قلها وإلاّ فلا مسكين.. أونجا بونجا.. والله مسكين!

> أحمد فريد الصريمة:

>
سنجور
سنجور
اليوم وحين كتابة هذه السطور القليلة في ركن من أركان قهوة فولتير الشهيرة في الحي اللاتيني بباريس وعلى طاولة تجمعنا بالصدفة .. وما أحلى الصدف. وكنا تسعة أشخاص لا تجمعنا لغة ولا دين ولا لون ومن كل قطر أغنية، هذا يقرأ جريدة «اللوموند» وذاك «التايمز» وهذا جريدة «الليالي» البائسة، وبجانبي على اليمين كان يجلس رجل قارب الستينات من عمره أسمر البشرة، بل إنها داكنة اللون، ولا أقول سوداء وإنما ليست بالبعيدة عن ذلك، ويلبس بدلة بيضاء ناصعة البياض وربما ساهمت في اسوداد هيئته.. وعلى يساري ذلك العجوز الذي شارف على الثمانينات طويل القامة، نحيل الجسم، منهمكاً في قراءة «اللوموند» .. ويتوقف عن القراءة بين فترة وأخرى ويميل برأسه ورقبته الطويلة يميناً مخاطباً من هو على يميني وبصوت هادئ وبلغة إنجليزية (بور..بور.. يو أونجا بونجا) بما معناه: مسكين .. مسكين أنت يا أونجا بونجا.

واستمر الحال على هذا المنوال، حيث لم أستطع متابعة قراءة مقال «الليالي» رغم أنه ترديد لما كتبته بالأمس، فضقت ذرعاً فهممت بالوقوف وترك القهوة، فأخذ بيدي قائلاً صبراً صبراً يا عزيزي، متسائلاً ألست مدعواً غداً لحفلة الباستيل في الرابع عشر من يوليو يوم بزوغ ثلاثي النور في فرنسا بل وفي أوروبا كلها .. يوم الإخوة .. الحرية والمساواة؟ ونسي نفسه مستطرداً في وصف يوم الباستيل تارة بالإنجليزية وأخرى بالفرنسية شعراً ونثراً، ونظرت إليه متفحصاً وقاطعني نعم أنا هو .. انا هو أنا الأديب والشاعر البسيط .. أنا ليوبولد سنجور .. فنهضت مسلماً عليه ومن لا يعرف ليوبولد سنجور.

سنجور الإنسان.

سنجورالشاعر والأديب.

سنجور وجائزة نوبل للسلام والأدب والشعر والأخلاق، وأخيراً سنجور الرئيس والحكيم.

ولكن افتني يا شاعرنا وأديبنا سنجور من هو هذا الذي تشفق عليه بجانبي، ومن هو هذا الأونجا بونجا وإنني لفي عجب من أمرك، فكما أرى أن هذا الأونجا بونجا يلبس أفخر الثياب وأنت تلبس أدناها، ويكاد الأونجا بونجا ينفجر من كثرة اللحوم والشحوم وأنت يا سيدي نحيلها، وهذا الأونجا بونجا محاط بعدة حراس نراهم على الزاوية وأنت هذا العجوز العظيم الذي أخذت منه عقود الزمان مأخذا لا يرافقك سوى عصاك الشهيرة هذه.

ولم يجبني ليوبولد سنجور.. وعاود مرة أخرى ومال إلى اليمين (بور .. بور.. يو أونجا بونجا) مسكين أونجا بونجا والله مسكين .. ولفت إلي فجأة إن أونجا بونجا كان رئيساً لجمهورية تاش ماش الاستوائية بأفريقيا، كان جاراً لي وجمع مئات الملايين وضل الطريق .. نعم ضل الطريق .. فانظر إلى الإشارة الخضراء على صدري .. قلت له: أرى ذلك، فهذه الإشارة الصغيرة تخولك يا سيدي للصف الأمامي في الاحتفال غداً بجانب المسيو شيراك ورؤساء الدول، فإنك لازلت رئيساً بل أعظم من عظام الرؤساء.

وأشار بيده إلى إشارة زرقاء في صدري تؤهلني كرجل أعمال ومستثمر أجنبي في فرنسا للجلوس مباشرة في مقصورة كبار رجال الأعمال والسفراء. وقال لي: انظر إلى صدر أونجا بونجا إنه خال من أي إشارة .. سوى الإشارة الصفراء .. الإشارات للدهماء وعامة الناس .. وحتى هذه توسلت لدي السلطات الفرنسية للحصول عليها ليدخل أونجا بونجا ساحة الحفل.

فكف عن لومي.

لقد ضل أونجا بونجا الطريق.

ومسكين أونجا بونجا ..

والله مسكين.

باريس

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى