعاً نحن عندما نتحدث عن الجرائم في المجتمع اليمني حسب الاحصائيات لعام 2004م ارتكبت في الجمهورية اليمنية 22575 جريمة، نلاحظ ايضاً أن أبرز الجرائم لعام 2004م تأتي في بدايتها هي السرقات التي هي 4756 أي بنسبة 21%، الإيذاء العمدي 2457 جريمة بنسبة 88.10%، الشروع في القتل ومن ثم الايذاء العمدي، المعدل اليومي للجرائم في الجمهورية اليمنية لعام 2004م 62 جريمة في اليوم الواحد، المعدل الاسبوعي للجرائم 432 جريمة، المعدل الشهري للجريمة 1881 جريمة.

أنا حقيقة أعددت نماذج من الجرائم التي ارتكبت، ولكن لا أستطيع أن اقرأ عليكم هذه النماذج من الجرائم التي حدثت ولكني سأختصر بعض الجرائم اللافتة للانتباه، نلاحظ مثلاً يوم الاثنين 6/12/2004م مقتل رجل الاعمال محمد سالم الصغير وزوجته المصرية، ارتكبت الجريمة ابنتهم الجامعية التي أدمنت تعاطي المخدرات، الاربعاء 12/1/2005م مقتل عمار الصبيحي في شارع الملكة أروى بسبب أن أحدهم يتلصص عليه في منزله، الاحد 16/1/2005م مقتل الخضر طالب أحمد علي الشعيبي، الجمعة 18/3/2005م مقتل الشاب نصر أحمد الدبعي بطلقة نارية في رأسه أطلقها عليه أبوه وأرداه قتيلاً، الثلاثاء 29/3/2005م أقدم شابان مسلحان بقنبلة يدوية ومسدس على اختطاف سيارة تابعة لشرطة النجدة والفرار بها في نقطة العريش.

14/4/2005م مقتل الشاب أحمد علي فارع عندما خرج إلى الشارع في المنصورة على إثر طلقة رصاصة طائشة، الجمعة 15/4/2005م أصيب الشاب ابراهيم علي يسلم مسعود من ساكني حارة عنتر في الممدارة برصاصة طائشة.

حادثة كود بيحان التي حدثت في مارس 2005م، والتي أقدم فيها شاب على قتل اخته وزوجها ودفنهما في حوش المنزل.

حادثة أيضاً في 4/4/2005م مقتل عبدربه زين الشطيري بصلاح الدين في البريقة من قبل زوجته وخليلها بالتنسيق مع قاتل لقتله.

الاربعاء 4/5/2005م أب يقتل ابنه بطلق ناري وجلس يشرب من دمه في الضالع بمدينة الحشا.

الأربعاء 4/5/2005م أصيبت امراة بطلق ناري طائش، عندما كانت تطل من منزلها عندما تدخل رجال الأمن وأطلقوا النار في الهواء.

هنا نلاحظ أيضاً من الجرائم الكبيرة الجريمة الذي أقدم عليها خالد علي يحيى عفيف بممارسة اللواط مع الشاب سعيد أحمد مبارك عويض 16 سنة، بعد تلك الحادثة قام بقتله في شقته وساعده على تقطيع جثة القتيل كرامة عفاش سعد سعيد الذي يعمل جزاراً، حيث تم تقطيع جسمه إرباً إرباً، طبعاً حدثت هذه الجريمة بحي العمال في مدينة المكلا.

هنا يأتي السوال لماذا هذه الجرائم الفظيعة؟ هل المسالة تعود إلى التنشئة الاجتماعية أم أن هناك خللا في هيئات الضبط، أم أن هناك ضعفا في الوازع الديني أم أن هناك عسرا في الحياة الاقتصادية داخل المجتمع؟ حقيقة من وجهة نظري أنه توجد عوامل مختلفة لهذه الجرائم التي تحدث داخل المجتمع، منها عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية، عوامل ضعف التنشئة الاجتماعية داخل المجتمع، عوامل ضعف هيئات الضبط داخل المجتمع، الامر الذي يؤدي إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية، إلى حدوث جرائم داخل المجتمع بسبب عدم حسم هيئة الضبط للمشاكل التي توجد داخل المجتمع، عموماً عندما نتحدث عن هيئات الضبط، فمن المعروف أنه توجد هيئات ضبط رسمية وهيئات ضبط غير رسمية داخل المجتع، وبالامكان ايضاً أن نقول إن الضبط الاجتماعي هو جملة من المعايير والقيم والادوات والتدابير الاجتماعية الموروثة والمكتسبة، التي تحكم تصرفات أفراد المجتمع ويحترمها الجميع من أجل ضبط ايقاع الحياة وتنظيم السلوكيات الاجتماعية والثقافية والتربوية والاخلاقية بما يحافظ على تماسك المجتمع وقوته. ويحد من انتشار الجرائم والتفسخ الاجتماعي والاخلاقي داخل المجتمع، فمن المعروف أنه يوجد أدوات للضبط الاجتماعي، وهي الدين، العادات والتقاليد والاعراف، الاسرة، المدرسة، وسائل الإعلام، القوانين الثقافية، الرأي العام، هذه أدوات للضبط الاجتماعي، وكما هو معروف قلنا إنه يوجد نوعان للضبط الاجتماعي، النوع الرسمي ونوع غير رسمي والضمير، النوع الرسمي للضبط الاجتماعي نقصد به الشرطة، السجن، القوانين، الزجر، الموسسات العقابية، هذه الأدوات نقصد بها الضبط الرسمي. هناك أدوات ضبط غير رسمية وهي ترتكز أساساً على التنشئة الاجتماعية وعلى الوازع الديني وعلى العادات والتقاليد وعلى الضمير، ما نلاحظ حقيقة أن مجتمعنا الآن يعيش ما بين التقليدية والحداثة لا نستطيع أن نطلق على مجتمعنا أنه مجتمع حديث، ولا نستطيع ايضا بشكل صارم القول إن مجتمعنا هو مجتمع تقليدي، وبالتالي فإننا نعيش مرحلة انتقالية، في هذه المرحلة الانتقالية دائماً كما يشير علماء الاجتماع تحدث هزات وارتجاجات داخل المجتمع يحدث ايضاً ترجر جات وتحدث ايضاً جرائم بشكل مجلجل داخل المجتمع يهز التساكن الاجتماعي، ويهز التماسك الاجتماعي ويهز سكينة المجتمع.

أدوات الضبط لدينا وخصوصاً الرسمية تعاني من ضعف، بالتالي إن هذا الضعف يعطي امكانيات كبيرة لانتشار الجرائم بهذا القدر او ذاك طبعاً عندما نتحدث، هكذا نحن لا نقصد من وراء أحاديثنا إلا اصلاح العورات، اصلاح النقائص الموجودة داخل المجتمع، وفي عين الوقت ايضاً نقدر بشكل جلي الخطوات النجيبة التي يقوم بها الشرفاء في هيئة الضبط، ولكننا نشير بسبابتنا إلى نقص موجود لمسألة ضبط الحياة الاجتماعية داخل المجتمع للتقليل من الجرائم، طبعاً حتى نحن كمؤسسات تربوية نحن في مؤسسات التربية والتعليم نعلم كل شيء ونعلم ايضاً الغش وأكبر دليل على ذلك حتى احياناً في الامتحانات وهذا لا ينطبق علينا فقط، وانما هو موجود ايضا في دول العالم الثالث، صحيح أن مؤسسات التربية والتعليم تقوم بأدوار مهمة وكبيرة هناك ضعف وهناك عوائق ومشاكل هذه مسألة لا غبار فيها، ولكن مع ذلك نرى ايضاً ضعفا.

وهذا الكلام لا ينطبق علينا نحن في مجتمعنا فحسب، بل ينطبق على البلدان العربية الاخرى والبلدان النامية، فلا يجب أن نتحسس ونحن ايضاً نعلم أننا قلب العملية التربوية ولا نخاف أن نرى وجوهنا في المرآة لانه اذا ابتعدنا عن المرآة نحن نغالط أنفسنا، وبالتالي نقول إنه لابد أن تتضافر الجهود وأن حل مسألة التقليل من الجرائم الموجودة داخل المجتمع طبعاً لا يمكن أن تحلها الهيئات النظامية لوحدها ولا المؤسسات التربوية لوحدها، ولا يمكن أن يحلها المسجد أو المدرسة فقط، بل يجب أن تتكاتف الجهود من أجل تقليص حجم الجرائم الموجودة داخل المجتمع، ومن أجل أن لا توجد هناك جرائم مجلجلة ومخيفة تضر بالامن الاجتماعي الموجود داخل المجتمع.

أشكركم على حسن الإصغاء، وأعتذر بحرارة عن اسهابي في الحديث فالمعذرة».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى