هذه صراحتنا التامة يا فخامة الرئيس

> علي هيثم الغريب:

>
علي هيثم الغريب
علي هيثم الغريب
إجابة لدعوتكم يوم 21 مايو الماضي بشأن الحوار والاصطفاف الوطني، أتشرف كمواطن يمني أن أقدم إلى فخامتكم هذا التقرير ببيان الأسباب التي أوجبت استياء أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية، حيث إن الأغلبية لا يتفقون مع طرح أحزاب المعارضة بالنسبة لأسباب هذا الاستياء الواقع في جزء هام من الوطن، إلا أن ذلك الطرح لا يثنينا عن توضيح الأسباب الحقيقية لنساعد فخامتكم في الوقوف على أسباب هذا الاستياء، بعيداً عن مصالح تلك الأحزاب. ونرجو أن تزيلوها بحكمتكم لتزول مسبباتها، لأن الحوار حولها مع أحزاب المعارضة سيزيدها تفاقماً.

نعم يا فخامة الأخ الرئيس.. إن هذا الاستياء العام (الذي لم يكن في حسبان أحد من الذين تفيّدوا بعد الحرب) ليس مصدره في نفوس أبناء محافظات الجنوب إحساس عداوة للوحدة بوجه عام، بل إن جميع الأدلة التي تتخذ من سلوك المواطنين هنا لا تدل إلا على الرفض لأفعال وجرائم أولئك الذين أساؤوا للوحدة (بطش، نهب، قتل واستبداد) وهذا هو الإحساس الطبيعي لكل الناس بأي مجتمع كانوا. وقد جاء هذا الإحساس بالرجاء في عطفكم أن تساعدونا على تقديم هؤلاء إلى العدالة، وهذا ليس هو العداوة للوحدة - كما يصوره البعض - بأي نوع كان. ونعتقد أن الفرصة التي أطلقتموها في محافظة السلام حضرموت بشأن الاصطفاف الوطني قد حان وقتها، فإن من المستحيل أن يرد على مطالب أبناء محافظات الجنوب - الذين هم أقرب إلى الوحدة في سلوكهم - بأنهم أصحاب ردّة وانفصال، وكنا ننتظر من الأحزاب أن تعاملنا على هذا السلوك الوحدوي المستقيم، وعلى الثمن الذي دفعناه من أجل وحدة الوطن العزيز. ثم إننا طوال عشر سنوات قد جعلنا فاتحة كل احتجاجاتنا وشكاوانا تتجه إلى فخامتكم قبل كل شيء لنيل حقوقنا، ولنبين للرأي العام اليمني أن النقطة التي تلتقي فيها مطالب أبناء محافظات الجنوب والوحدة ليست نقطة بعيدة، بل إن إيجادها في حيز الإمكان، معتمدين في ذلك على شهادة فخامتكم لأبناء محافظات الجنوب التي أعلنتموها بصدق وشجاعة بعد الوحدة المباركة.

كل ذلك ينفي بتاتاً أن مطالبنا نتيجة عداوة في النفوس، والله المستعان، بل هي في الجملة بعض نتائج اليأس وخيبة الرجاء.

فخامة الأخ الرئيس..

لما تبوأت المناصب القيادية في محافظات الجنوب بعد الحرب شُفاه من خارجها، تساءل الناس بدهشة كيف يمكن أن نكون في ظل الوحدة المباركة أقل حظاً بكثير من ناحية حقوقنا منا مع الحزب الاشتراكي، الذي كان يحكم الجنوب قبل الوحدة؟! وفخامتكم لم تصدقوا ردة الفعل هذه، وظننتم أن هذا الإجراء حماية ضرورية استدعتها ظروف الحرب فقط، غير أن أبناء محافظات الجنوب لاقوا من تصرف هؤلاء الإداريين في أمر السلب والنهب، ومن الإهانات ما انحرفت به النفوس، وظهرت آثاره بصورة حزينة ومؤسفة، وتعدى هذا الانحراف حتى وصل إلى المستفيدين نوعاً ما، وظهرت آثاره في حوادث رسمية في صنعاء وعدن.

وزاد هذا الانحراف بما كان يهدد به المتنفذون بعض المواطنين الذين نُهبت أملاكهم من سوء المعاملة، ورغم كل ذلك أصبح انتظار تسوية هذه القضايا على وجه يتفق مع مطامع أبناء محافظات الجنوب في الحرية والحقوق ملطفاًً لهذه الحال. وكان رجاء الناس يزداد يوماً فيوماً بمقدار ما يقرأونه في الصحف من توجيهات فخامتكم بشأن إعادة ما نُهب بعد الحرب، وبما يطالعونه بشغف من مواقفكم الوحدوية التي أفصحتم عنها خلال تواجدكم في عدن وحضرموت، بأن لا يكون بعد اليوم شطر سيدا وشطر مسودا، بل كلهم في الوحدة سواء، غير أن هذا الانتظار كان يكدر القلوب إذا طال، خاصة بما ينشر وما يقال عن أن ما نُهب قد نُهب والحكومة لم تأبه لهذا الرفض والامتعاض.

فبأي حق يأتي متنفذ ليمتلك أكثر من عشر أرضيات ومبان حكومية أو تابعة للمواطنين ومزارع بينما الآخرون وهم الأغلبية لا يمتلكون قوت يومهم؟! ولا شك في أن من يراقب مجريات الحال في محافظات الجنوب عن قرب وبصورة حيادية لا يستطيع أن ينكر أن هذه الأعمال قد أزعجت السكان على مستقبلهم لما رأوا فيها أن كل أملاك وأفعال المتنفذين تُرعى وتصان إلا حقوق أهل البلاد. ومع الأسف أن السكان لم يكن بعيداً عليهم أن يعتقدوا أن أملهم الذي علقوه بإعادة الحق إلى أصحابه أوشك أن يخيب، ثم تبع هذه الأفعال (السلب والنهب) بمشروع (التقاعد والتوظيف وتوزيع الإدارات الحكومية وحراساتها) روحه متسقة مع روح غير صادقة، ليس فيه أمل، معتبراً سكان أبناء محافظات الجنوب شيئاً فائضاً، أو كمية من القوى العاطلة ليس لهم في إدارة بلادهم نصيب، فخيم الحزن على نفوس المواطنين، رغم أنهم يعتقدون أن ذلك من عمل «الفرع والأصل» وأن فخامة الأخ الرئيس لا يرضى بهذا الظلم، وما زالوا يعلقون آمالهم بوجودكم على دفة السفينة، وبالرأي العام اليمني وباللجان التي كلفتموها بمعالجة هذه الأضرار، وبالوحدة العظيمة التي وضعت قواعدها على أسس من الحرية والحق والعدل، فأنتم يا فخامة الأخ الرئيس لكم صفة النيابة عن الأمة، ووكلكم أكثر من 86 % في انتخابات رئاسية قانونية، كما وكلكم المتضررون من أبناء المحافظات الجنوبية من خلال شكاواهم واحتجاجاتهم التي غاصت بها الصحف الرسمية وغير الرسمية.. مع العلم أن أغلبهم يمتلك أحكاماً قضائية باتة، ولكنهم ما يزالون يطرقون كل الأبواب لإعادة أملاكهم وحقوقهم الأخرى.

فعدن يا فخامة الأخ الرئيس، وهي أقدم وأرقى مدينة عصرية وأكثر ثروة ومكانة طبيعية، وكانت ذراع الوحدة وحضن الوحدويين، ليس لأبنائها اليوم مسكن ولا إدارة، ولا يؤخذ بأيدي أهلها. لا يشك أحد في أن هذه المعاملة من شأنها أن تزرع الاستياء في النفوس، وفخامتكم يعرف تلك الصفوف الطويلة التي تتجه إلى الإدارات المدنية والأمنية والقضاء تطالب بالإفراج عن حقوقها وأملاكها، ولكنها تقابل بالشدة.

نعم يا فخامة الرئيس.. إن هذا الظلم يقع علينا، والكل مقتنع بأننا لم نأت شيئاً غير قانوني أو غير مشروع، لا أمام القضاء ولا أمام الأمن ولا أمام ما رسمته بعض الإدارات والوزارات من الحدود في التعامل معنا. ويظهر أن ناهبي مزارعنا وأراضينا وحقوقنا لن يحتملوا مستقبلاً صدمة اليأس التي استحوذت على المتضررين من جراء تلك السياسات، والجهات المسؤولة في محافظات الجنوب التي تسير في ضوء توجيهاتكم لم تستطع إقناع هؤلاء بها. ولا شك أن الاستمرار في الاستيلاء على أملاك المواطنين وأملاك الدولة وفي مثل هذه الظروف، من شأنه أن يُحدث في الوطن اليمني العزيز أثراً سيئاً، نتمنى ألاّ يكون هو النقطة الأخيرة التي فاض بها كأس الصبر في نفوس أهل البلاد.

ونحن نعرف أنكم غير مسؤولين عن هذه الأفعال المخلة بشرف وكرامة الوحدة، لأن المسؤولين الذين نهبوا الأرض يعتبرون ذلك استحقاقات مشاركتهم بالحرب، والأرض ثمناً لدفاعهم عن الوحدة، ولكن نعتقد أن توكيل الشعب اليمني لكم في انتخابات رئاسية مشهودة قد جعلكم مسؤلاً عن إزالته. ولا ننسى أنكم يا فخامة الأخ الرئيس خير من يناقش معه في أمر المسؤولية، ونعتقد أن أنجح الوسائل في تهدئة الخواطر إنما هو ما يرضي المتضررين حتى تستطيعوا القيام بأعباء الظرف الحالي. وهذا هو رأيكم الذي صرحتم به، ولكن عندما تصل أوامركم وأوامر القضاء إلى أيدي المتنفذين تأخذ نسباً وأشكالاً وتفصيلاً في تنفيذها، حتى لا تُنفذ.

والواقع الذي نؤكده لفخامتكم بالصراحة التامة هو أن استياء أبناء محافظات الجنوب سببه الأول عدم مساواتهم بالآخرين، ومنعهم عن الاحتجاجات التي يجيزها القانون، وعدم تنفيذ توجيهاتكم الواضحة. وكل «ابن» من أكبر رجل إلى أصغر رجل فيهم هم (الآن) في هذا الاستياء سواء، دفعهم انقطاع الأمل واليأس من الانتظار إلى إظهار ما في نفوسهم، كلٌّ يترجمه باستياء.

تلك هي حقيقة الوضع النفسي والمعنوي لأبناء المحافظات الجنوبية والشرقية، بسطناه أمام فخامتكم باختصار وبالحق. نرجو أن تأمروا بتحقيق تلك المطالب، وأن تعود مزارع وأراضي إخوانكم وآبائكم وأولادكم. والأمل معقود بعدلكم أن تزيلوا هذا الظلم بالقضاء على أسبابه، وهذا أقدس واجب على زعماء الأمة من أمثالكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

19/6/2005م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى