د. عبدالرب ادريس لـ «الأيام» ما من أحد خدم التراث ولا يجوز الاكتفاء بمشروع واحد في الحياة

> «الأيام» سالم علي بن زقر :

> في زيارته القصيرة للوطن والأهل والأصدقاء ومشاركته أفراحهم وأعيادهم الوطنية أبى الفنان د. عبدالرب إدريس إلاّ أن يكون بلبلاً شادياً بألحانه التي حركت الأشجان وأسرت القلوب، فذابت عشقاً وهياماً، حيث قدم شكلاً راقياً ومتميزاً في الغناء اليمني والحضرمي أصبح حديث الجميع.

وقد حرصت «الأيام» أن تلتقي به وتجري معه هذا الحوار المثمر والصريح، الذي أفصح فيه لأول مرة بعد غيابه الطويل عن بعض الجوانب الخفية في مشوار حياته الفنية .. فإليكم حصيلة هذا اللقاء.

أول أغنية غنيتها .. وأول أغنية لحنتها؟

- ليست أغنية واحدة بل هما أغنيتان، وقد كان ذلك في حفل الندوة الموسيقية حيث طلب مني أن ألحن أغنيتين وأقدمهما في هذا الحفل لأول مرة عندما تأسست الندوة الموسيقية بالمكلا في أوائل الستينات بين عامي 62/63م كما أعتقد. فقد كنا الجيل الجديد الذي أتى في ذلك الوقت بعد الفنان محمد جمعة وإخواننا الذين سبقونا فقد طلب مني أن ألحن أغنيتين وأقدمهما بصوتي ليروا ما لدى الشباب الجديد من إمكانيات سواء في التلحين أو في الاداء، وقد كان من حسن حظي أن أكون أحد الاشخاص الذين لحنوا وشاركوا في هذا الحفل. والأغنيتان هما (من شعاب الخضر يا ظبي الشمال) وهذه كانت الأغنية الأولى وهي من كلمات الشاعر المرحوم صالح عوض بن بريك، والاغنية الثانية هي (أنا من في الهوى صبر) وهي من كلمات الشاعر صالح عوض مخروش.

من هو أستاذك موسيقياً؟

- عندما كنت في المكلا بدأت أتعلم على آلة العود فكان الموجه لي حينها الأستاذ محمد سالم باشريف، حيث لم أكن امتلك عوداً في ذلك الوقت والأخ محمد يمتلك عوداً، حيث إن امتلاك آلة العود لم يكن أمراً بسيطاً حينذاك. وقد كان يترك عوده عندنا في البيت، فكانوا يأتون إلى البيت عندنا ويجلسون وكنت أجلس معهم وأغني معهم أغاني مصرية لفنانين مصريين وأحياناً أغني أغنية أم كلثوم (افرح يا قلبي) وكان عمي عبدالمعين يمسك الإيقاع. وهذه كانت بدايتي قبل أن أملك عوداً أو أفكر في احتراف الغناء، وكان الكثير من الشخصيات الاجتماعية يأتون ويجلسون معنا في البيت، أذكر منهم على سبيل المثال الأخ صالح الناخبي، وقد كانت أيام بسيطة في حينها.

ما هي المتطلبات من وجهة نظركم لتأسيس معهد موسيقي وما هو دوركم تحديداً في رفدة بالخبرة والكفاءة العلمية؟

- المتطلبات كثيرة: أولاً التخطيط، ثانياً هذا التخطيط ماذا يشمل؟ هل يشمل استيراد آلات، ثالثاً نوعية الدراسة التي يجب أن تدرس فيه؟ فنحن أولاً بحاجة إلى تدريس التراث اليمني، وما هو الذي يمكن أن يدرس؟ يحدد النوع الذي يمكن ان يدرس، كالموشحات العربية مثلاً ندرس في المعهد .. التراث ايش الذي يدرس من حق اليمن؟ لازم.. يحدد نوعية التراث من أجل صقل الصوت الغنائي كيف يصقل ويؤدي الأغنية اليمنية من حيث مخارج الحروف والفاظها (الحنك) الأداء اللحني سواء كان بالحضرمي او الصنعاني او اليافعي او اللحجي، في عندنا ألوان كثيرة من الغناء مثلاً في عندنا أكثر من خمسين لون من الغناء الحضرمي في حضرموت وفي لحج كذلك اكثر من اربعين لون واربعين لون في الشمال في كل منطقة تجد لون، لذا فأنت تحتاج ان تدرس كل هذه الألوان وتأخذ منه الحصيلة من أجل ان تضعه في منهجك.. وأنا في رأيي.. يجب ان يتخصص المعهد في الموسيقى.. تاريخ الموسيقى، علم الموسيقى كل ما يخص الموسيقى يدرس الى جانب، ان يعطي المعهد الدارسين ثقافة عامة وهذا مهم جداً، فالفنان من غير ثقافة لا ينفع ولا يبدع لان عقله فارغ، يعرف موسيقى لكنه ما يقدر يعمل شيء ممتاز زين لوعقله فيه فكر فيه ثقافة يمسك الجملة الغنائية ومن ثم يبدأ يفكر ماذا بايعمل فيها.. كيف بايعدها فأنا اعتقد انه مسؤولية كبيرة يحتاج الى التأني في دراسته ويحتاج الى وضع أسس والاستفادة من خبرات الآخرين سواء كان من اساتذة او دكاترة مثلاً من جمهورية مصر العربية فمصر تعتبر رائدة في تأسيس المعاهد فلا بد من ايجاد خبرات من هذه البلاد للإستفادة منها.

المعهد مش موضوع عود وكمنجة.. لا.. فهو أيضاً موضوع اداري.. أما من جهتي فانا لم ابخل بما عندي من خبرات وتقديمها للمعونة.. نعم لم أبخل رغم مشاغلي وارتباطاتي الكثيرة لم ابخل بأي شيء في سبيل إنشاء المعهد.

ماهو المشروع الذي لم يستطع ابو عادل تحقيقه الى الان؟

- الحياة ما فيها مشروع واحد إنك باتحققه ويكفي.. كل يوم يبرز في الحياة شيء جديد.. حينها تجد نفسك تقول ياريت انا سويت كذا.. إنما تضع في بالك مشروع وتقف عنده لا. انا لحنت الاغنية لحنت القصيدة لحنت الطقطوقة، لحنت المنلوج لحنت الاوبريت وعلى مستوى عال.. لحنت الاوبريت الذي لم يلحنه احد في ا لعالم العربي، ويجوز انه ماحد يفهم هذا، انا عملت اوبريت غناء فقط واصوات وايقاعات بسيطة من غير موسيقى وقدمته في مهرجان الجنادرية غنى فيه صباح فخري، محمد عبده، وحبيب حريبي، ومنشد من مصر، كان كله اوبريت كورالي لأول مرة يتعمل اوبريت على مستوى المملكة العربية السعودية اوبريت خال من الموسيقى، وإلا كل الاوبريتات التي عملت فيها موسيقى، لأن الاوبريت فيه بعض الاشياء الصوفية والدينية جعلناه من غير موسيقى فكانت محاولة من اصعب المحاولات التي مررت بها في حياتي. وذلك لانه ما فيه شيء آخر يسندنا، السند لي كان الكورال فكان صعب بل صعب جداً، لكن الحمدلله كان ناجحاً فكل قوالب الغناء العربي تعاملت معها موسيقياً لكن طموحي الى الآن انت عارف الانسان احلامه وطموحاته لا تنتهي .

كيف رأيت المكلا؟ وهل سرقت منك مكلا اليوم مكلا الامس؟

- المكلا جميلة.. وقد رأيتها اختلفت عما كنت اراها في السابق وخاصة من الناحية العمرانية اما من ناحية الناس فالناس هم الناس البسطاء والمحبة لازالت فيهم. وهذا ماحببنا أكثر وأكثر بعد هذه الغيبة الطويلة حيث وجدت اخواني يحبوني كثيراً، فأشعروني بهذا الحب انه فيه عتاب، شفت كيف واحد يحبك لازم يعاتبك، ليه وينك يا أخي وهم يعرفون ظروفك واربتاطاتك وشغلك لكنهم يعاتبونك عتاب فيه نوع من التمني. اما المكلا هي المكلا.. الشباب والصحبة والرجولة والكهولة مرتبطين بهذه الارض الجميلة.

بماذا يعد عبدالرب ادريس جمهور في الوطن؟

- سؤال صعب.. لكنني اقدر اقول اني اعدهم بعودتي الى البلد.. فعودتي أكيدة الى البلد خلال فترات قصيرة بإذن الله، هذا وعد اقول لك إضافة الى أني اعدهم باني دائماً احاول ان ابدع في هذه الناحية اللحنية، احاول ان اقدم دائماً شئ من التراث لانه ما حد خدم التراث، كلنا بانتكلم نحن سوينا وسوينا لكن مش هذا الموضوع.. الموضوع لو با تعمل شيء رح اعمل شيء صح وإلاّ لا تدخل في الموضوع.

قمت بزيارة مركز المحضار في الشحر وإلقاء نظرة على ضريحه و قراءة الفاتحة على روحه،واسغربت جداً ان يكون مركز المحضار بهذا الشكل الذي لم يكن بحجم المكانة الشعرية للمحضار.. فالمحضار شاعر كبير اثرى الاغنية لمدة خمسين سنة، لو لم يكن حسين المحضار ما تطورت الاغنية الحضرمية لقد عمل قوالب جديدة بل عمل فكر جديد في الأغنية الحضرمية فهل يمكن ان يهمل هكذا؟ هل يمكن ان يكون مركز المحضار عبارة عن غرفتين واحدة مقفلة والاخرى تحتوي على بعض الصور اين تراث المحضار؟ اذا كان المحضار الذي تعب وافنى حياته واصبح مصيره هكذا فما بالك بالآخرين؟ ماذا سيكون مصيرهم؟ فلا بد ان نعترف انه فيه إثنين هما محمد جمعة وحسين المحضار لم نقدم لهم شيء يليق بمكانتهما الابداعية حتى اليوم. وعلى الجهات ذات العلاقة والمسؤولة ان تدرك ذلك.

متى يلقي عبدالرب ادريس عصا الترحال؟

- عندما يأذن الله بذلك. انا دائماً عندي خط في حياتي.. ما أفكر إيه الذي يمكن ان اعمله بكره اخليها على الباري كما قال ابو محضار في احد اغانية وخلي البرية على البارية. فأنا عندما بدأت اتعلم العود ماكان في بالي يوم باغني وغنيت ثم ما كان في بالي اين اسجل في الإذاعة.. كذلك ما كان في بالي اني اسافر ادرس موسيقى.. ما كان في بالي بعد البكلاريوس اني بادرس دراسات عليا.. صحيح اني فهمت شيء لكن قلت يمكن عاد فيه شيء مخفي علي.. وجدت نفسي افكر.. الناس يدرسون، لماذا لا ادرس معهم طالما ان الفرصة متاحة لي وهي جاءت لوحدها والله في حياتي لم اجري لشي منذ كنت صغيرآً وعمري تقريباً 15 - 16 سنة ما فكرت اني ادرس ابدا،ً كان همي تلك الايام الكرة، الا ان قدرة الله هي التي تمشيك .

بماذا تنصح جيل الشباب من الفنانيين؟

- هل عندنا جيل شباب؟ لازم نصنف الجيل الذي عندنا حتى يمكن ان نقدم لهم النصيحة، كل الاساتذة اعتقد تكلموا عن النصائح التي يجب ان يهتم فيها الفنان وهي الالتزام في الحياة.. الالتزام في الفن الالتزام في انك تبحث دائماً عن شيء انت تفتقده سواء كان دراسة او تراث او غناءً او حتى تمرين كل هذه وسائل لتنمية قدرات الفنان مثل الكاتب فيه منهم من قرأ الف كتاب ومنهم من قرأ كتاب واحد وشيء طبيعي تعبير الذي قرأ الف كتاب انا في رأيي افضل من الذي قرأ كتابين.

قلت في امسية اتحاد الأدباء انه خلال الفترة القصيرة لم يظهر صوت مهم في الساحة.. ما تعليقك لهذا الأمر؟

- اثبت لي من هو الصوت المهم الذي ظهر خلال ثلاثين سنة، انا اقصد صوت مهم هذا محمد عبده هذا ابوبكر سالم هذا محمد سعد عبدالله، هذه اصوات مهمة.. صوت ذو شخصية، ذو إمكانية، صوت يقول كل الذي في بالك.. صوت يستطيع ان يغني الصنعاني يستطيع ان يغني الحضرمي صوت يستطيع ان يقول الذي في بالك، هذه الذي اقصده انا.

في اصوات عندنا باتغني كثيرة لكن اين وصلت؟ على مستوى المكلا فقط او اليمن، انا هذا الذي اقصده، انما تقول لي هؤلاء الموجودين اصوات مهمة اقولك لا.

فيه اصوات تغني اغاني شعبية حلوة جميلة لكن مش مهمة.. اصوات ما تعلم الصوت لما يعلم عند الناس هذا هو الصوت تسمعة اليوم تقول وينه هذاك الصوت هذا الذي اقصده.

اريد واحد يقدر يثبت لي كل الاصوات المهمة في المكلا خلال اربعين او ثلاثين سنة وما فوق ما فيه كلها اصوات داخلية غير مؤثرة خارجياً.

مثلا الفنان محمد عبده عندما يقف على المسرح يجبرك ان تسكت وتستمع له هذه حقيقة حتى من بعض الشباب الطالعين مثلآ عبدالمجيد عبدالله صوت مهم، يجوز ان له توجه في اغانيه او الحانه انما صوت مهم مهما غنى اي كلام، انما عندما يغني الشيء المهم يغنيه وهذا الكلام انا استفدته من اساتذة كبار. اصوات في مصر كثيرة احسن من عبدالحليم كان لها تأثير كبير، مثل عبدالغني السيد، عبدالعزيز محمد، كارم محمود، لكن جاء عبدالحليم بصوت وطبقة معينة واحساس معين فوقف هؤلاء جلسهم في البيوت، اذن صوت مهم هذا الذي اقصده وهذا مطلوب هؤلاء كانوا يغنون بشكل جميل فجاء لهم هذا الصوت.. عبدالحليم ومسكنهم.

عادل عبدالرب اشترك معك في حفل المكلا فكان مفاجأة للجمهور ماذا تتوقع له وماهو مدى تخطيطك لمستقبله الفني؟

- التخطيط عنده الآن انا في البداية اعطيته بعض التوجيهات اما الآن فالتخطيط عنده لدرجة انه الليلة في جلستنا الوداعية يسمعنا لحن انا ما سمعته منه من قبل..لقد فاجأنا هذه الليلة بالاغاني التي غناها.

شيء لفت نظرك في المكلا على نحو استثاني؟

- التغيير الجذري الذي حصل 180 درجة، المكلا تغيرت.. ماعرفت من المكلا الا المناطق القديمة.. لقد ظهرت شوارع جديدة واسعة في مدينة المكلا فالتغيير الذي حصل في المكلا غير عادي.

هل تفكر في تصوير بعض اغانيك في اليمن؟ خور المكلا مثلاً؟

- إن شاء الله، يكون ذلك وياريت المسؤولين عن هذا الجانب صوروا لي اغنية (هذه اليمن)، على الخور فيكون انا اول واحد يصور في الخور لكن المخرج اخبرني انهم إنشغلوا بالعيد.. فهذا العمل لوتم تصويره تكون زيارتي هذه اتمرث عن شيء حتى من غير وجودي يصوروها لي وخاصة انها اغنية نظيفة ومرتبة وتم تسجيلها في القاهرة.

كلمة تقولها لجمهورك ومحبيك واهلك في الوطن؟

- اقول لهم العود أحمد.. ونعود لقد طالت الاعمار.. والخارب يجود الله بتعميره. كما اجدها فرصة طيبة ان اتقدم بالشكر الجزيل للأخوين هشام وتمام باشراحيل اعانهما الله في مهمتهما الشاقة ولكم مني كل التقدير والشكر على تحملكم مشقة العناء من أجل اجراء هذا الحوار في هذه الساعة المتاخرة من الليل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى