مبادئ أم مصالح..أمريكا تهاجم سجل مصر بخصوص حقوق الإنسان وترسل مشتبهين بالإرهاب للتعذيب فيها

> واشنطن «الأيام» محمد المنشاوي:

> جاء إقرار رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف يوم الأحد 15 مايو الماضي أثناء زيارته للولايات المتحدة، على شاشة شبكة NBC في مقابلة مع برنامج (قابل الصحافة) Meet the Press بأن واشنطن نقلت ما يصل إلى 70 من المشتبه بأنهم إرهابيون إلى مصر، ليؤكد تقارير صحفية غربية وتقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية حول هذا الموضوع الذي لم يتسنّ التأكد من صحته من قبل. وتعرض وسائل الإعلام الأمريكية المرئية والمكتوبة من حين لآخر لموضوع نقل معتقلين لدى السلطات الأمريكية لدول عربية من أجل إجراء عمليات التحقيق معهم، وكان آخرها صحيفة "الواشنطن بوست" يوم السبت الماضي حيث أفردت الصحيفة صفحة داخلية كاملة وجزءا من الصفحة الأولى لحالة مصريين اثنين من طالبي اللجوء السياسي في السويد كان تم اعتقالهما هناك وتسليمهما لممثلي وكالة الاستخبارات الأمريكية، التي قامت من ناحيتها بنقلهما سرا وتسليمهما لسلطات الأمن المصرية. من جانبها لم تؤكد أو تنفي الإدارة الأمريكية حتى الآن وقوع هذه العمليات. وأصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش"مقرها نيويورك - تقريرا - الأسبوع الماضي يذكر فيه "إن الحرب الأمريكية على الإرهاب جعلت من مصر المقصد الرئيسي للمعتقلين الذين ينقلون سرا وبدون أي ضمانات قانونية"، وقدر تقرير للمنظمة أن ما بين 150 إلى 200 معتقل نقلوا من دول أخرى بينها الولايات المتحدة إلى مصر منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 .

وتعرف عملية نقل المعتقلين لدولة ثالثة باسم "النقل الاستثنائيRendition "، وهو أسلوب واحد من عدة أساليب تتبعها وكالة المخابرات الأمريكية لاستجواب المعتقلين ومحاولة الحصول علي أكبر قدر ممكن من المعلومات منهم خلال السنوات العشر الأخيرة (أي قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر بفترة طويلة). على الرغم من استمرار هذه العمليات، لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ لنفسها بما يقرب من 550 معتقلا في قاعدة خليج غوانتانامو في كوبا، كذلك بعدد لا بأس به من المعتقلين الأكثر أهمية من عينة خالد شيخ محمد، وأبو زبيدة، ورمزي بن الشيبة في أماكن سرية لم يفصح عنها.

مبادئ أمريكية عالمية
في مقابلة له مع مجلة تايم Time يوم 27 يناير الماضي، أكد الرئيس الأمريكي جورج بوش على "أن التعذيب غير مقبول على الإطلاق، ونحن لا نسلم أي شخص لأي دولة من الدول التي تعذب المعتقلين". وتعكس تصريحات الرئيس الأمريكي الموقف الرسمي المعلن من قبل الإدارة الأمريكية من حيث تشجيع مبادئ حقوق الإنسان وإشاعة الديمقراطية في أرجاء العالم حتى صارت هذه المبادئ حجر الأساس بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية، وقد استثمرت الولايات المتحدة مبلغا يزيد عن بليون دولار في عام 2004 لتشجيع الديمقراطية وممارسات حقوق الإنسان، طبقًا لبيان صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية يوم 28 مارس الماضي. وطبقا للقانون الأمريكي، لا ينبغي أن تسلم الولايات المتحدة أي مشتبه فيه ممن قد يتعرض للتعذيب في دول آخرى، وعلى CIA أن تحصل علي ضمان بعدم قيام الحكومات الأجنبية بتعذيب المتهمين. ومن المعروف أن الإدارة الأمريكية دأبت علي توجيه النقد لسجل الحكومة المصرية فيما يتعلق بموضوع حقوق الإنسان، وشيوع ممارسة التعذيب علي أيدي أجهزة الأمن المصرية، وكان من آخرها التقرير السنوي لوضع حقوق الإنسان في العالم الصادر عن وزارة الخارجية هذا العام.

وتؤكد منظمة هيومن رايت ووتش مرارا شيوع عمليات التعذيب في مصر، وذكر تقريرها الأخير "أن التعذيب مُنتشر في مصر، وخاصة في قضايا أمن الدولة، وكل نقل لأشخاص من الولايات المتحدة وغيرها من الدول يمثل انتهاكا للاتفاقيات الدولية ضد التعذيب". ويقول جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمنظمة "إن القانون الدولي يحرم إرسال المشتبه فيهم إلى بلد من المرجح أن يقاسوا فيه التعذيب، ونظراً لما لمصر من سجل مروع في مجال تعذيب السجناء فلا يجوز لأي بلد أن يرسل إليها المشتبه فيهم بالإكراه". ودفع ذلك عددا ممن اشتركوا في محاربة الإرهاب الدولي في الولايات المتحدة للتعبير عن قلقهم من نتائج التجاهل الأمريكي للإجراءات القانونية الأساسية على مصداقية الولايات المتحدة على المدى الطويل.

لماذا مصر؟ الجواب كفاءة ووحشية الأجهزة الأمنية !
جاء رد رئيس الوزراء المصري عن سؤال حول الدور المصري في هذه العمليات كما هو متوقع اذ قال "إن مصر تسعى بنشاط من أجل عودة المصريين المعتقلين بالخارج بما في ذلك المشتبه بتورطهم في إرهاب، وأنها قبلت نقلهم من دول تشمل الولايات المتحدة".

ويذكر مايكل شيوير الذي عمل سابقا في وحدة مكافحة الإرهاب الدولي بوكالة الاستخبارات الأمريكية CIA، وهو ممن أسسوا برنامج (التسليم السري) "عندما كنا نبحث عن دول من دول العالم الثالث للقيام باستجواب المشبه فيهم، بحيث نتمكن من تجنب تعقيدات النظام الأمريكي، كانت مصر الخيار الأفضل. مصر أكبر متلق للمساعدات الخارجية من الولايات المتحدة بعد إسرائيل، ومصر حليف استراتيجي للولايات المتحدة. بالإضافة إلى أن أجهزتها الاستخباراتية مشهود لها بالكفاءة والوحشية، إضافة إلى تصميم نظام الحكم المصري على القضاء على الإسلاميين الراديكاليين، ومئات ممن ألقي القبض عليهم كانوا مصريين". وكانت العلاقة الوطيدة بين الأجهزة الأمنية المصرية والأمريكية قد بدأت منذ عشر سنوات طبقا لما ذكره شيوير في حديث لمجلة النيو يوركرNew Yorker ، وقال "في عام 1995 عرض ممثلو الاستخبارات الأمريكية على نظرائهم المصريين فكرة نقل المشتبه فيهم إلى مصر، ورحب الجانب المصري بالفكرة". ويضيف شيوير "إن هدفنا في ذلك الوقت تمثل في إلقاء القبض على المشتبه في كونهم إرهابيين، أما هدف المصريين فتمثل في إرجاع هؤلاء المشتبه فيهم إلى قبضة الأمن المصري لاستجوابهم". ويتم التنسيق بصورة كبيرة بين الجانبين الأمنيين المصري والأمريكي، حيث يقدم الجانب الأمريكي أسئلة للمحققين المصريين في الصباح، ويحصلون على إجابات المعتقلين عليها في المساء! وترفض أجهزة الأمن المصرية أي تواجد للجانب الأمريكي أثناء عملية التحقيق. ويذكر شوير "عندما كان يطلب الأمريكيون أن يشاركوا المحققين المصريين في استجواب المعتقلين بصورة مباشرة، كان الرد المصري دائما بالنفي، ولم نكن في نفس غرفة التحقيق أبدا في نفس الوقت مع الجانب المصري".

ونفى رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف صحة المزاعم التي تتحدث عن شيوع عمليات التعذيب في مصر وذكر أن "القول بأننا نعيدهم لتعذيبهم ليس تصريحا دقيقا جدا، لا ينبغي أن نفعل ذلك، نحن لا نفعل ذلك".

وحين طُلب منه أن يؤكد أنه لا يتم استخدام أساليب التعذيب في استجواب المشتبه في تورطهم في الإرهاب رد نظيف قائلا "لا يا سيدي.. انتهى.. نعم.. انتهى". وتحدث نظيف عن حالات بسيطة تحدث فيها عمليات تعذيب في مصر، واعتبر المشكلة ترجع إلى انتهاكات من الشرطة أكثر من كونها سياسة ثابتة، وأضاف أن التعذيب ليس مُمارسة مُنتشرة في مصر.

قانونية وأخلاقية عمليات نقل المعتقلين لا تبدي الإدارة الأمريكية اهتماما كبيرا للإجراءات القانونية الواجب اتباعها في محاكمة المشتبه فيهم، وتفضل الإدارة الأمريكية ذلك العمل على حدوث عمليات إرهابية جديدة. ومازال يدور جدل
كبير في واشنطن حول قانونية أو عدم قانونية استخدام أساليب قاسية ضد المتهمين بالإرهاب خارج الولايات المتحدة على أيدي عملاء أمريكيين رغم الضرر الذي سببته فضيحة الإساءة للمعتقلين في سجون أبو غريب بالعراق، وقاعدة بجرام بأفغانستان، وقاعدة خليج غوانتنامو بكوبا. وذكر النائب العام الأمريكي ألبرتو غونزاليس في ردٍّ كتابي في يناير الماضي أثناء جلسات الاستماع المتعلقة بتثبيت تنصيبه كنائب عام، "أن تحريم المعاملة القاسية والمهينة وغير الإنسانية وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة، لا يسري على تعامل الموظفين الأمريكيين مع المواطنين غير الأميركيين خارج الولايات المتحدة". وأشار إلى عدم وجود قانون يحظر على وكالة المخابرات المركزية القيام بذلك أثناء استجوابها غير الأمريكيين خارج الولايات المتحدة.
يقوم بعمليات النقل هذه (نقل معتقلين لدول أخرى) وحدة خاصة تسمى "وحدة النقل الاستثنائي " وتعمل هذه الوحدة منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي، وتقوم غالبا بنقل المشتبه فيهم إلى دول مثل المغرب، وسوريا، والأردن، وباكستان، إلى جانب مصر. هذا على الرغم من استمرار اتهام تقارير وزارة الخارجية الأمريكية لسجل هذه الدول السيء فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان وشيوع ممارسات التعذيب. ويعتقد أن أول عمليات تسليم للمشتبه فيهم تلك التي بدأت عام 1995 بتسليم طلعت فؤاد قاسم (كان على رأس المطلوبين المصريين آنذاك) وألقي القبض عليه في كرواتيا، ثم اختفى تماما بعد تسليمه للسلطات المصرية، انتهاء بحالة مصريين من طالبي اللجوء في السويد محمد ذري وأحمد عجيزة، اللذين تم نقلهما إلى القاهرة على متن طائرة خاصة مسجلة في الولايات المتحدة مما سبب أزمة سياسية كبيرة في البرلمان السويدي.

عن تقرير «واشنطن بوست»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى