نجوم عدن..مطاعم وولائم

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
تكأكأ كثيرون علي كتكأكئهم على ذي جنة حسب القول المشهور الذي يؤشر لفضول الناس فقالوا: مالك استرسلت في حكايات نجوم عدن واستفضت في الكتابة على كل من هب ودب، ومتى ستنتهي من هذا المسلسل الرتيب؟ ثم ماذا تقصد من وراء هذا الإلحاح؟ كلام كبير، ولكن..

أظن أنه لا توجد لدي إجابة جامعة مانعة كما يقول المناطقة ولكنني أفلتُّ زمامي وتركت نفسي اللوامة تخبط خبط عشواء في زمن ساد ثم باد ومن خلال الذاكرة يُستعاد، وعموماً فإن إرضاء جميع الناس غاية لا تدرك، وللناس فيما يعشقون مذاهب، أليس كذلك؟

ومن العدل أن أشير إلى أن كثيرين آخرين قد وجدوا فيما أكتبه بعض المتعة حتى وإن خلا من الفائدة كما يفهمها الصيارفة الذين فررّعهم السيد المسيح عليه السلام، وسأقول لـ«عدني» ما قاله المغني.. «مالي وما للناس.. أنا لما حببتك .. ماخذت رأي الناس».. وفي الأخير كل واحد يغني على ليلاه، و«من حصل العافية دق بها صدره» كما يقول المثل العدني.

كان الحاح عبدالعزيز الأغبري صاحب الفرن الشهير في الزعفران- كريتر أحد مشاهير عدن ومن رعاة الرياضة البارزين، ولو كان الزمن زمن شراء النوادي كما فعل محمد الفايد في بريطانيا لاشترى الحاج نادية المفضل «الأحرار»، أما الروتي «أبوصندوق» الذي كان ينتجه فرن الحاج فلا يُعلى عليه، وليس عندي شك أن أي سلعة منتجة هي صورة لصاحبها، وقد كان عبدالعزيز نبعاً للخير وحديث المدينة، ولم يكن ينافسه في مسألة «الروتي» فقط سوى المخبز اليوناني الذي لا يبعد عن فرنه كثيراً، ولكن، من يتذكر المخبز اليوناني؟ فالناس تذكر بأعمالها لا بأموالها.

تعتبر «المخابيز» ولا تزال تيجان المطاعم الشعبية، وقد استعصت صناعتها على بيوت عدن المتأثرة بالمطبخ الهندي مما ترك مجالاً للرجال للهروب إليها من باب تغيير الطعم، فإذا ما أضفنا إلى ذلك أن عدن كانت تعتبر مدينة ذكورية بسبب القادمين من الأرياف بدون عائلاتهم فإن صناعة الأكل والتمخبز تعتبر رائجة، ثم من يستطيع أن يقاوم لحم البرم ومرقها ودعائمها من الحلبة والسحاوق والخبز القادم من الموفى «التنور» بدون إحم ولا دستور، وكنت قد أشرت في الحلقة السابقة، إلى مخبازة «التحالف» بمواجهة السوق المركزي للخضار واللحوم والأسماك والقات، فلا يفوتني في هذه الحلقة الإشارة إلى مخبازة الصوفي القريبة والتي لا تزال محافظة على سمعتها وجودتها، وكذلك مخبازة «حسن أبو شنب»، خلف الصوفي مقابل مطعم الحريبي الشهير، وعموماً فإن المخابيز هي من اختصاص بين شيبة والمدابعة إلا ما ندر كما فعل صديقي ناصر عبيد الذي نافسهم بقوة واقتدار فأقام مطعماً شاملاً أسماه «زبيدة» اختار له مكاناً استراتيجياً بمواقف سيارات فسيحة مقابل فندق بن لادن الجديد، وقد دخل عليه أحد شيوخ القبائل وهو يعرفه فحيّاه بالقول: حيا الله ناصر الشيباني بما معناه أن صناعة المطاعم جديدة عليكم يا أهل يافع، وقد رد ابنه الفتي مالك بالقول: أنا مالك الشيباني أما أبي فهو ناصر عبيد القعيطي. ما علينا.. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، فصناعة الأكل هي أشرف الصناعات وقد أوصى الحكماء النساء الفطنات بأن قلب الرجل في معدته، ومن كذب جرب.

سلطان المطاعم الأجنبية هو المطعم الصيني في شارع المعلا الرئيسي وهناك تجد علية القوم في ضيافة جميل شينه وأخته نرجس والطاقم العتيق الذي يدل على عراقة ذلك المطعم الصامد منذ نحو نصف قرن وكم تمنيت على جميل شينه أن يفاتح محافظ عدن د.يحيى الشعيبي بمنحهم قطعة أرض ملائمة لبناء مطعم على مستوى، ولكن ذلك الرجل الخجول الذي يتكلم اللهجة العدنية المعتقة التي انقرضت من الشارع يتردد، رغم أن مطعمه من معالم عدن السياحية البارزة، وهذه العائلة هي من أبناء عدن المتجذرين أبا عن جد ولم يبق لهم من الصين سوى مسحة فَطَسَة على الأنف وقليل من الضيق في العيون.. أما ما بقي وهو الأهم فينتمي إلى: أنا يمني وسل التاريخ عني .. أنا يمني ، ورحم الله شاعرنا إبراهيم صادق.

العم حسين بن هادي من مشاهير المدينة التي كان يسير فيها متحدياً على طريق أبطال «السُّومو» اليابانيين وكان ضابطاً يشار إليه بالبنان في مدينة جعار قبل الاستقلال ثم دخل تجارة السلاح ومول الثوار آنذاك فلم يحصل منهم على أبيض أو أسود، وسلامة الرأس فائدة ، وأخيراً أنشأ محلاً لبيع اللحم الماندي في شارع الاتحاد بكريتر، وكان يعبر عن جبروته القديم بأكل قطعة من اللحم الذي يبيعه لأي زبون، وقد ذهبت إليه فلم يعرفني رغم ما بيننا من ود قديم وسفر مشترك، والعتب على الزمن الذي لا يرحم، وحين ضاق بأسئلتي قال لي : تريد لحم والاّ توكل على الله .. روح شوف لك شغل.. وذلك ما كان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى