نجوم عدن .. لحقة

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
في الحلقة الماضية فاتني أن أشير إلى مؤلفات الأستاذ الدكتور محمد عبده غانم غير الشعرية، وفي مقدمتها رسالته للدكتوراه كما أظن: «شعر الغناء الصنعاني» الذي احتل مكاناً مرموقاً في المكتبة اليمنية التي كانت متعطشة لمثل ذلك العمل المتقن، والذي جسد قدراته البحثية وجلده على استكشاف واستكناه الدقائق واللطائف وجليها كالمرآة، وقد مثّل الكتاب حجر الزاوية في مختلف الكتابات التي جاءت بعده لتسبح في خضم فنون الغناء اليمني التي تعكس روح اليمن العاشقة وأبناءها الأرق قلوباً والألين أفئدة، أو كما يقول جلال الدين الرومي: «إنهم ليعزفون الصُّنُج، وينفخون في الناي، وينقرون على الدف من أجل أذنٍ ما، فانظر إلى صور الدنيا، كلها إلى جوار بعضها، واطلب ذلك النظر الذي هو من النور القديم».

نعم .. غناؤنا وتراثه الشعري واللحني والصوتي هو من بين أبرز مقوماتنا الوطنية الثقافية والروحية، وقد أدرك الدكتور غانم هذه الحقيقة فخدمها في مجاليها: البحثي النظري والعملي التطبيقي عبر الندوة العدنية.

وللدكتور محمد عبده غانم تجليات وتحليقات أخرى في كتبه:

مع الشعراء في العصر العباسي، عدني يتحدث عن البلاد العربية والعالم، لغة عدن العربية، وقواعد عربية عدن، ونلاحظ التركيز على «عدن» لأنها كانت تتعرض لحملات التغريب والتهنيد والسلخ عن وطنها، ونختم في هذه «اللحقة» العجالة بالقول إن الدكتور محمد عبده غانم قد حصل على جائزة «الشعر» من الجامعة الأمريكية في بيروت وأربع جوائز من هيئة الإذاعة البريطانية، كما حاز على الوسام البريطاني «القائد» وقلد الوسام الأعلى للآداب والفنون اليمني.

و«لحقة أخرى» عن سلطان عبده ناجي الذين ينحدر من المقاطرة في الحجرية كما هو شأن الأستاذ عبدالله فاضل فارع، الذي وصفته ذات يوم بأنه مثل صخرة الوادي «تنبو الحوادث عنه وهو ملموم»، أما سلطان فقد كان في أعماقه عاشقاً للحرية نافراً من القيود صديقاً لنفسه فكأنه المعني بقول الشاعر الشعبي:

يا ليتني ورده بمَدْرَب السيل لا حد يقُل لي لا غلس ولا ليل

ومعروف أن الوردة في مصب السيل عند صخرة الوادي الصلبة المتّصلة بعمق الأرض أو بكتلتها الصخرية تظل تدور كالفراشة ما شاءت لها دوامات التيار القادم بقوة من سلاسل الجبال، وقد قابلت سلطان في إحدى السنوات الأخيرة قبل وفاته في فندق دار الحمد بصنعاء وحيداً إلا من تخزينته الشهيرة بالسماكة والعلو حتى جحوظ العينين، وقد حاولت أن أقنعه بأن نذهب إلى مقيل شخصية بارزة فرفض قائلاً إنه سعيد بوحدته وأوراقه وتأملاته، فبركتُ إلى جانبه كما تبرك الجمال حين تنيخ، وقلت لنفسي «وسط إخوتك مخطي ولا وحدك مصيب، يا بن النقيب». وقد شعرت أن صديقي مجروح بعمق من السياسيين والحياة السياسية وما من داع للتفصيل.

وجلست إليه ومعه صديقه الحميم الأستاذ محمد سعيد جرادة في بغداد وقد دُعيا إلى زيارة، وكانت العادة أن يُعطى الضيوف مبالغ مالية بسيطة لتغطية النثريات، وكان القادمون من عدن بالذات ونظراَ للإفقار الهائل الذي جرى للناس يستعينون به على شراء بعض الهدايا للأطفال ويحرمون أنفسهم، ولأمر ما لا أعلمه لم يقدم للضيفين الكبيرين أي شيء، وقبل السفر جيء لهما بقطعتي جلد مدبوغ مما يبسط على السجاد أو يعلق على الجدار، وقد سألني سلطان عن ذلك فقلت له إنه ربما كان جلد نمر ثميناً، بينما كان واضحاً أنه جلد ماعز، وقد ظل يضحك لمدة يومين وهو يقول للجرادة: جلد نمر ثمين يا شاعرنا الكبير، وكان الجرادة يتصنع الجدية وهو يبرم شعر النمر المفترض ثم يقتلعه بأظفاره الحديدية ليقول لسلطان: والله نمر أصلي يا بن ناجي .. ثروة لا تصدق.

بقي أن أقول إن لسلطان مؤلفات قيمة أهمها «تاريخ الجيش اليمني» إذا لم تخني الذاكرة، وهو كتاب تأسيسي في مجاله كما هو «شعر الغناء الصنعاني» للدكتور غانم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى