إصلاح مسار الوحدة..(مصطلح سياسي) أم (قضية وطنية) ؟

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
في أوقات كثيرة، تتدخل الصدف لتضع أمام ناظريك وفكرك مواقف ووقائع نادرة وقيمة من حيث المعنى والدلالة، لتجيب إجابات واضحة وجلية، عن بعض القضايا الوطنية المهمة، التي ينكر البعض وجودها (قطعياً) ويضع تحت تصرف إنكاره هذا الكثير من التفسيرات والتأويلات التي لا تزيد تلك القضايا إلا رسوخاً وثباتاً وقيمة، لتصبح مع الزمن أكثر استحقاقاً وأكثر مدعاة للتعامل معها بواقعية ووطنية شديدة.

ومثالاً لذلك ما صادفني مؤخراً في أحد المطاعم الشهيرة بصنعاء عاصمة دولة الوحدة، حينما فاجأني صديقي الذي كان يجلس معي على الطاولة، بسؤال ملؤه الاستغراب والدهشة موجهاً إلى (نادل المطعم) الذي اتضح أنه صديقه ورفيق دراسته.. عما أتى به إلى هنا؟ وما سبب خروجه من عمله العسكري السابق (كأركان حرب)، الذي يبعد عن عمله الجديد في المعطم من حيث نوعية التخصص بعد السماء عن الأرض، فأخبره الرجل بأنه قد تم إحالته إلى التقاعد على الرغم من أن سنه لم تتجاوز الأربعين عاماً بعد!! ثم أشار إلى رجل عسكري مسن كان يجلس على طاولة أخرى غير بعيدة منا.. بأنه هو الذي أحاله شخصياً إلى التقاعد، ثم تساءل بحسرة وأحقية منطقية وقانوينة أيضاً.. من الأحق بالتقاعد؟ أنا .. أم هذا الرجل المسن؟!

ولأن الواقع خير دليل، وخير شاهد، وأقوى حجة، فلن يفوتني هنا التنويه أيضاً بمصادفة أخرى من النوعية ذاتها تمثلت باستيقافي من قبل شاب آخر، خرج إلي من سياراته الخاصة التي يعمل عليها (كسيارة أجرة)، بينما كنت عابراً في طريقي بحي المنصورة بعدن، وبعد أن تحدث معي قليلاً.. شاكياً وباكياً، أخرج لي بطاقته العسكرية (طيار حربي)! وكانت قوى الشاب تبدو حتى تلك اللحظة في عنفوانها البدني والذهني، وبدا أن وضعه يتطابق تماماً مع وضع صديقنا السابق (نادل المطعم).

هذه أمثلة نسوقها من واقعنا الذي نعيشه ولا علاقة لها بالتنظير ولا بالمواقف السياسية المسبقة، كما أنها لا تمثل رأياً سياسياً، يمكن أن نطالب أحداً ما باحترامه، أو محاججته بالتي هي أحسن، وإنما هي وقائع لها قيم يمكن حسابها بمختلف الحسابات السياسية والاجتماعية والنفسية، ولكنه من الصعب إنكارها أو الادعاء بعدم وجودها.. لأننا نشهد الله، أنها موجودة فعلاً، وما هي إلا أمثلة بسيطة لكثير من الحالات المماثلة التي نطالب منذ وقت طويل بضرورة الالتفات لها والتعامل معها بحس وطني مسؤول، قادر على استنتاج ما يمكن أن تفرزه مثل هذه الوقائع من تصدعات في بينة الوحدة الوطنية.

السبب الرئيس الذي دعاني للتذكير بمثل هذه الوقائع، والاستشهاد بها، هو صدمتي الكبرى، فيما قرأته مؤخراً، في مقابلة مع أحد أهم أركان المعارضة في يومنا هذا وهو الأخ د. ياسين سعيد نعمان، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني، الذي أخفق في فهم معنى (إصلاح مسار الوحدة) وطالب الذين يطرحون هذا (المصطلح السياسي)، بتعريفه!! علماً بأن هذا المصطلح السياسي كما يقول أو هذه (القضية الوطنية) المهمة كما نقول، كانت من أكثر القضايا التي تعرضت للجدل والإيضاح المسهب من قبل فصيل سياسي كامل للحزب الاشتراكي اليمني، وكانت محط شرح مسهب أيضاً من قبل أبرز المحللين السياسين والقانونيين في الفترة الأخيرة، ولا أعتقد أن قضية ما تعرضت للنقاش بمثل ما تعرضت له هذه القضية تحديداً، التي يطالب البعض اليوم بتوضيحها.

وبناء على هذا، وبما أن البساطة في الطرح المدعمة بوقائع مؤلمة كتلك التي ذكرتها آنفاً، تكون لازمة وملحة لتفسير ماذا نقصد بهذا المصطلح (القضية).. إلا إذا كانت مثل هذه الحالات تعتبر من وجهة نظر البعض أمراً عادياً، وغير مخل بقواعد وأسس المواطنة المتساوية، التي ننشدها ونطالب بها، فهذه مسألة أخرى، ولكن عليهم في المقابل أن يحددوا موقفهم جيداً من هذه القضية تحديداً إن كانت تعنيهم من قريب أو بعيد أم لا.. لأن مثل القضايا من وجهة نظري الشخصية، لا تحتمل المناورة ولا التكتيك السياسي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى