الاعتمادات الاضافية ما هي الاّ تحايلات اضافية

> م. محسن علي عمر باصرة:

> اعتادت الحكومات خلال السنوات الأربع الماضية أن تفتح اعتمادات إضافية بلغت ما نسبتها من النفقات خلال هذه السنوات 16%، 19%،15% خلال الأعوام (2003/2002/2001) حيث بلغ إجمالي الاعتماد الإضافي للعام الماضي 2004م (932،589،188) الف ريال يمني أي ما نسبته 25% من إجمالي النفقات في الموازنة، ولكن للأسف الشديد تأتي الحكومة هذا العام باعتماد إضافي بمبلغ (451,164,180) الف ريال يمني وهو ما يعادل أكثر من 59% من إجمالي النفقات للموازنة العامة للدولة للعام الجاري2005 م وهي حقيقة ميزانية جديدة، وهي تحايلات جديدة للعبث بالمال العام، وهي أساس الفساد لأن كثيرا من هذه المبالغ قد صرفت وما مجلس النواب إلا محلل لهذا الفساد!

وإذا تفحصنا النصوص الدستورية والقانونية التي تمنح هذا الحق للحكومة لوجدناها نصوصا عقيمة لها قرابة 15 عاماً، حيث نصت المادة (89) من الدستور:

«يجب موافقة مجلس النواب على نقل أي مبلغ من باب إلى آخر من أبواب الموازنة العامة، وكل مصروف غير وارد بها أو زائد في إيراداتها يتعين أن يحدد بقانون»، أي أن دور مجلسنا القبول أو الرفض فقط، إذ لا يسمح لنا بحق التعديل في مكونات أبواب وفصول الموازنة أو الاعتماد الإضافي، أي أن دورنا منقوص في التحليل فقط للفساد الحكومي، وإعطائها الشرعية القانونية في إنفاقها الترفي والجنوني!!

أما القانون المالي رقم (8) لعام 1990م الذي طالما طالب المجلس بتعديله وأوصى في كثير من توصياته بتعديله ولم يعدل خاصة المادة (31) التي حددت دور المجلس في استكمال الإجراءات الدستورية فقط، وأحسن ما في المادة هذه أن حددت أن( تكون الاعتمادات الإضافية في أضيق الحدود، وأن تقتصر على الحالات القصوى لمواجهة تجاوزات لا سبيل لتجنبها).

وهذه يختلف في تفسيرها في المجلس، فمن يحدد تعريف حالات الضرورة القصوى والظروف الحتمية؟

والناظر إلى أبواب وفصول مشروع الاعتماد الإضافي المقدم للمجلس وبصورة سريعة جداً يجد المثالب الثالية:

- غياب التخطيط الاستراتيجي، وعدم وضوح الاولويات التنموية، وحقيقة مازالت الحكومة أمية في هذا المجال، حيث ما زالت تمر بأبجديات العملية التنموية، فهل ما خصص من (2 مليار مقابل مؤتمرات واحتفالات، 2 مليار مديونية المؤسسة الاقتصادية مقابل غداءات وملبوسات أفراد الداخلية والقوات المسلحة، 36 مليارا لشراء قاطرات ومقطورات، 8 مليار و200 مليون ريال مساعدات وإعانات لرئاسة الجمهورية، 812 مليون ريال مساعدات وإعانات رئاسة الوزراء، ومليار ريال لمتطلبات الخطة الأمنية لوزارة الداخلية، وقرابة مليار ونصف المليار لمرفأ ميدي السمكي بمحافظة حجة ..إلخ) فهل هذه النفقات لا تستطيع الحكومة التنبؤ بها ومعرفتها عند إعداد موازنة 2005م؟ وأن الإنفاق الجاري قد استحوذ على الجزء الأكبر من الاعتماد الإضافي، حيث بلغ (312 مليار ريال) ما نسبته 69%، أما الإنفاق الاستثماري فبلغ (112 مليار وبما نسبته 24% فقط).

- لم يعط الاعتماد الإضافي أي مبالغ للسلطات المحلية بالرغم من محدودية المخصصات المالية لها أكانت مواردها الذاتية، أو الموارد المركزية أو المشتركة، خاصة وأن المجتمع يعلق أهمية كبيرة على هذه التجربة في تعزيز التنمية المحلية والمشاركة الشعبية وخلق فرص العمل في المناطق الريفية والحضرية، وكذلك قطاعا التعليم والصحة لم يعط لهما أي اعتمادات!

- إن الاعتمادات الإضافية التي تقدمها الحكومة تؤثر سلباً على التعاملات النقدية، حيث إن ضخ كمية إضافية من النقود المتداولة يزيد من معدلات التضخم ويرتفع بالتالي المستوى العام للأسعار، وهذا ما لاحظه الجميع في ارتفاع أسعار المواد الغذائية ومواد البناء وغيرها من المواد قبل نزول الجرعة الحارقة من قبل الحكومة، وحصيلة هذا انخفاض في القوة الشرائية للعملة المحلية أمام العملات الأجنبية، ومن المعلوم أن الحكومة قد صرفت جزءا كبيرا من هذا الاعتماد الإضافي، مخالفة بذلك الدستور والقوانين وكذا مخالفة لقانون المناقصات والمزايدات من خلال تنفيد المشاريع بالأمر المباشر.

- إن تحديد قرابة (14 مليار ريال) كمدفوعات فوائد الدين المحلي (أذون خزانة) في الاعتماد الإضافي، بالرغم من أن ميزانية عام 2005م خصصت مبالغ مقابل مدفوعات الفوائد على الدين المحلي، يعني ذلك أن هناك إفراطاً كبيراً جداً في استخدام أذون الخزانة يتجاوز ما تم تقديره في الموازنة، وهذا عبء على الموارد العامة، رغم المخالفات الشرعية الجلية لنصوص قانون إنشاء البنك المركزي، الذي لا يسمح للبنك المركزي بالتعامل بالربا، وهي حرب علنية على الله ورسوله والمؤمنين ومحق للبركة وتكثير للبطالة وركود للتجارة والاستثمار.

- وإذا كان هناك شيء ضروري في هذا الاعتماد، فهو تنفيذ استراتيجية الأجور التي حدد لها مبلغ زهيد جداً (32 مليار ريال)، و(747 مليون ريال للمتقاعدين فقط) أما ما تدعيه الحكومة من دفع 237 مليار ريال لدعم المشتقات النفطية فهو دعم (فتري لا غير).

لذا أخلص القول للإخوة الزملاء النواب وكل ذي بصيرة ورشد، إن ما حدد في فصول وأبواب مشروع الاعتماد الإضافي لم يكن لحاجة طارئة أو ضرورية، بل هو الصرف الترفي والعشوائي، بل هو الفساد بذاته!

إننا في حياتنا لم نسمع أو نقرأ أن دولة خصصت اعتمادا إضافيا يساوي (52%) من قيمة النفقات بالميزانية وأن الحكومة لم تنفذ التوصيات التي أقرها المجلس في نهاية ديسمبر من العام الماضي 2004م الخاصة بالاعتماد الإضافي للعام الماضي، حيث ألزم المجلس الحكومة بعدم تقديم أي اعتماد إضافي إلى المجلس إلا بعد التزامها بتنفيذ التوصيات التالية:

1) إلزام الحكومة بتقديم مشروع تعديل للقانون المالي رقم (8) لعام 90م وعلى وجه الخصوص المادة (31) الخاصة بالاعتماد الإضافي، وأن يتضمن التعديل التوضيح للشروط والأسس التي يجب على الحكومة اتباعها عند تقديمها طلب اعتماد إضافي، ولا بد من تعريف حالات الضرورة القصوى، والظروف الحتمية وتحديد الوثائق المؤيدة التي يجب إرفاقها مع طلب الاعتماد.

1) إعادة النظر في مخصصات هامش الربح والمصاريف الإدارية وغيرها من النفقات لشركة النفط.

3) إعادة النظر في طريقة التحاسب والتعامل مع المصافي، بما يكفل تخفيض الدعم الذي تتحمله الميزانية العامة للدولة.

4) ضرورة إلزام الحكومة بعدم الإنفاق من أي اعتماد إضافي قبل إقراره من مجلس النواب.

إذا كانت هذه التوصيات لم تنفذها الحكومة لا جملة ولا تفصيلاً، بل تقوم اليوم ببيع الغاز المسال بأثمان بخسة ومخالفة لتوصيات المجلس حول هذا الشأن.. وتعديل قانون ضريبة المبيعات الذي أصدر بقانون من (5% إلى 8%) إرضاء لطبقة التجار حتى لا تفتح دفاترهم ودون حتى العودة للمجلس بالتعديل، بل وفق محضر وقع خارج عيون السلطة التشريعية وعلى حساب المواطن المغلوب على أمره.

وتقوم الحكومة اليوم بالتعميم بتخفيض المشاريع الاستثمارية إلى 50% بل تقوم بإنزال الحد الأدنى للأجور من 20 ألف ريال - رغم قلتها - إلى 15 ألف ريال، مع أنها مادة قانونية صدرت بقانون، رامية عرض الحائط الدستور والقوانين، والأمرّ من هذا وذاك أن ترفع أسعار المشتقات النفطية بصورة جنونية وتقوم بقتل الأبرياء والأطفال في أحداث 20 و 21 من شهر يوليو الفائت وبالرصاص الحي، فهل نكافئ ونكرم الحكومة بالموافقة على الاعتماد الإضافي لأنها قتلت وسفكت الدماء وجرعت وأفقرت الشعب وخالفت الدستور والقوانين النافذة وداست عليها بأرجلها؟ هل نكرمها يا نواب الشعب بهذا الاعتماد المهول بمليارات للريالات؟ إنها لم تفتح حسابات خاصة بفوارق أسعار النفط حسب توصيات المجلس المتكررة والذي يعمل به كثير من الدول فهذه ايران تستخدم خُمس عائدات النفط في النفقات، و أربعة أخماس من عائدات النفط تمول بها مشاريع استثمارية تمتص البطالة وتوفر الخيرات للأجيال القادمة، ولم نجد النظرة الأنانية الوقتية (أنا وبس) أو كما يقول المثل (يومه عيده)، وهذه دول الخليج رغم إيراداتها المهولة من أسعار النفط أو فوارق الاسعار لم تعبث بها بل طرحتها في حسابات خاصة تصرف منها في المشاريع الاستثمارية من مصانع وشركات قابضة...إلخ تعود بالخير والأرباح للطفل والشباب والعجوز والأجيال القادمة التي مازالت في الأصلاب!!

إننا مطلوب منا أيها الزملاء تحت قبة البرلمان الوقفة الجادة المسؤولة بعيداً عن المناكفات الحزبية الضيقة، وأن ننظر لمصالح شعبنا ونحن المكلفون بحماية المال العام من العبث والفساد وحراسته .. إما أن نرفض هذا الفساد الإضافي والتحاليل الإضافي ونسحب الثقة من هذه الحكومة الفاشلة في سياساتها، أو على الأقل أن نعدل في مكونات أبواب وفصول هذا الاعتماد الإضافي بما يلبي طموحات شعبنا في كل مجالات الحياة الضرورية وما أكثرها والاستثمارية خاصة، والشعب ينتظر من سينتصر لإرادته، والتاريخ سيشهد وإننا منتظرون!.. والله من وراء القصد.

عضو مجلس النواب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى