راقية حميدان..زنبقة في صحراء قاحلة

> رضية شمشير علي:

>
ومع الوفد الأميركي الكندي الذي استعانت به اللجنة العليا للانتخابات
ومع الوفد الأميركي الكندي الذي استعانت به اللجنة العليا للانتخابات
(2500) امرأة من مختلف بقاع العالم تقدمن لنيل جائزة نوبل للسلام، وفي التصفية النهائية تصل (1000) امرأة للترشيح لنيل جائزة نوبل للسلام (2005)، وتكون المفاجأة غير المتوقعة ظهور اسم المحامية راقية عبدالقادر حميدان كمرشحة ضمن الـ (1000) امرأة.. هذه المرأة اليمنية التي عرفت المحاكم اليمنية صولاتها وجولاتها ومقارعتها دفاعاً عن الحق والحقيقة.. تدخل راقية سفر التاريخ اليمني من أوسع أبوابه بعد بلقيس وأروى.

ولا شك أن التاريخ الإنساني سيخلد اسم السيدة (روث جابي) صاحبة المبادرة وريثة المشروع، الناشطة السياسية، عضو البرلمان السويسري والأوروبي التي أسست الجمعية العالمية (1000 امرأة من أجل جائزة نوبل للسلام)، إلى جانب العديد من النساء الأوروبيات اللواتي عملن بصمت، وقمن بالتنسيق وخلق التشبيك بين مختلف مناطق العالم، وجمعن التبرعات، ليفتحن الباب واسعاً أمام مساهمة النساء في حل النزاعات والتعبير عن وجهة نظرهن في موضوع الحرب والعنف في سبيل تحقيق السلام.

هذه المبادرة لم تأت من فراغ، فهي نتاج تراكمات لعقود طويلة من الزمن ارتبطت بشكل رئيسي بالحركة النسائية العالمية المطالبة بحقوق النساء ومشاركتهن في الحياة العامة، ولإبراز دورهن في حياة مجتمعاتهن والتصدي لمحاولات تهميش هذه الأدوار.

راقية.. أمومة مبكرة
استفاقت (حافة حسين) بمدينة كريتر بمحافظة عدن ذات صباح، على نبأ كان له وقع الصاعقة: توفيت (بنت البدوي زوجة عبدالقادر حميدان) في ريعان شبابها، لتتحمل راقية الأمانة وهي طفلة لم تتجاوز بعد العاشرة من العمر، ولا تزال طالبة في المرحلة الابتدائية، وكان لا بد لها من تحمل هذه المسؤولية في هذه السن المبكرة، وبعون الله ثم الأقارب والأهل استطاعت هذه الطفلة - المرأة أن تكون الأم والأخت والصديقة لإخوتها، وكما عبرت قائلة: «كنا 3 بنات وضابط!» وواصلت تعليمها لتحرز نتائج متفوقة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية.

أثناء ترافعها في المحاكمات الشهيرة التي جرت بعد أحداث 13 يناير 1986م المشؤومة
أثناء ترافعها في المحاكمات الشهيرة التي جرت بعد أحداث 13 يناير 1986م المشؤومة
راقية.. وأحلام طموحة
في المرحلة الثانوية - كلية البنات خورمكسر - وتحديداً عام 1965م تم اختيارها مراقبة للطابور الصباحي (prefect) وكان ذلك إبان تولي (السيدة كانون) إدارة كلية البنات بعد (السيدة بيتري)، وهذا الاختيار يكون عادة للطالبة الذكية والمتفوقة، وهذا ما اتسمت به راقية، وكنا نعلق دوماً (إنها مجنونة علم) ويشهد الطابور الصباحي حرصها ودقتها في المراقبة من حيث التوجيه والنظام الذي تفرضه على الصف تحت إشرافها، فذاك الالتزام والترتيب إنعكاس لشخصيتها، ويضيف دون شك علامات إضافية في النتيجة المدرسية.

ورغم المصاب الجلل، والمتاعب التي تحملتها جراء المسؤوليات المتراكمة، إلا أنها لم تنحنِ للعواصف وواصلت دراستها ونجحت بتفوق في الثانوية العامة (G.C.E) لتواصل التعليم الجامعي في مجال القانون. واختارت مجالاً كان من الندرة أن تخوضه المرأة، هل بسبب ما كان يتعرض له جنوب الوطن وأبناؤه من بطش المستعمر؟ أم دفاعاً عن حقوق أولئك الذين شردوا وطردوا بسبب اختلاف وجهات نظرهم واتجاهاتهم السياسية مع المستعمر ومن ثم مع من تولوا السلطة؟

راقية .. سيرة عطاء دائم ومستمر
نالت شهادة الماجستير في القانون من جامعة لندن 1972م منخرطة في سلك الخدمة المدنية، وعمرها الوظيفي (7 أعوام) قضته مستشارا قانونيا ومحاميا لشركة التجارة الخارجية وبعض مؤسسات القطاع العام.

من اليمين: راقية حميدان، حميدة زكريا، شيخ طارق محمد في محاكمات 13 يناير 1986
من اليمين: راقية حميدان، حميدة زكريا، شيخ طارق محمد في محاكمات 13 يناير 1986
نقطة تحول شهدتها حياتها الخاصة، إذ اختارت شهر مارس 1980م، للدخول إلى عالم المحاماة، هذا المجال الذي رحب بدخولها إلى معتركه، وخلال الـ 25 عاماً وهي تقف أمام المحاكم اليمنية بمختلف درجاتها كمستشار قانوني للهيئات الحكومية والأفراد والشركات الاجنبية ومترافع أمام المحكمة العليا في مختلف القضايا القانونية.

شاركت كعضو مراقب في بعض الهيئات الدولية على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لبعض الدول، منها المغرب، السنغال، نيبال وفلسطين.

شاركت في صياغة العديد من القوانين والعقود والاتفاقيات والمذكرات على صعيد الوطن ودولياً.

هي خبير شاهد على القوانين اليمنية أمام المحكمة العليا البريطانية في لندن وكذا المحكمة الدولية للتحكيم في شمال إيرلندا.

شاركت في عدد من الدورات حول (دور القانون) في إطار برنامج الزائر الدولي 1993م في الولايات المتحدة الامريكية (والنظام القضائي الأمريكي ) 1999م.

في ابريل 1993م اختيرت -كأول إمرأة يمنية- عضوا في اللجنة العليا للانتخابات الاشتراعية البرلمانية التي شهدتها اليمن بعد قيام دولة الوحدة، وسجل عطائها حافل بالكم الهائل من المشاركات والفعاليات والأنشطة.

ولعل آخرها عضويتها في (المحكمة النسائية الرمزية) التي تأسست في عدن بتاريخ 24 مايو 2005م تحت الشعار «من أجل مواطنة متساوية» وهي فعالية دعا إليها ملتقى المرأة للدراسات والتدريب، وصدر عنها بيان الحق والعدل النسائي.

قدمت راقية الى الفعالية وهي ترتدي (روب المحاماة)، امرأة من الوهلة الأولى تفرض احترامها، تبادلك الابتسامة، ولعل أبرز ما يلفت الانتباه لهذه الشخصية تعليقاتها القانونية اللاذعة.. فهي والقانون وجهان لعملة واحدة.

راقية.. والقضايا المستعصية
عصفت بالشطر الجنوبي من الوطن أحداث سياسية وتآمرات ..وكانت راقية من المحامين القلائل جداً، الذين تولوا الدفاع عن متهمين في قضايا سياسية معقدة.. ولعل دفاعها عن المتهم (دهمس)، في المحاكمة الشهيرة لشبكة التخريب في أوائل الثمانينات، وأمام ممثل النيابة العامة، وأمام ممثل أجهزة الدولة، وقفت المحامية راقية وهي مؤمنة بقضية واحدة أن (المتهم بريء حتى تثبت إدانته).

كما وقف في قفص الاتهام شخصيات سياسية وزملاء مهنة (د. حسن السلامي، عبدالله ناصر رشيد، محمد سيف ثابت وآخرون) وكان لراقية حميدان المحامية، إزاء التهم الموجهة إليهم في أحداث 13 يناير 1986م المشؤومة.. مواقفها كمحامية، منطلقاتها في الدفاع في المرافعة الختامية، لازالت محفورة في ذاكرة أصحاب الشأن والآخرين .

هذه هي راقية المرأة، الإنسان، الموقف، في الوقت الذي تنحى فيه محامون لهم صولاتهم وجولاتهم في ميدان المحاماة.

راقية حميدان
راقية حميدان
راقية.. الشخصية المتواضعة
واجهت الهيئة المشرفة على أعمال التهيئة والتحضير لإشهار المؤسسة العربية لمساندة قضايا المرأة والحدث، بعض التعقيدات، لعل أبرزها مخاوفهن من فتح الحوار والاتصال بالمحامية (راقية حميدان) الذي أجمع الكل على توليها منصب الرئيس الفخري للمؤسسة.. كانت المخاوف تنبع في الأساس من حجم الأعمال والمسؤوليات لمكتب المحاماة الذي تتولى إدارته، ولحظة التواصل معها، بل قبولها هذا المنصب شعرت الهيئة بعظمة هذه المرأة المتواضعة، التي تدرك أن هذا المنصب الفخري يزيدها تكليفاً لا تشريفاً.

ولم تتوان لحظة منذ التأسيس عن تقديم الدعم والمساعدة والمساندة استشعاراً بالمسؤولية أن المرأة والحدث قضيتها.

أنت الزنبقة.. ونحن الصحراء القاحلة

أمام حدث كهذا، كان من المتوقع أن تتداعى النساء في الأحزاب والتنظيمات السياسية، سلطة ومعارضة، لتكريم هذه المرأة الموقف، لأنها ترشحت لجائزة دولية، وهي ليست أية جائزة، هي جائزة نوبل للسلام ينبوع الأمان. ولكن نحن النساء تعلو أصواتنا مطالبات بحقوقنا ونريد أن نكون في موقع صنع واتخاذ القرار، ونحن عاجزات عن إرسال تهنئة أو كلمة مباركة لامرأة هي في هذه اللحظة (اليمن)، لأننا رهينات صناع القرار (الرجال) .. متى نستشعر المسؤولية، ونكون صاحبات القرار في اللحظة المناسبة؟

كلمة عتاب
هيئتان نسائيتان، الأولى حكومية والأخرى غير حكومية .. فلماذا هذا الصمت المطبق؟ لماذا عدم الاهتمام بهذه الشخصية النسائية التي ذاع صيتها في الأوساط الدولية؟ وفي داخل الوطن ينتهك حقه لاستحقاقه جائزة هي في الأول والأخير سمعة الوطن والانتماء للوطن.. كيف نطالب بالمناصرة والتأييد ونحجبها عن امرأة هي أخت لنا؟

هنيئاً يا هاني ترشيح الوالدة لجائزة نوبل للسلام.

سماح وليال.. «راقية» هي الأم والصديقة، نهر العطاء المتدفق، رمز المرأة المناضلة بصمت وتفان وإخلاص.

الأحفاد: رواق، شهد، محمد وكرم.. هي الحضن الدافئ لكم، وأحب إليها من ولدها ولد الولد.. مبارك راقية الترشيح يا ابنة عدن .. يا عدن.. يا ثغر اليمن الباسم .. عدن يا زهرة مدائن اليمن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى