أيــام الأيــام..تجسير العلاقة ما بين المدرسة والتلاميذ

> د. سمير عبدالرحمن الشميري:

> في حياة كل إنسان مناطق ومساحات ممنوع الاقتراب منها، على حد تعبير الشاعر عبدالوهاب البياتي، فكل واحد منا يحمل في طاسة رأسه شريطاً طويلاً من الذكريات تمر بنا كسحابة عابرة، فهناك صورة بهية وسامقة، وأخرى تعيسة وقاسية ومهمشة، وفي زاوية ثالثة صور غامضة ومنطمسة الملامح.

من منا لا يتذكر مدرسته الأولى ومعلمه الأول؟ ومن منا لا يتذكر المشاغبات الحلوة، واللهفة إلى اكتشاف الغموض والأسئلة المقلقة؟

من منا لا يتذكر حلاوة الأيام والانشقاقات والتبرعمات في حياتن؟، من منا لا يتذكر الوداد والخصام والمسحة الرومانتيكية في صفحة أيامنا؟ من منا لا يتذكر كيف تعلم مهارة القراءة والكتابة وكيف انبهر بلمعان بريق المدرسة؟

عندما لا تحسن المدرسة تقديم نفسها بصورة شائقة ولذيذة للتلاميذ قد تتحول إلى كابوس يرهب الناشئة، فتتهاطل الأحزان على أفئدتهم ويسكنهم الرعب في رغي الليل وخبيص النهار، وتحدث صدوع داخلية في حياتهم ومساحة شاسعة من التوتر والصد النفسي والوجداني.

فهناك محطات رمادية وحزينة في حياة الإنسان لا ينساها مهما بلغ من المجد والسمو، ويقول أحد المشهورين عن أول يوم دخل فيه المدرسة:

«لقد كان يوما أسود لا تمحى من نفسي ذكراه.. لقد كره إلي المدرسة وترك في نفسي من بعضها ذخيرة لا تنفذ، ولقد صرت من بعد معلما في الابتدائية ومدرسا في الثانوية وأستاذاً في الجامعة، وعلمت الكبار والصغار والبنين والبنات، وما ذهب من نفسي الضيق بالمدرسة والفرح بالخلاص منها، والأنس بيوم الخميس واستقبال يوم السبت، وما ذهبت إلى المدرسة مرة إلا تمنيت أن أجدها مغلقة أو أجد إضرابا يعطل الدروس.

هنالك (في المدرسة) تركني جدي، فما أغلق الباب وراءه وذهب حتى أحسست كأن قلبي قد ذهب معه، وكأن قد أغلق علي قبر، وعراني من الوحشة والفزع ما لا أزال ارتجف إلى الآن كلما ذكرته! هذه هي المدرسة التي كانت في أيامنا».

وماذا عن مدرسة اليوم: هلي غيرت شيئا من جغرافية العقل وطورت أساليب وطرق التربية؟.. وهل صارت مؤسسة تربوية دافئة تنير العقول والقلوب؟.. وهل معلم اليوم استطاع الولوج إلى أفئدة التلاميذ بعلمه وشفافيته وبشاشته وحسن مسلكه؟!

وليس بجديد القول، أن هناك رهطا من المعلمين لا زالو يحافظون على الصورة النمطية الكلاسيكية للمعلم، والتي تستقيم على أساس التعنيف والتهديد والوعيد والخشونة وإطلاق الألفاظ المؤذية للمشاعر والانزلاق في ممارسات غير محمودة تستقي زادها من رحم المفاهيم التربوية الخاطئة، والتي يكون ضحيتها كتلة كبيرة من التلاميذ الأبرياء الذين قد ينفرون من المدرسة ولا ينعمون بمستقر في جو من الضبابية واليأس.

فلا بد من خلق علاقة حميمة ما بين المدرسة والناشئة، فأولى أبجديات التعلم هو حب الطالب للمدرسة، وعندما تنهار العلاقة ينهار ركن ركين من التواصل العلمي والتربوي والمعرفي والوجداني، وتتكرر المعاطب في حياتنا التربوية.

ولا نريد السير في نفس المسرب الذي ذهب إليه المفكر الفرنسي روسو (1712- 1778م)، الذي كان يؤكد أن الحرية المطلقة للطفل القائمة على فطرته، والسماح له بفعل كل ما يروق له دون عوائق ومطبات، حيث كان يعتقد أن المؤسسات تفسد الإنسان، وتلوث الوداعة والصفاء والفطرة الإنسانية، ففي مؤلفه الشهير (إميل) يقول:

«كل شيء رائع طالما هو آت من يد الرحمن، وكل شيء يتدهور علي يد الإنسان».

فلا بد من تجسير العلاقة السوية ما بين التلميذ والمدرسة.

فلماذا لا تبادر المدراس في بداية كل عام دراسي بإقامة حفلات استقبال للتلاميذ الجدد للتشويق والتحبيب ولفتح شهية الناشئة للعلم والتمدرس؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى