«فنجان شاي» فضل النقيب لازال ساخناً في الأذهان

> «الأيام» خاص:

> مثلما يقال في مثلنا الشعبي «ما فضة إلا قديمي» يمكن أن (يطال) هذا (الرذاذ) الشعبي والعامي بكل ثقة ومصداقية تجربة الإعلامي الكبير فضل النقيب (وتابعه) التلفزيوني المعتق برنامج (فنجان شاي) منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن الجميل لتلفزيون عدن.

وعلى الرغم من مضي تلك العقود، ومجيء عوالمه الملونة فيما بعد، وانتشار (موضات) الفضائيات كانتشار النار في الهشيم الإعلامي، وظهور (تقليعات) تلفازية عربية للحوار والمواجهة، ومع هذا لم يصمد سوى بعض من هذه البرامج الحوارية.. بينما برنامج (فنجان شاي) كانت تسوده علائم الدفء والهدوء والسكينة، المستمدة من سمات (معده ومقدمه) أستاذنا فضل النقيب، الذي مكنته ثقافته الواسعة وخلفيته الأدبية ومصداقيته، من إحداث حراك تلفزيوني متألق، حيث كانت نتائجه الحوارية تصل بضيفه إلى (النرفزة الحادة) بينما كان فضل النقيب في قمة سلطنته التلفزيونية! كما حصل في جميع حلقاته وخاصة مع ضيفته (إعلامية سورية) التي كانت تعمل مذيعة في تلفزيون عدن.. وكذا حلقته مع كل من د. حسن السلامي، والشاعر الكبير عبدالرحمن فخري.

إبداع تلفزيوني نوعي

أحد أركان نجاح البرنامج الشهير (فنجان شاي) أنه تعامل مع فكرة التقديم من زاوية فنية متميزة وغير مألوفة، إذ ارتكزت الفكرة على تقديم ضيف البرنامج الرئيس ومحاورته أولاً حواراً أشبه (بالفحص بالأشعة فوق الحمراء)، وكانت أسئلة فضل النقيب على طريقة شاعرنا أبو العتاهية المعروفة (بالسهل الممتنع) إذ تشعر بأنك على (خط تماس) معها، ولكنك في الوقت نفسه تشعر بمدى خطورة ورهابة فضاءاتها وامتلاك ناصية إدراكها. وبعد نهاية اللقاء يقوم الضيف الرئيس بمقابلة ثلاثة أشخاص كلّ على حدة يقوم معد ومقدم البرنامج بإحضارهم، دون علم الضيف بهم، حتى (تتولد) حالة من الدهشة وكسر أجواء معركة (داحس والغبراء) التي حصلت داخل فنجان فضل النقيب مع ضيفه.. وهي فكرة مبدعة زادت من تألق فكرة البرنامج، وهي (ضربة معلم) من المعلم فضل النقيب لإحداث حالة من التجديد واستحداث نوع من الترقب والمفاجأة من قبله للضيف الرئيس، كما حصل في حلقة البرنامج مع الأخ طه غانم عندما كان محافظاً لعدن في دورته الأولى.. وتكون مقابلة الضيف الرئيس لضيوفه الثلاثة كلّ على حدة (ليست) بالشكل المطلوب، لأن (الضيف الرئيس) أصبح بعد نهاية مقابلته مع النقيب أشبه بوضعية (ارحموا عزيز قوم ذل).

وهنا كانت قدرة الإعلامي والكاتب الصحفي الكبير فضل النقيب أن يخرج (ضيفه الرئيس) على عكس دخوله! ولهذا كان أغلب (قمم) تلك المرحلة (السبعينات) يتهربون من دعوة البرنامج، لأنهم سيقدمون على برنامج على طريقة (صراع الجبابرة)، وفي أغلب الأحيان كان الضيف الرئيس هو المقتول تلفزيونياً إثر الضربات الإعلامية القاضية في حلبة (فنجان شـاي).

وعلى الرغم مما كان يشاع في تلك الفترة من مناخات عقائدية شمولية ورؤية أحادية الجانب على طريقة (لا صوت يعلو فوق صوت الحزب)، فقد كان ذلكم البرنامج إضاءة ثقافية ومعرفية وجمالية صدرت من عقل وقلب مثقف غير تقليدي (شاء) أن يحيدوه تلفازياً على جوقة السرب العقائدي والشمولي الإعلامي في تلك الفترة، حتى كاد أن يصبح منظومة إعلامية إبداعية مستقلة لكونه قد تجاوز الخطوط الحمراء المسموحة له الى فضاءات كبيرة، وكان موعد بثه موعداً لتحلّق الناس حوله، وأثار توقفه إشكاليات أكثر مما بدأ بها.

فنجان شاي ساخن

وخلاصة الموضوع أن برنامج (فنجان شاي) النقيب بمضي ثلاثة عقود ونيف عليه قد أصبح معتقاً، إلاّ أنه لازال ساخناً في أذهان متابعي تلفاز عدن منذ تلك الفترة وحتى الآن، والسبب أنه لم يرتق أي برنامج إلى مستواه.

ولأنه كما قلنا (ما فضة إلا قديمي) فسيظل كذلك (فنجان شاي) ساخناً في الأذهان والوجدان، ومتميزاً ومتألقاً وناجحاً لكمية (العفوية والتلقائية والبساطة) الصادرة من معده ومقدمه، لأنه كان (مغرداً) خارج سرب الجوقة الإعلامية العقائدية والشمولية، وسيظل موضع (درس بحثي) وإعلامي لمشاريع الدراسات العليا بقسم (الصحافة المرئية)، فقد كان وثيقة إعلامية لمرحلة سياسية وإعلامية واجتماعية هامة من حياة الشطر الجنوبي من اليمن في ظل مفردات الحكم العقائدي والشمولي، الذي جسد (فنجان شاي) مفردات من دفتره ومعالمه وقتها.

(الديوان) المصري

أتت كتابتي لهذه المادة بعد مشاهدتي لبرنامج (الديوان) من الفضائية المصرية مساء الثلاثاء الماضي والذي تعده وتقدمه (د. درية شرف الدين) وهو صورة طبق الأصل لـ (فنجان شاي)، ولكن كما يقول مثلهم العامي المصري (إيش جاب لجاب) وكم أتمنى أن تكون حلقات النقيب (أبيض وأسود) لازالت موجودة حتى تكون محتوياتها موضوع درس.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى