متطلبات المرحلة

> د. هشام محسن السقاف

> يجري الحديث عن حكومة ائتلافية، وعندما ترتفع وتيرة التفاؤل يصعد سقف التوقعات إلى حكومة وفاق وطني، كل ذلك في خضم انفراج مشهود بين الحكم ومعارضيه من الأحزاب الكبيرة وخاصة حزب التجمع اليمني للإصلاح والحزب الإشتراكي اليمني بمبادرات يرعاها غالباً فخامة الأخ علي عبدالله صالح، وتأتي غداة أحداث مهمة لا يمكن المرور عليها دون التوقف عند خلفياتها وتداعياتها المختلفة. أول هذه الأحداث تفاقم أزمة الحكم، وعدم تحقيق نجاحات ملموسة على طريق الإصلاح الحقيقي للإدارة والاقتصاد، مما جعل الحكومة تبدو في الواقع عبئاً آخر مثقلاً بالهموم يضغط على النظام السياسي برمته وتصبح عاملاً من عوامل تفجر الأوضاع بسبب الفساد المؤسس داخل مفاصلها، وشعور صانع القرار السياسي في البلاد بهذه الوضعية المرة، وهو ما أثبتته السياسات الاقتصادية التقنينية والمتمثلة في رفع الدعم الحكومي عن بعض المشتقات النفطية، وما فجرته من مظاهرات جماهيرية احتجاجية في عدد من محافظات الجمهورية يومي 20 و21 يوليو الماضي، وثاني الأحداث التي يمكن رصدها في هذا الاتجاه كان مبادرة فخامة الأخ رئيس الجمهورية عدم ترشيح نفسه لدورة انتخابية جديدة، مما خلط الأوراق السياسية على بعضها وشكل تحدياً حقيقياً للنخب السياسية جميعها، بالمضي على خطى الوعد الذي قطعه فخامة الاخ الرئيس حتى اللحظة التي يؤسس من خلالها سابقة ديمقراطية تضعه في المصاف اللائق به على المستوى اليمني والعربي، أو التراجع عن تلك الخطوة بسيناريوهات معهودة ومعروفة في الساحة العربية ومن ثم البقاء في اللحظة ذاتها المفرغة من دلالات اليوم والمستقبل.

ولعل ما طرأ مؤخراً في الساحة السياسية من ظهور قيادات لأحزاب وتيارات حزبية منتخبة - وهنا تجدر الإشارة إلى الحزب الإشتراكي اليمني - قد أوجد فرصاً للحوار الوطني بين طرفي المعادلة السياسية في البلاد .. الحكم والمعارضة، إلا أن هذا الأمر (أمر الحوار والاتفاق على صيغ لإدارة البلاد) يجب ألا يكون عبارة عن كمادات باردة يضعونها على الجهة الساخنة في الجسد العليل، دون الاتجاه إلى معالجة مكامن الاختلالات والأمراض المزمنة، بحيث لا نعيد إلى الاذهان حكومات الشراكة التي شهدتها الساحة اليمنية بعد الوحدة مباشرة، سواء أكانت الشراكة ثنائية أو ثلاثية، حيث إنها لم تأت بمردودات وطنية يمكن التأسيس بها لحكومة تستطيع أن تمارس صلاحيات حقيقية لاقتلاع الفساد، بل إن كل فريق سوف يلقي التبعات على الآخر.

وأظن أن هذه المرحلة تتطلب حكومة وطنية مصغرة قادرة على إدارة البلاد في المدة المتبقية من فترة حكم فخامة الأخ رئيس الجمهورية، إما أن يقود دفة هذه الحكومة الأخ الرئيس شخصياً أو شخصية أخرى من التكنوقراط الوطني من خارج الأحزاب السياسية، وفي حالة فخامة الأخ رئيس الجمهورية فإنه من الملائم -كما أعتقد- أن يتخلى فخامته عن رئاسة حزب المؤتمر أو أن تدعم الشخصية المستقلة التي ستقود الحكومة من فخامته مباشرة، على أن يكون على رأس أجندتها تهيئة البلاد لانتخابات رئاسية نزيهة وديمقراطية على غرار التجارب الديمقراطية المشهود لها عالمياً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى