التقاعد لمن بلغ أحد الأجلين إلا أن المعمرين لم يتموا الرضاعة!

> علي ناصر محمد فضل:

> بالرغم أن قانون المعاشات أوضح أن الإحالة للتقاعد لمن بلغ أحد الأجلين، إلا أن هذا القانون يواجه بعض العراقيل في التطبيق، بحيث أصبح سلاحاً بيد من يمتلك السلطة التنفيذية في اتخاذ القرار، فالقانون يطبق وفقاً للمصلحة الشخصية، فمن كانت مصلحته لدنيا يصيبها اعتبر القانون سوطاً بيده يجلد به من يشاء من عباد الله.

ليس ذلك غريباً لأننا نعلم أن العلاقات الاجتماعية والإنسانية تزخر بالعديد من التناقضات، فالفساد منتشر، والأخطاء لا حصر لها، إضافة إلى العنف واستعراض واستغلال النفوذ، وتقلصت للأسف الشديد مساحات الرحمة بين الناس فالمصلحة الذاتية هي أساس التعامل.

هذه المظاهر السلبية يلمسها الناس في تعاملاتهم اليومية، فالبعض ينجو من شرورها والبعض الآخر يقع فريسة لها من منطلق أن ما يمارس هو سلوك عام لا بد من التعامل معه، فالابتعاد عن مواجهة التيار أسلم، وكما يقال «خليك المعقلة وجزّع يومك» لأن العقاب جاهز ومن ليس معنا فهو ضدنا ومن يمتلك سلطة القرار عليك عدم اعتراضه فإنه قادر على اقتلاعك بالنظام والقانون، خاصة إذا اقتربت من أحد الشرين (عفواً) الأجلين، فمن يمتلك السلطة ويفتقد الشعور بالمسؤولية علينا أن نتوقع منه ما لا يخطر على البال، بصرف النظر عن خبراتك ومكانتك، فمثل هذه الأمور ليس لها موقع من الإعراب في نفوس من يتحايلون على القانون.

أن يطبق القانون على الجميع فلا اعتراض على ذلك، أما أن يظل خاضعاً للمزاج الشخصي فتلك جريمة ترتكب في حق المواطن، لأن القانون لم يطبق بصورة نزيهة خاصة وأن من تجاوز الأجلين وأصبح معمراً لا يزال في عداد القوى الوظيفية للدولة.

إن عملية تسريح من بلغ أحد الأجلين والإبقاء على المعمرين حالة لا ينحصر وجودها في جهة معينة، بل هي موجودة في عموم محافظات الجمهورية، فمن غير المعقول أن كثيراً من الآباء المعمرين ينعمون برغد العيش ويتوقون إلى المزيد معتقدين أنهم لم يتموا فترة الرضاعة، والحجة في ذلك زعمهم امتلاك الكفاءات العالية وأن الاستغناء عنهم سيخل بتوازن الكرة الأرضية.

قانون المعاش لم يحرم على أية جهة الاستفادة من الكفاءات والخبرات باعتبار هؤلاء ثروة وطنية، طالما أن وجودهم سيخدم مصلحة البلد، ولكن هذه الاستفادة يجب أن لا تتعارض مع التخفيف من حدة البطالة الموجودة والمتمثلة بحملة شهادات الدكتوراه والماجستير والبكالوريوس وغيرهم، والذين يزداد عددهم من سنة لأخرى .. فإلى متى سيظل هؤلاء الشباب منتظرين للقمة عيشهم؟

البطالة في بلادنا حقيقة لا ينكرها أحد، ومساعي الدولة للتخفيف منها ليست كافية، وستزداد المشكلة تعقيداً إن لم تركز الدولة على موضوع المعمرين إضافة للازدواج الوظيفي الذي تم تسليط الأضواء عليه، باعتبارهما مشكلتين تكلفان الدولة صرفيات كبيرة يمكن الاستفادة منها في حل مشكلة البطالة، فالمفروض أنه لا توجد وظيفة دائماً محجوزة لأحد ولا منصب دائم مفصل على أحد، أما إذا كان الحال كذلك فعلى الدنيا السلام ولا داعي للتحدث عن القوانين واللوائح والنظم، وهناك من هم أشد عداءً لها ويتفننون في إظهار براعتهم العدوانية ضدها، ونحن صامتون لا نحرك ساكناً. إن عدم معالجة هذه الظاهرة يعني السماح لها بالتوسع والانتشار، الأمر الذي ربما يقود إلى ظهور مجلس جديد باسم المعمرين يتواجد في كافة مؤسسات الدولة ومرافقها، ويكفل لهم كافة الامتيازات بحكم احتكار الوظيفة. لنتذكر دوماً أن قانون التقاعد لمن بلغ أحد الأجلين، أما المعمرون فستظل مكانتهم محفوظة وفرص الاستفادة من خبراتهم وكفاءاتهم تظل مطلوبة.

إذا أردنا محاربة الفساد فعلى الدولة أن تفرض سيادة القانون على كل مواطن، والابتعاد عن توسيع قاعدة الاستثناءات غير الضرورية، لأنها تعتبر ثغرة تُسيل لعاب ضعفاء النفوس.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى