نجوم عدن: حمزة علي لقمان

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
آخر مرة قابلت فيها الأستاذ المؤرخ اللامع حمزة علي لقمان في منتصف ثمانينات القرن الماضي كانت في صنعاء في شارع القصر أو قريباً منه، وقد أجريت معه مقابلة صحفية نشرت في جريدة «الاتحاد» الإماراتية، وبدا لي حينها كأحد رهبان الفكر المنقطعين إلى عالم غير عالم الناس، يتأمل بعمق وينطق بقياس، ولا يأسف على ما فات إلا بمقدار ما تبهُتُ معالمه وتضيع حقائقه، وتتحطم رموزه، فلا تترك أثرا يدل على هويته، وتلك قَسَمات مؤرخ حقيقي وموضوعي أعطى لليمن الكثير من جهده وعَرَقه وعلمه، وترك مؤلفات مبتكرة نسجها من أفواه الناس لا من بطون الكتب، ومن أبرزها كتابه الشهير «تاريخ القبائل اليمنية» الذي وصف جانباً من منهجه في كتابته - وهو صادر عن منشورات دار الكلمة بصنعاء - بقوله:

«إن الكتابة عن القبائل لا تعتمد كثيراً على المراجع المكتوبة بل على الاتصالات الشخصية والتنقل من مكان إلى آخر. وهذا ما قررت فعله رغم معرفتي بالصعوبات والمتاعب، خاصة أنني لم أعتمد على سلطة حكومية أو هيئة تعليمية لتسهيل مثل هذا العمل والإنفاق عليه، لهذا استعنت بالله وقمت وحدي بما أقدمت عليه فترحّلت من منطقة قبلية إلى أخرى مستعملاً السيارة والطائرة والجمل والحصان والسير على القدمين في الجبال والهضاب والأودية، وقابلت الناس وشيوخ القبائل مسجلاً في الذاكرة وعلى الورق في كل مكان ذهبت إليه ما يعينني في مهمتي».

أنت مع حمزة علي لقمان أمام رجل مختلف لا يشبه أولئك الذين يعملون من منازلهم، وكلّ ميسر لما خلق له، وهذا يؤشر للشوق العميق لمعرفة حقة ملموسة لمس اليد، فابن عدن - المدينة هذا آثر المنهج الصعب لأنه يريد أن يرى ويسمع رغم الجغرافيا الصعبة وانعدام الطرق ومخاطرها، وكل ذلك من حر ماله وخالص جهده، وحين زرته بصنعاء بعد أن نزح من عدن ضمن آلاف الكفاءات التي لم يستشعر الوضع الجديد عقب الاستقلال أهميتها ونفاستها وقيمتها الوطنية والعلمية، فقد كان المطلوب الملح تفريغ الوظائف ليحل جاهل محل عالم، وإفراغ البيوت الخاصة ليسكنها الأنصار ويتملكوها ويذهب أصحابها بدداً لا أرض تقلهم ولا سماء تظللهم، أقول حين قابلته كان يعمل باتجاهين: مواصلة رسالته المعرفية والتنويرية وتوفير لقمة العيش بأعمال ترجمة من الإنجليزية إلى العربية والعكس، وبدا لي زاهداً رهين بيته لا يطلب سوى الستر والكفاف، وللحق أقول إن صنعاء كانت صدراً حنوناً للوافدين إليها من عدن والجنوب كما كانت عدن قبل ذلك، وكانت هناك صفوة من الذين عرفوا عدن تعرف أقدار الناس ومكاناتهم، وهم الذين عملوا على تخفيف مآسي ذلك النزوح القسري تحت طائلة التشريد والتجويع وحتى الموت اختطافاً وقتلاً.. هل نستطيع أن ننكر لتاريخنا أو نرش العطور على الجثث لتتحول إلى تماثيل للوطنية؟

المهم.. تحدثت إلى الأستاذ حمزة، ولم أجد في نفسه أية ذرة حقد، كأنّ الأمر من ضمن المقادير التي لا حيلة للإنسان فيها، وبهذه الرؤية الفلسفية واصل حياته بينما مات كثيرون كمدا مع الأسف الشديد.

حين ودعته ووقف بطوله الفارع الرشيق وملامحه الأنيقة المتوارثة في أكثرية آل لقمان، رأيت فيه عراقة ذلك البيت العدني الشهير الذين كانوا مرجعية هامة للحركة الوطنية اليمنية بأسرها، وكانت جرائدهم التنويرية التي أسست للصحافة الحديثة منذ أربعينيات القرن الماضي منابر للوعي الجديد ومرآة لما يجري في الداخل اليمني على مستوى الجنوب والشمال في لحظة تاريخية نادرة تفسر كثيرا مما يجري اليوم.

للأستاذ حمزة علي لقمان إصدارات قيمة منها: تاريخ عدن وجنوب الجزيرة العربية- دار مصر 1960م، تاريخ الجزر اليمنية - بيروت 1972م، معارك حاسمة من تاريخ اليمن- بيروت 1978م، خواطر من صميم المجتمع - مطبعة «فتاة الجزيرة» عدن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى