الديس الشرقية.. تراث زاخر وجمعية وليدة

> «الأيام» محمد سالم قطن :

> مديرية الديس الشرقية، وادي عمر، واحدة من أشهر المناطق الساحلية بمحافظة حضرموت .. تردد ذكرها كثيراً في مدونات تاريخ حضرموت المعاصر، وفي دواوين شعراء الحضر والبادية الحضرمية، كما نجد اسمها وميناءها القرن مسجلين حتى اليوم في أضابير تاريخ الملاحة اليمنية، كما نشاهد على الخارطة السياحية منتجعها الشاطئي في شرمة وقد غدا مؤخراً محمية ساحلية لرعاية سلاحفها الكثيرة، التي وجدت في هذا الشاطئ المرعى الآمن والحضن الدافئ لتربية صغارها منذ أقدم الأزمان. وهي تشكل مع منطقة يثمون محمية طبيعية بطول 50 كيلومترا، وتوجد بها أعداد لا حصر لها من السلاحف النادرة التي اعتادت منذ زمن طويل أن تضع بيضها على تلك الرمال الفضية.

لقد كانت الديس الشرقية طوال مرحلة الدويلات الصغيرة ثم السلطنات التي حكمت حضرموت، نقطة احتكاك ساخنة تقاطع فيها الصراع بين نفوذ الدويلات وسطوة القبائل البدوية (خاصة منها قبائل الحموم شديدة المراس) لهذا أوجدت الدويلات المتعاقبة سلسلة من الحصون والاستحكامات العسكرية لا زال البعض منها قائماً داخل البلدة أو على الجبال القريبة ومشارف الوديان. كما أن الديس الشرقية تمتعت تاريخياً بمزيج من الحياة الحضرية والريفية جعلاها نقطة تلاقٍ بين مظهري الفلكلور الحضرمي البدوي والحضري، دهراً طويلاً من الزمن.

اليوم، صار كل هذا جزءا من ماض قد انقضى. ولأن الماضي عادة يصبح في خبر كان، وكان وأخواتها - كما قرر النحاة - ترفع المبتدأ وتنصب الخبر. لهذا فلم تعد الأجيال الجديدة تعرف شيئاً عن ذلك التاريخ، الذي توارى بحسناته وسيئاته. كما لعبت عوامل التعرية الطبيعية والبشرية على ما تبقى من شواهد وآثار. لهذا، فقد تداعى منذ عدة سنوات المثقفون في هذه المديرية إلى تأسيس جمعية للتراث والآثار والموروث الشعبي للحفاظ على هذا الإرث الثقافي والتعريف به.

وبعد مخاض طويل تم في فبراير من هذا العام إشهار هذه الجمعية، كما جرى انتخاب وتشكيل هيئة إدارية لقيادتها برئاسة الأخ سعيد عبدالرب الحوثري، وهو شخصية اجتماعية ونضالية معروفة وزميل لنا في الكتابة لـ «الأيام»، وفي منزله بمدينة الديس الشرقية قبل أيام، كان لي معه لقاء قصير، تحدثنا فيه عن التاريخ والديس والتراث والجمعية الوليدة، إليكم خلاصته:

كيف نشأت فكرة هذه الجمعية؟ وكيف سارت خطوات التأسيس؟

- الديس الشرقية غنية بتراثها وآثارها وموروثها الشعبي منذ قديم الزمان، كما أنها أنجبت رموزاً ثقافية وأدبية. دعني أحدثك عما تحويه الديس من معالم في مختلف هذه الجوانب.. كلها دفعتها للسعي لإقامة الجمعية. توجد فيها الكثير من الحصون التاريخية التي بنيت فوق الهضاب بأسلوب هندسي يخدم الأغراض العسكرية التي أنشئت من أجلها، ومن هذه الحصون التي مازالت قائمة حتى اليوم، كوت العيينة، وكوت الغارق، وكوت الصيق، وكوت الخليف وفيها أيضاً المياه المعدنية الطبيعية التي يلجأ إليها الناس للاستشفاء والعلاج منذ زمن طويل، مثل معيان صويبر وثوبان المشهورين، وأيضاً معيان الصيق، الذي حفر قبل مئات السنين وهو غني بالمياه الكبريتية النافعة. كانت الديس قديماً مفادة للشعراء ومغني الدان الحضرمي، إذ كانت موطن أشهر شعراء الدان والشبواني أمثال الشعراء المرحوم عوض بن سبيتي والمرحوم عبدالله بن عمرو والسيد علوي مولى الدويلة وغيرهم. كان فيها نادي الإخاء والمعاونة الثقافي الذي تأسس عام 1939م، ومن مؤسسيه القاضي العلامة الراحل الشيخ محمد عمر العماري والأديب الراحل الشيخ سعيد عبدالله بحاح .. هذا النادي استضاف في الديس الشرقية عام 1944م الأديب الشهير علي أحمد باكثير والسلطان العلامة صالح بن غالب القعيطي والمؤرخ صلاح البكري، رحمهم الله جميعاً. كذلك أنجبت الديس الشرقية عدداً من أبرز علماء حضرموت منهم مفتي حضرموت العلامة عبدالله محفوظ الحداد، رئيس مجلس القضاء العالي، رحمه الله، والشيخ محمد شيخ بن إسماعيل رحمه الله، والشيخ محمد أحمد باصلعة، والعلامة عوض مبارك باراشد. فكرة إقامة جمعية تحيي هذا التراث موجودة في لقاءات الشباب والشيوخ، وفي أحلام كل المثقفين من أبناء الديس الشرقية، وفي العام الماضي برزت الفكرة إلى السطح، وصارت مطلباً خاصة بعد انهيار الجزء الخلفي من حصن البلاد، وهو معلم موجود في وسط المدينة وكان إلى وقت قريب مقر دوائر الدولة فيها، وكذلك لتعرض الكثير من المعالم الأخرى للاستحواذ من قبل الطامعين في الأراضي، فتم التحرك الجماعي وشكلنا الجمعية. ونحن نشكر جهود المهندس عوض سعد السقطري، نائب الدائرة في مجلس النواب على الدعم الذي أبداه للجنة التحضيرية وحتى إشهار الجمعية في 25/2/2005م، كما نشكر الدكتور عوض حسين البكري، مدير عام مكتب التربية والتعليم بالمحافظة على تهيئته لمقر الجمعية.

وعن أهداف الجمعية والمشاريع التي سوف تضطلع بها مستقبلاً قال الأخ الحوثري: أهداف الجمعية كثيرة وكلها تصب في خدمة تراث هذه المدينة والحفاظ عليه. لقد شكلنا عددا كبيرا من اللجان من أعضاء الجمعية، تخصص كل منها في القيام بجانب من جوانب الموروث الشعبي.. لدينا برامج لتوثيق التراث الشعري والأدبي وبرامج لتوثيق التاريخ الثقافي للمدينة وبرامج لترميم الآثار والحصون وغيرها الكثير. إننا نطلب مساعدة الجمعية من قبل الجهات والمؤسسات المعنية بخدمة التراث والبيئة في الداخل والخارج، لكي تنهض بهذه المهمة التي قامت من أجلها.

وماذا عن الدعم والتمويل لبرامجكم الطموحة؟

-نحن الآن في دورالتأسيس، لكننا بدأنا بخطوات ثابتة، وإن شاء الله يتوفر الدعم المالي ولو لكل برنامج على حدة، وأملنا كبير في تعاون أبناء الديس الشرقية في الوطن والمهجر. ونأمل دعم المحافظ الأستاذ عبدالقادر هلال وكل المؤسسات الرسمية والأهلية بمحافظة حضرموت وكذلك الجهات ذات العلاقة بقضايا الآثار والتراث الشعبي في عموم الوطن. وعبر «الأيام» الغراء نقدم دعوتنا لكل الخيرين للمساهمة في هذا المشروع الثقافي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى