فوضى وهمجية وثقة مفقودة

> محمد علي محسن:

>
محمد علي محسن
محمد علي محسن
سئل كونفوشيوس الحكيم والفيلسوف الصيني عن ثلاثة أشياء أساسية وضرورية للمجتمع من الدولة فأجاب: الغذاء والعتاد والثقة، فسأله تلميذه (دتزه) قائلاً: وإذا دعت الحاجة للتخلي عن واحدة من هذه الواجبات الثلاث؟ فأشار الحكيم لإمكانية التنازل عن العتاد (القوة المسلحة)، وإذا استدعي الأمر الاكتفاء بواحدة من الاثنتين الغذاء أو الثقة، أجاب الفيلسوف قائلاً: يمكن للمجتمع أن يتخلى عن الغذاء باعتبار الحياة والموت مسألة قدر بيد الخالق وليس البشر، أما أن تنعدم ثقة هذا المجتمع بدولته وحكامها فهذه الثقة المفقودة لا وجود لدولة على مجتمع إلا بها.

نعم الثقة مفقودة تماماً اليوم بالحكومة والدولة والبرلمان والقضاء والأحزاب والتنظيمات السياسية ووسائل الإعلام، لذلك كان إقرار الحكومة لحزمة الإصلاحات السعرية (الجرعة) سبباً فحسب لخروج الناس للتظاهر والاحتجاج وبتلك الشاكلة المرعبة والمسيئة لأصول وتقاليد وأعراف التعبير السلمي الديمقراطي، فلو أن الثقة كانت حاضرة لدى المواطن المتظاهر لربما فكر مليون مرة بجدوى ونفع سلوكه الحضاري والديمقراطي المنظم والسلمي القادر على انتزاع الكثير من الحقوق المهدرة أو المصادرة، ولأنه لا علاقة أو شراكة حقيقية تربطه بهذه المسماة (الحكومة) أو المعارضة، غير الوظيفة أو البطاقة، كانت ردود فعل المتظاهر عفوية وعشوائية وجامحة لحد القتل والانتحار والتخريب والدمار للممتلكات والمنشآت وكل ما يقف بطريق هذا المارد الخارج من قمقمه.

ليست الجرعة سوى القشة التي شاءت الظروف للبعض خلالها نفث ما في صدورهم من انفعالات غاضبة، فيما حرم البعض الآخر من حق التعبير، وأياً كان (رئيس الحكومة باجمال أو غيره) من أصدر هكذا قرار أصاب كبد المجتمع، فبكل تأكيد يتحمل وزر وتبعات إصدار القرار أخلاقياً وأدبياً مهما كانت الكلفة باهظة الثمن، فلا يكفي في أوضاع استثنائية مثلما هي في بلادنا أن يكون المسؤول ذكياً وبارعاً في الاقتصاد وإدارة الدولة نظرياً، بل عليه الإلمام كثيراً بمستلزمات الواقع الاجتماعي المعقد والمتخلف وعياً وتعليماً ومعيشة وسلوكاً..إلخ، قبل الشروع في اتخاذ أية قرارات مهما كانت صحتها، إذ أن الاكتفاء بتبريرات منطقية من جهة الحكومة لا بد أن يصطدم بانعكاسات سلبية إذا لم تدرس حقيقة العلاقة القائمة ما بين رأس الهرم وقاعدته. وهذا بالضبط ما دفع الناس للاحتجاج بتلك الطريقة الهمجية والفوضوية، التي لا تعبر عن مطالب يمكن للعاقل استساغتها، بل على العكس شرعت بجموح وغضب لا قيمة أو معنى له غير التخريب والتدمير، وهذا كفعل يستوجب الرفض والإدانة من الجميع دون استثناء، خاصة بعد أن طالت تلك الأعمال الهمجية الممتلكات العامة والخاصة دونما تمييز بين حرية التعبير بالوسائل السلمية والعصرية وبين الوسائل المدمـرة والمــهلكة.

إن أحزاب المعارضة مطالبة اليوم بفعل واضح وصريح تجاه هذا المسلك الخاطئ للجماهير الغاضبة أولاً، وعلى الحكومة بالمقابل تحمل تبعات العبث والفوضى الحاصلة في البلد مادامت هي صاحبة القانون الجائر لتنظيم التظاهرات والمسيرات، الذي اشترط الموافقة الأولية قبل الشروع بحق التعبير السلمي، وهذا باعتقادي شجع ودفع الناس للقيام بأفعال خارجة عن قانون الحكومة أو الأحزاب التي وجدت نفسها وراء اندفاع جماهيري عفوي خارج عن سيطرتها، دونما قدرة لها على ضبط حركته بما يتواءم مع فعل معارض حقيقي، حتى ولو كان من قبيل التصدي لحزمة الإصلاحات كاملة بدواع شتى من الإصلاحات، وليس فقط ما أعلنته الحكومة مؤخراً على ما فيه من منطق وصواب ما يستوجب الوثوق بالمردودات المرجوة على خزينة الدولة بعد رفع الدعم البالغ 300 مليار سنوياً .. لكنها الثقة المفقودة!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى