بعد أسبوع من تفجيرات لندن لفتة إنسانية من طالب يهودي لزميله الحضرمي

> لطفي شطارة:

>
لطفي شطارة
لطفي شطارة
يوم السبت الماضي كنت في جلسة أسبوعية في منزل أحد المهاجرين اليمنيين في وسط لندن ، والذي يبعد بضعة خطوات عن محطة ( ايدجور روود ) التي لقي فيها 7 من الابرياء مصرعهم ضمن سلسلة الانفجارات الاربعة التي أستهذفت عدد من المواقع ، منها ثلاث محطات لميترو الانفاق، والتي تشهد ازدحاما كثيفا في ساعات الذروة الصباحية عندما يركض الناس الى أعمالهم .

في كل جلسة أسبوعية هناك نتناول قضايا حياتية سواء في البلد الذي نعيش فيه ( بريطانيا ) او عن تفاعلات الاحداث العربية والعالمية او قضايا بلدنا الاصلي الذي جئنا منه وهي قضايا تتطور يوميا ، نتبادل الهموم ونستمع الى الاراء حتى لاتكون الجلسة التي تجمع كوكتيلا يمنيا من المهاجرين او الطلاب القادمين من الخليج الى ثرثرة وتسليه ومضيعة للوقت ، وبالمصادفة كانت كارثة لندن التي مر عليها وقتها يومان ، هي عنوان جلستنا التي أستنكر كل من كان فيها هذا العمل الذي لا يمكن وصفه الا بالجبان والخسيس ، من قام به لا علاقة له بالاسلام او لا يملك قلبا اداميا ، لانه سحق ابرياء في غمضة عين ، وفي أعمق اعماق لندن تحت الانفاق التي تمر عليها قطارات الميترو السريعة .

توقف أحد الاصدقاء السعوديين وهو يمني الاصل تعود جذوره الى حضرموت برهة وتنهد بعمق موجها كلامه لي ومتسائلا ، هل تعرف من أول شخص أتصل بي عبر هاتفي الجوال وبعد ساعات قليلة من تلك التفجيرات ، والتي تناقلتها جميع وسائل الاعلام كالبرق ، تلك الحوادث التي رجت جميع اطراف بريطانيا وهزت اصدائها المعمورة ؟ ، رديت مؤكدا ربما الاهل ليطمئنوا من السعودية او اليمن ، ربما هم اول من بادر للاطمئنان وهرعوا الى لمهاتفتك والبحث عنك للتأكد من سلامتك ، تنهد مرة ثانية وكأنه يتحسر وغير مصدق فقال : " لن تصدق ان قلت لك بأن من بادر الى فعل ذلك صديقي الانجليزي الذي يعتنق اليهودية كديانة " ، واضاف نعم كان اليهودي أول من أتصل بي ، وأول من ساوره القلق على مصيري فرفع هاتفه ليطمئن علي .

أقسم بالله كانت كلمات ذلك الشاب الحضرمي عن تقديره واعجابه لمبادرة صديقة الذي تعرف اليه خلال دراستهما في احدى مدن وسط انجلترا ، وتحدث عن ان صديقه يعلم بانتقاله الى لندن لمواصلة الدراسة ، ولم تهن العشرة والزمالة والعلاقة الانسانية الرائعة التي تجمع بين البشر بعيدا عن مذاهبهم أو معتقداتهم أو الوان بشراتهم على ذلك الانجليزي اليهودي ليهرع الى اقرب هاتف ليطمئن على مصير صديقه الحضرمي المسلم .

وصف لي ذلك الطالب هذه اللفته الانسانية وهو يتألم ، لماذا القسوة على النفس البشرية التي حرم الله قتلها بغير ذنب ؟ واعاد وهو يتألم قائلا والله لقد صعقت عندما عرفت أن صديقي اليهودي هو اول المتصلين ، وانه ظل يكرر هل أنت بحق سالم ام تريد أن تطمئني لان الاخبار وقتها كانت تتسارع في نقل المعلومات وتتضارب الارقام عن الضحايا والمصابين ، بل وحتى عن عدد الانفجارات .

هذه اللفتة تعطينا درسا واقعيا في أمكانية التعايش بين البشر بمختلف معتقداتهم ودياناتهم والوان بشراتهم كما ذكرت ، وتعطينا دليلا في أن الارهاب لا يجب ربطه بدين او معتقد ما ، وان الحياة واستمراريتها هي من استمرار هذه الالفه بين الناس ، التأخي والتسامح والتعايش مع الجميع ، الدين الاسلامي الذي جاء رحمة للعالمين وجاء لخير أمة أخرجت للناس لا يمكن أن يحتطفه منا ، او يشوه تعاليمه السمحاء أناس جعلوا من أنفسهم اوصياء على هذه الامة ، بأسمها يقتلون الابرياء ويكفرون كل من لايسير على طريقهم .

سألت نفسي وسط الحزن الذي خيم شوارع لندن ، والوجوم الذي ارتسم على وجوه الجميع ، منهم مستنكرا ومنهم غاضبا ومنهم من يريد ان يثأر لهذا العمل الشيطاني ، كيف ستكون ردة الفعل شعبيا خاصة في العاصمة لندن التي يقدر عدد المسلمين فيها 10 % من عدد السكان ؟ وكيف سأمر في شوارع لندن التي أعرفها والتي أحببت كل ركن فيها ، لانها المدينة التي ولد فيها ولداي ( ساندي وشادي ) وهي مسقط راسيهما ، المدينة والبلد التي اسميها ( دار ابي سفيان فمن دخلها فهو أمن ) والتي لا استطيع الا أن أكون وفيا وصادقا في الحزن على ما أصابها في ذلك الخميس 7 / 7 / 2005 من ألم وجرح عميق بعد ليلة من الفرح الذي عم جميع مدن بريطانيا لاختيار العاصمة لندن لاستضافة الالعاب الاولمبية عام 2012 ، وانتزاع هذا النصر من الخصم التفليدي لبريطانيا وجارتها فرنسا ، ما اصاب لندن حزن اصاب الجميع وخبر أذهل حتى الخصوم ، لانها العاصمة الاوربية التي حقق فيها الاسلام ما لم يحقق في اي بلد اوربي أخر ، كيف لاناس وباسم الدين ان يعاقبوا بريطانيا وهي البلد الذي فيه اكبر عدد من المساجد ، البلد الذي أخرجت الدولة من خزائنها ملايين الجنيهات للمساهمة في بناء أكبر جامع في اوربا في منطقة ( وايتشابل ) في شرق لندن ، كيف يهاجمون عاصمتها وهي التي أحتضنت ( الهتع ) الذين تقمصوا ثوب الاسلام لاثارة الفتنة والدعوة الى أحداث فجوة وشرخ اجتماعي لن يتضرر منه الا الاقليات والجاليات المسلمة ، كيف استطاعوا ان ينفذوا فعلتهم في بلد لا يستوقفك شرطيا فيها للتفتيش عن هويتك او ليتلذذ في اهانتك بفحص اوراق اقامتك او التأكد من جنسيتك كما يحدث وللاسف في غالبية الدول العربية والاسلامية ، فبريطانيا هي بالفعل ولمن عاش فيها او زارها بلد التسامح الذي عرفته بعد ان طفت كثيرا من اصقاع هذه الدنيا ، فقد فتحت بريطانيا لي ذراعيها وأحتضنتني بدون اية ( منه ) بل ومنحتني جنسيتها دون أن اقابل او التقي بمسؤول واحد ، صلتي وعلاقتي بها منذ ان وطأتها تمر عبر قوانينها ، بدون أن يتعالى اي كبير فيها من أنني قادم من بلد لايزال يدار بقانون القبيلة ، بلد تسير شؤونه بقانون القوة .. وطني الذي ولدت فيه يدار بقانون المال وينفذ عبر سياسة الاهمال .

كيف لي وانا مسلم ان أحصن اولادي في مجتمع مفتوح على جميع الثقافات وتحترم فيه جميع الديانات ، من المسيحية الى البوذية الى الاسلام الذي وبكل أسف يقدم بعض ( المتطفلين ) نماذجا أمثال ابوحمزة المصري ، او ابو قتادة الفلسطيني او حتى عمر بكري السوري صورة سيئة للاسلام ، يشوهون مقاصده لاثارة المجتمع ، وصرت أخاف كيف سيتمسك اولادي بالدين وهم يسمعون ويشاهدون بان من يقتلون الابرياء في الانفاق هم مسلمين ، ومن يذبحون بالسكاكين مدنيين عزل هم ايضا يبررون افعالهم بانها تنفيذا لتعاليم الاسلام . ولكن ستبقى بريطانيا البلد الذي يتمسك بالتسامح و يسمح للجميع بحرية الكلام ، والبلد الذي يشعرك فيه مواطنيها بأدميتك لايواءه ملايين من الاجئين القادمين اليها طلبا بالامان السياسي والاجتماعي وحتى الاقتصادي ، البلد الذي تسابقت فيها جميع وسائل الاعلام دون استثناء الى كبح جماح الجماعات المتطرفة المعادية للاسلام ليس كدين ولكن بفعل ممارسات القلة التي تكتب على جدران المباني في بعض المدن منادية بأقامة دولة الخلافة وهم فيها مهاجرون .

أنني ادعوا الله وبعد مرور اليوم الخميس الاسبوع الاول لهذه الكارثة التي لم تحل على لندن فحسب بل وعلى كل مسلم يقيم فيها ، أن يجنب مسلميها الاذى ، وأن تكون هذه الكارثة بداية لتغيير حقيقي لتصحيح صورة الاسلام ، وازالة التشوهات التي الصقها بديننا الحنيف شلة من ( الهتع ) والمتشددين ، سعوا الى ان يصورنا بأننا أمة متعطشة للدماء ، وتتلذذ بقتل الابرياء ، ولا نستطيع العيش الا على أكوام من الاشلاء.. والله من وراء القصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى