الطريق الى بيت الصنعاني

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
قلت لصديقي علي صالح محمد وقد بانت لنا أعلام الحوطة اللحجية ومعالمها وفاح عبق فلّها وكاذيها وأزّابها وانفتح الوادي كتاباً أخضر تظلله النخيل الممشوقة القوام على امتداد النظر، دعنا نعرّج على السوق الذي استعصى على الزمن حيث يضطرب الحابل بالنابل والغبار يملأ كل الخياشيم: خياشيم البشر تحت لهيب الشمس، وخياشيم الحمير المثقلة بعرباتها، وخياشيم راكبي الدراجات في زحمة الناس، وخياشيم بائعات الخبز والخمير والأعشاب العطرية، وخياشيم صانعي الحلوى اللحجية الشهيرة التي تسيل لعاب الزائرين .. كل هذا غبار؟ آه من هذا الغبار.

عند مدخل السوق للقادم من عدن على طريق تعز شاهدت ذلك العسكري العتيق عتاقة السوق، وربما كان منسيّاً هناك تحت الغبار منذ عقود من الزمن ينظم حركة المرور التي لا تستجيب له ولا يباليها هو كأنه يقوم بتمارين وحركات كوميدية على مسرح الحياة يؤديها كوميديان وحيد يلبس الغبار ويتسلى بالشمس الحارقة وله شبه عجيب بالكوميديان اللبناني الشهير «شوشو» وقد سألته عن الطريق إلى بيت محمد سعد الصنعاني فحرك حاجبيه في الاتجاهات الأربعة ثم قهقه حتى كاد يقع على قفاه ثم أخذ يبحلق في وجهي ووجه صاحبي حيث لم نكن قد أخذنا نصيبنا من الغبار وقد قدر أننا نسأل لأمر عظيم بعد أن لمح رقم السيارة الحكومي، فقال بمرح: شو .. محمد سعد الصنعاني؟ يعني تذكرتوه. ثم قهقه وهو يكلم نفسه: تذكروه، والله تذكروه.. يبدو أن قانون النسيان هو الحاكم في الحوطة اللحجية، هبة وادي تبن وعاصمة العطر والمحبة في اليمن بأسرها.. النسيان يحول كل الأشياء الجميلة إلى غبار.

وصلنا إلى بيت محمد سعد الصنعاني، الذي طالما خلط الناس بينه وبين محمد سعد عبدالله رحمهما الله، وحين طرقنا الباب جاء الصوت النسائي الرقيق: أيش تبا؟ قلتُ: با قرمش وبا مضروب.. صدحت سلوى محمد سعد الصنعاني زميلتنا الصحفية في جريدة «14 أكتوبر» وقرة عين أبيها:

قل لي بس يا سيدي

طبعك ليه صبح مقلوب

قل لي أيش جرى هيا

سامحني ونا باتوب

با باجلس على بابك

با قرمش وبا مضروب

هكذا هو اللحجي، خزينة أغان وموسيقى ورشات عطر وحسن ضيافة ووفادة، فكيف إذا كان من نبع الفن؟ ذلك البيت الترابي المتواضع بغرفتيه وفنائه الذي تدخله الشمس، لكأن الرجل المعلقة صورته على الجدار لا يزال يعزف ويطرب ويشجي محبيه الذين احتفلوا بمرور 14 عاماً على وفاته في يونيو الماضي، لكأنّ منسقة الاحتفالات لا تزال في رعاية والدها الذي تشربت منه الفن وإشاعة البهجة والمرح والفرح.

محمد سعد الصنعاني من مواليد 1929م في حوطة لحج، لحقه غبار النسيان كمبدع ولما تزل ألحانه وأغانيه التي أسرت جيلنا ملء السمع والروح في إطار تجليات «الندوة اللحجية» التي تأسست في 1956م، وكان بين مؤسسيها الكبار عازفاً وملحناً ومغنياً ومنها: لوعتي، ردد التغريد، يا شاكي غرامك، بالعيون السود، الناس أجناس، قالوا لي ألا انساه، مسكنك قلبي، وبكشفه للثام، وكان أحد مكتشفي ورعاة بعض نجوم الجيل التالي، ومنهم: فيصل علوي، عبدالكريم توفيق، مهدي درويش والعودي. يذكر أن والدته سلمى بنت درنية كانت شاعرة شعبية مميزة وعازفة على العود.

أشحت بوجهي جانباً عن ذلك الدمار الذي لحق بالبيت بمحاذاة الواجهة الأمامية .. قالت سلوى: سنبنيه ملتقى للفن والموسيقى. قلت لها: إن تكريم والدك بإبقاء اسمه على مثل هكذا منتدى، وهذا ما أتوقع أن تقوم به وزارة الثقافة والسياحة بشخص وزيرها الشاب المحب للفنون بالتعاون مع محافظة لحج، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى