نجوم عدن:جعفر مرشد

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
«حافة حسين» في كريتر ليست واحدة وإنما عدة (حوافي) وقد يجري تمييزها بأسماء مستحدثة كأن تقول «شارع طارق» حيث كان والد زوجتي محمد علي بن وهّاس يسكن، فيما دكانه الذي كان يبدو لي وهماً كأنه زاوية من «هارودز» اللندني، يقبع في سوق «الكدر»، وهو في الحقيقة أشبه بـ «صندقة» بالكاد تتسع له وللرجل الذي عمل معه على امتداد عقود «حامد الشحاري»، أما أخوه الأكبر صالح علي بن وهاس ،رحمهما الله ورحمنا جميعاً، فقد كان على رأس كل ساعة تقريباً يأتي بعينيه الحادتين كصقر فيلقي نظرة خبيرة على مخزون البضائع التي هي حصراً من احتياجات المناطق الجبلية في يافع حيث كان عملاؤه من المهاجرين وقد يسأل سؤالا أو سؤالين لا يتغيران، ثم يمرق كالسهم يتفقد كل من وما في المدينة من بضائع وأحوال وتحركات وتوقعات، فقد كان «دينامو» ذلك الدُكيكان المبارك الذي أدر أموالاً مرموقة لا تزال تعمل حتى اليوم، وكان العم صالح من الصرامة وقوة الشخصية بحيث يتهيب المرء النظر إلى وجهه فما بالك بعينيه، أما عمي فقد كان من الوداعة وجمال الحياء لدرجة أنه عندما يكلمني لا ينظر في وجهي مع ابتسامة ترتسم على الشفتين وتلمع في العينين كأنها تقول: لا ترهقني أكثر من ذلك. ولكنها بالغة العذوبة والشفافية وكرم النفس العميق.

المهم.. خلف دكان الأخوين «بن وهاس» يوجد بيت الأستاذ جعفر مرشد المعلق الرياضي الإذاعي الأول والأشهر في عدن، وأذكر أنني كنت أترصده في ميدان كرة القدم بعدن حين يخرج عقب انتهاء أي مباراة حاملاً أوراقه وهو يجري لركوب سيارته والذهاب إلى الإذاعة في التواهي وتقديم تعليقه الطازج الذي كان مسموعاً على نطاق واسع وخاصة من عشاق الرياضة الذين لا يعجبهم العجب لأنهم طُبعوا على التعصب، وما أدراك ما التعصب، إذا دخل من الباب خرجت الحقائق من الشباك.

ولذلك لم يكن يخلو الأمر من اتهامات بالتحيز، وكنت أجري وراء جعفر ومعي آخرون وغبار الملعب عالق بأهدابنا فيما المغيب يرش رذاذه الذهبي الأخير على المنارة التاريخية بجانب بريد كريتر، وما أن أصل إلى بيتنا في الخساف حتى يكون جعفر على الهواء يقدم «ركن الرياضة».

وللحق.. فقد كان جعفر مرشد مهنياً من الدرجة الأولى في تعليقاته وتحليلاته وانتقاداته، وقد كان برنامجه الذي يبدأ بتلك الصفارة التحكيمية التي لم تغب عن ذاكرتي أبدا معيناً لأجيال من الرياضيين والمتعلقين بأذيال لعبة كرة القدم التي قطعت فيها عدن شأوًاً لم تقطعه أي مدينة في جزيرة العرب في خمسينات وستينات القرن الماضي، وإذا جرى ذكر أي قامة رياضية فإن الاستاذ جعفر ينبغي أن لا يفارق صدارة الصورة، فهو قبل أن يكون صحفياً رياضياً يجري على قدميه وينهب الأرض بسيارته سابقاً عصر الفضائيات ومنهياً سبق الجرائد، كان لاعباً ممتازاً مع فريق «الأحرار» الذي كانت له «شنة ورنة». وجعفر من بين الأوائل إن لم يكن الأول في لبس الحذاء الرياضي زمن الحفاة الذين انقرضوا بعد أن أصبح الحذاء قانوناً، وكان أخوه عبدالمجيد واحداً من أفضل حراس المرمى وينتمي إلى «الأحرار» نجوم «القطيع» اللامعين، إلى جانب عباس غلام وناصر الماس وتمباكو وعلي السوداني وأبوبكر طرموم والموشجي «كوكا زغير».

شاء حسن حظي بعد ذلك ربما في 1970 أن نعمل سوياًً في إذاعة عدن فتعرفت على الجانب الآخر من جعفر: الاهتمام بالتوثيق ولديه واحدة من أغنى وأجمل المكتبات الغنائية في اليمن آمل أن تجد طريقها إلى الناس، الخلق الرفيع، والطمأنينة الجميلة، وحب الآخرين، والنظافة قلباً وقالباً، وكان يأتي إلى العمل ومعه «البرتن»- أوعية الأكل المتطابقة التي تبقي الأكل ساخناً- ، وقد اكتشفت أنه لا يستطيع الأكل وحده حتى لو كان نصيبه بين الأيدي الآكلة لقمة واحدة، فالرجل هنيءٌ بطبعه، أما جودة الأكل فما زلت إلى اليوم أقول: سلمت اليد التي طبخت وأعطت نَفَسَها.. وقل للزمان ارجع يا زمان يا عم جعفر وعسى أن يهتم أهل الزمان بصحتك في هذا الزمان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى