مع العميان يا شقرى حتى لا تقودنا مؤسسات المجتمع المدني مع الحكومة إلى «الداهوفة» جميعًا

> لطفي شطارة:

>
لطفي شطارة
لطفي شطارة
لفت انتباهي الرسالة التي وجهها عدد من منظمات المجتمع المدني في بلادنا إلى رؤساء قمة الدول الغنية الثماني التي انتهت مساء الجمعة الماضية في اسكتلندا، أشياء كثيرة لعل أبرزها الصحوة المتأخرة لمنظمات المجتمع المدني في بلادنا لتوجيه الطلب إلى زعماء العالم، الذين اجتمعوا في جلي نيجلز في بيرثشاير وهي قرية صغيرة في ضواحي مدينة ادنبره الاسكتلندية، فجاءت صحوة منظماتنا متأخرة، أي قبل انعقاد القمة بحوالي اسبوعين، بينما كان المكان والزمان لاجتماع زعماء العالم الثمانية مقررا منذ أكثر من عام، فأين كانت هذه المنظمات منذ تلك الفترة؟ ماذا عملت هذه المنظمات لإقناع دول العالم أن طلبها لإلغاء ديون اليمن مبرر؟ فجمع مليون توقيع يمني من أصل 20 مليونا ليس كافيا لإقناع الثمانية الكبار أن وضعنا مأساوي ويقترب من الكارثة الإنسانية، وذكرت الرسالة المرفقة بتوقيع مليون يمني وسلمت قبل أيام إلى السفارات والبعثات الدبلوماسية للدول الصناعية الثماني الكبرى بصنعاء «أن ما تخصصه الدول الغنية من دعم للدول الفقيرة على شكل قروض ومنح سنوية لم يحسن من مستوى معيشة السكان»، مشيرة إلى «أن الدول الفقيرة تدفع أكثر من (100) مليون دولار يومياً للدول الغنية الدائنة وهو ما يفوق فعلياً ما تنفقه لتوفير الرعاية الصحية لمواطنيها». وأوردت الرسالة أن حجم الديون على اليمن 5.23 مليار دولار عند نهاية ديسمبر 2004م وهذا مما يؤثر سلباً على فرص النمو الاقتصادي والاجتماعي للأجيال القادمة فضلاً عن أنها تعطل كل الجهود المبذولة للتخفيف من الفقر وتحقيق أهداف التنمية الألفية بحلول عام 2015م. وتضمنت الرسالة المطالبة بإعفاء اليمن من الديون كون الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في هذا البلد تحتم ذلك.

هذه الصيغة(الحكومية) لرسالة هي في الأساس لمنظمات المجتمع المدني كان يجب أن تكتب بطريقة تقنع بعد أن تثبت فيها للدول الغنية أن تحسن حالنا وانتهاء فقرنا في اليمن مربوط بإلغاء هذه الديون، ولكن السؤال هل ما قامت به منظمات المجتمع المدني في بلادنا كان نتيجة قناعتها بجدوى المقترح؟ فهذه كارثة، ولكن الطامة إن كانت بخطابها هذا تقدم خدمة للحكومة التي أرادت أن تقوم بهذه الخطوة وترسل مذكرة بالطلب حاملة توقيعات وزرائها عليه، وإرسال تلك المذكرة إلى سفارات الدول الثماني، ومنها عبر القنوات المحددة لإيصالها إلى الرؤساء الثمانية، فخافت حكومتنا الرشيدة أن يصل خطابها إلى يد أحد المستشارين الاقتصاديين لرئيس أي دولة من تلك الدول الذي يعرف حقيقة الوضع الاقتصادي في اليمن فيصرخ بأعلى صوته «مع العميان ياشقرى» الجماعة وصلوا إلى هنا. العالم يعرف جيداً أن رئيس البنك الدولي «بشحمه ولحمه وبلسانه» أطلق صرخته المدوية ومن داخل اليمن ومباشرة على قناتها الفضائية وفي عاصمتها التي تسميها اقتصادية: «لم يعد لديكم متسع من الوقت، ولا تعتقدوا أنه إذا وصلت بلدكم إلى حالة الانهيار أن أحدا سيساعدكم، ستتركون وحدكم». وتساءل «إلى متى ستظل هذه الأمور محل أخذ ورد ما بين الأجهزة المعنية والقطاعات المختلفة دون تنفيذ الخطط التي توضع ودون اهتمام بمحاربة الفساد وعدم التقيد بالشفافية المطلوبة في كل أعمال الدولة؟ ناهيك عن الانفاق الكبير على الجوانب العسكرية».

بلادنا تفقر وليست فقيرة، ولا يمكن مقارنة الإمكانات الاقتصادية الهائلة في بلادنا، التي بسبب الفساد الذي خرج عن نطاق السيطرة لم تُستغل بعد ولم تهيء الدولة الظروف الصحية للاستثمار العربي والأجنبي، كما أن الإنفاق الحكومي والوضع المعيشي والرفاهية التي تعيشها الطبقة التي تحتكر مفاصل التجارة والتي تتوالد يومياً بين أكناف الدولة لا يمكن أن يعطي انطباعا للعالم الغني أن بلادنا فقيرة وفاقدة للموارد وبالتالي عليهم مساعدتنا، وهي تقيم كل فعاليات دولية ومؤتمرات إقليمية واجتماعات عربية تستنزف أموالا طائلة من خزائن الدولة. مشاكلنا حلها بأيدينا، ومؤسسات المجتمع المدني عليها أن تلعب الدور الأساسي في محاربة الفساد وكشف الفاسدين، أين هي مؤسسات المجتمع المدني من كل ما تنشره الصحف من فضائح الفساد؟ ولماذا لم تتحرك منذ أن أطلق رئيس البنك الدولي صرخته المدوية في اليمن عن الكارثة التي ستنتج عن هذا التدهور الاقتصادي؟ لماذا لم تتحرك تلك المؤسسات وتحشد الرأي العام وكافة فئات المجتمع الذي تمثله لمقاومة الفساد وإجبار الدولة على الانصياع إلى رغبة الشارع الذي سيدفع ثمن الكارثة الاقتصادية؟ لماذا هذه المؤسسات صمتت دهراً وصحت فجأة على أصداء الإعلام الغربي الذي يروج لقرار بريطانيا في حث الدول الثماني على إلغاء 50 مليار دولار من الديون المتراكمة على 14 دولة أفريقية، حتى هذه الصحوة لم تكن مبرمجة، بل كانت عشوائية وحرّكتها العاطفة وليس أفكار وخطط مدروسة، وإلا لما سارعت في إعلان أنها جمعت مليون توقيع وبهذه السرعة حتى لا يفوتها موعد المؤتمر الذي سيلغي ديون 14 دولة أفريقية بينها دولة عربية واحدة تقع في أفريقيا وهي موريتانيا، معنى هذا أن المؤتمر مخصص للدول الأفريقية، وهذه فضيحة أخرى تؤكد عشوائية التخطيط والتخبط في اتخاذ القرارات .

هل تعلم مؤسسات المجتمع المدني في بلادنا أن قرار بريطانيا في التّوجه أفريقياً لم يكن وليد اللحظة بل كان مبرمجاً منذ أكثر من عام عندما شكل رئيس الوزراء توني بلير، لجنة أطلق عليها «لجنة أفريقيا» وضمت في عضويتها عدداً من القادة الأفارقة وبينهم مغني البوب الإنجليزي الشهير (بوب جيلدوف) الذي قاد الحملة الدولية لإنقاذ أثيوبيا من المجاعة عام 1985، وقد أعدت هذه اللجنة تقريراً يوصي بشطب الديون على تلك الدول الأفريقية والبالغة 50 مليار دولار، على أن يقابل ذلك التزام رسمي ووفق خطة عملية للقضاء على الفساد وتحسين إدارة المساعدات التي يحصلون عليها وتحت إشراف دقيق. وهل تعلم مؤسسات المجتمع المدني في بلادنا أن الأفارقة أقدموا على إثبات حسن النوايا في الإصلاح الحقيقي، عندما أثنى (بوب جيلدوف) على رئيس ملاوي، الذي ترك الحزب الحاكم كنتيجة لمكافحة الفساد، كما حث المغني البريطاني الرئيس الأوغندي على الإقلاع عن محاولاته للبقاء رئيساً مدى الحياة لبلاده لإحداث تغييرات جوهرية لإصلاح اقتصاد أوغندا، والحصول على مزيد من المساعدات الأجنبية لإفريقيا .

وفضلا عن زيادة المساعدات لأفريقيا ومحاربة الفساد تتضمن توصيات التقرير ما يلي:

إلغاء الديون. < زيادة الإنفاق على القطاع الصحي خصوصا في مجال مكافحة الإيدز.

توفير الدراسة المجانية في المرحلة الابتدائية .

تمويل عملية حفظ السلام.

على الغرب أن يعيد الأموال التي اختلسها المسؤولون الفاسدون.

على الغرب أن يتوقف عن بيع السلاح إلى مناطق النزاع.

أتمنى ألا يُفهم من مقالي هذا، أنه تقليلٌ لدور مؤسسات المجتمع المدني في بلادنا، بل حرصي على سمعة هذه المؤسسات التي يجب أن تبني قرارتها بصورة سليمة وبعيدة عن التأثير الحكومي أو الحماس الوطني المبالغ، وأن تبدأ بتنفيذ خطط داخلية للتصليح والإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وكسب الشارع الذي تمثله للاستجابة لتحركاتها، قبل أن تكون واجهة للاستجداء الخارجي لتحقيق مساعدة يعلم المانحون أن اليمن مغلقة أبوابها أمام الاستثمارات الأجنبية بقوة ونفوذ (العتاولة والمتنفذين)، ويعلم أيضا أن الشفافية غير موجودة لمعرفة مصير القروض التنموية وكيفية استخدامها .

التخطيط مطلوب قبل اتخاذ القرارات، وما لم يتم ذلك ستكون مؤسسات المجتمع المدني في بلادنا شريكة مع الحكومة فـي أن تقودنا جميعاً كالعميان إلــى (الـداهوفــة).

والله من وراء القصد.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى