ملامح الشعر العامي في قصيدة الشاعر عبداللاه الضباعي

> «الأيام» مختار مقطري:

> في مقدمته للديوان الأول (يا خير أمة) 2004 للشاعر عبداللاه الضباعي، يقول عادل سعيد الوطحي عن الشاعر: «نقش اسمه بين كبار الشعراء الشعبيين أمثال الشاعر الكبير شائف محمد الخالدي»، وفي لقاء قريب جمعني بالشاعر الضباعي قال لي إنه غير راض عن تصنيفه شاعراً شعبياً.. وهو بذلك لا يدفع تهمة، ولا يبحث عن صفة متواضع لمقارنته بالخالدي.. ولكنه يبحث عن تصنيف دقيق لما يكتبه من شعر وجده مختلفاً عن ما يكتبه الخالدي وغيره من الشعراء الشعبيين كالمحلتي ومسرور مبروك، الأمر الذي أعاد إلى ذهني ما شغلني كثيراً في الشعر الشعبي والشعر العامي.. فالأول - كما أرى - غارق في المحلية وفي شعبية المكان والزمان حتى في معالجته لقضايا عامة فهو عفوي في مفرداته ومعانيه، وهو مباشر وتلقائي، تكثر فيه السخرية والنكتة الناقدة في نقده اللاذع للمجتمع والأفراد، وحظه قليل من الخيال ونصيبه غير كثير من الصور الفنية، وقد يجنح للفصحى، ولكنه جنوح نادر لاقتباس تركيب لغوي لجملة متكاملة وليس لتوظيف مفردة أو اثنتين.. يقول المحلتي: «كن كيفما شئت إن الأرض ولادة».

وشعر الضباعي على هذا النحو شعر عامي، فهو لا يغرق في المحلية في مفرداته، بل يرفل بجماله واشراقاته وتهاويمه بمفردات عامية لا غريب فيها ولا خشن ومبهم المعنى من قاموس لهجته (اليافعية)، ولكنها مفردات يفهمها المتلقي اليمني في معظمها، ومعظم شعره ينم عن مراجعة وتمحيص وإعمال نظر وتفكير ورأي الشاعر المتذوق للشعر قبل إعلانه للجمهور، وهو مستحدث في مفرداته ومعانيه وفيه ميل لتوظيف بعض قواعد النحو توظيفاً فنياً غير متكلف،لإسناد الوزن، دلالة على تنوع في ثقافة الشاعر واطلاعه الغني بحفظه لكثير من الشعر العربي والقرآن الكريم، والثاني يبدو جلياً في افتتاح كثير من قصائده بحمد الله والاستعانة به والثناء على رسوله الكريم وفي اختتامها على هذا النحو.

وشعر الضباعي شعر عامي في توظيفه للرمز المعنوي كما يقول في قصيدة: «عميا خضبت مجنونة»:

والأعمى يشاهد التلفاز

بيشوف الكرة من هو فاز

نفسه بالكرة محنونة

وفيها يقول:

الشاطر وقع بيد أبكم

شل الفايدة والمغنم

خلاها كذا معجونة

وشعره عامي في توظيفه لمفردات عامية عامة، وفي إخضاع معظم شعره للمراجعة والتمحيص وفي المعاني التي يستحدثها والمعاني التي يعيد توظيفها في صور فنية جديدة. فالشر لا يثمر سوى شر، فكرة قديمة في الفكر الإنساني، لكن الشاعر يصف زراعة الشر ببول الشيطان:

يا زارع بذور الأمل

في صحراء جديبة رمال

من يزرع الصحراء ورمل

ما يحصد ثمر ذا محال

جاوب قال ما في بدل

ما في حل آخر بدال

بالتربة فقدنا الأمل

الشيطان بالحقل بال

نقد لاذع للواقع الذي أصبح كحقل بال فيه الشيطان وتربة لا ينبت فيها الأمل، ورغم تشاؤمية الفكرة.. إلا أنه التشاؤم المشفوع حين يضيق المدى بآمال الشاعر.

ولأن الضباعي شاعر عامي، فشعره في تطور مستمر، فهو غير محكوم بالقوالب الشعرية المحكومة بالمحلية.. محلية المعاني ومحلية الموسيقى.. ففي ديوانه الأول «خير أمة» يبدو شعره لصيقاً بموسيقى الزوامل في كثير من قصائد الديوان، ثم نجده في ديوانه الثاني (كلم جدار) يبني بيته الشعري بتفعيلات قليلة ومتنوعة كما في قصائد:(فقدنا الأمل، ويوم لك ويوما عليك) وغيرها.. والأخيرة من بحر (الوافر) :

هي الأيام مزرعة ابن آدم

ومن يزرع بها يجني ثماره

فمن يزوع بها خيرات ينعم

وعكسه من زرع يجني الخساره .

وواضح براعته في استخدام الضمير المنفصل (هي) في افتتاح البيت الأول للتأكيد على صحة ما ينوي أن يقوله من أن الأيام (فعلاً) ليست أكثر من مزرعة لأن ابن آدم فيها يجني النوع الذي يزرعه. ويبدو أن الحياة المدنية التي عاشها الشاعر عبداللاه الضباعي أثرت في تحوله من الشعر الشعبي إلى الشعر العامي.. ففي شعره لين، ومعانيه مشرقة حافلة بالضوء والظل واللون، وأفكاره مبتكرة يستخلصها من تجاربه الكثيرة والمتنوعة في حياة المدينة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى