اللقمانيون رواد التحديث في اليمن

> «الأيام» أديب قاسم:

> الحقيقة التي تفرض نفسها على المتتبع لمسيرة الحركة الثقافية في واقعنا المعاصر، أو لنقل واحدة من أكبر الحقائق في دراسة الحالة الثقافية الراهنة في اليمن هي أن كل من يبحث في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية للنهضة المعاصرة والحديثة وآفاق تطورها في اليمن، لابد من أن يتوقف عند الشروع في هذه الخطوة الكبيرة أمام أسرة (آل لقمان) وعميدها مؤسس الصرح الثقافي النهضوي وأحد أعمدة المجتمع اليمني.

وتظهر هذه الحقيقة حيث كانت (أسرة آل لقمان) الصحفية قد وضعت مداميك أو قواعد الحياة السياسية الاجتماعية والحياة الثقافية الأدبية والصحفية في عدن، فأرست قاعدة ومنطلقاً حقيقياً للفكر والأدب المعاصر في اليمن. كان ذلك منذ مطلع الأربعينات من القرن العشرين.. ولكن التاريخ يتقدم هذا الرقم أو العقد من السنين ليبدأ قيام هذه النهضة من الأعوام التي سبقت قيام الحرب العالمية الثانية، أي حقبة الثلاثينات عند بدء تفتح الوعي الاجتماعي بعد عودة البعثات الأولى من الخريجين في المدارس العليا في الهند والعراق ومصر وبريطانيا، إذ أنه في تلك الأعوام واعتباراً من مطلع الثلاثينات كان محمد علي لقمان (عميد الأسرة) قد شرع في إصدار بعض الكتب بدأها برواية (سعيد) ثم رواية (كميلاديفي) ثم تلاها بكتابه(لماذا تقدم الغربيون؟) وحتى عام 1940م عندما أصدر «فتاة الجزيرة» أول صحيفة عربية محلية في عدن لتقف على صعيد الجزيرة العربية. وفي هذه الصحيفة كان محمد علي لقمان المحامي رئيساً لتحريرها وكان على محمد لقمان (الأديب الشاعر) مديرآً لتحريرها. وكانت الصحيفة التي أنجبت نخبة من رجال الفكر والأدب والصحافة قد اتخذت بعداً إقليمياً بالدعوة إلى صياغة مستقبل مشرق لعدن عن طريق نشر الوعي في الاتجاه نحو الحرية وذلك من خلال تحقيق العدالة في المجتمع، وتوسيع نطاق التعليم ليشمل حق الفتاة.. وكذلك الدعوة إلى حقوق المرأة لتأخذ حظها من الحياة، ومع الأخذ بالاتجاهات الفكرية والعقلانية الحديثة في الغرب.

وفي الإطار العام لهذه الصحيفة الأسبوعية وكانت تصدر كل يوم أحد إلى جانب صحيفة «القلم العدني» التي أسسها علي محمد لقمان وكانت تصدر كل يوم أربعاء أضف إليهما صحيفة «الأخبار» اليومية كانت بداية ظهور النثر الحديث الذي كان ينشر فصولاً بعضها يمس السياسة، وبعضها يمس الحياة اليومية، وغيره مما كان يحاول التعرض لبعض شؤون الاجتماع.. وجانب منه - قليل - للأدب، وكانت هذه الصحف قد يسرت اللغة، واستطاعت أن تشغل الجماهير وتعلمهم العناية بالأمور العامة والاهتمام بها والتفكير، وكان الهجاء السياسي من أهم الألوان لأدبنا العربي الحديث، ثم إذ بها قد فتحت الباب أمام الصحف الأخرى، تستعرض الآداب الأوروبية الحديثة عن طريق الترجمة لروائع الشعر الغربي، وتعرض لها بالنقد والتحليل. وكان من أهم أدوارها دعوتها إلى نشر التعليم حيث أدى انتشار التعليم الواسع إلى زيادة عدد القراء.. يدفعها في ذلك: أن اليمن - وقد تركزت الدعوة في عدن- يجب أن تحيا حياة الأوطان الحرة المستقلة،. وأن تحتفظ بالدين واللغة مع العناية بالتعليم المدني.. وفي هذا الوقت يكتب د. طه حسين في مقال له بعنوان: الحياة الأدبية في جزيرة العرب أن الحضارة الحديثة قد استقرت على سواحل اليمن. وفي عام 1955م يكتب أحمد السقاف- الوزير بدولة الكويت - عن النهضة الأدبية والصحفية في عدن، في كتابه (أنا عائد من اليمن) «في عدن بضع صحف يحررها لفيف من الشباب المثقف وهذه الصحف هي: فتاة الجزيرة، القلم العدني، النهضة ، الجنوب العربي، البعث، الفضول، المستقبل. تعمل على قدر استطاعتها في سبيل خلق الوعي لدى المواطن العربي في عدن، كما أحدثت حركة أدبية تزداد يوماً بعد يوم، وتبشر بنهضة لها أثرها في جنوب الجزيرة». وفي وسط هذه البيئة ظهر (علي محمد لقمان) ولد عام 1918م، وكان أول خريج صحافة عام 1946م ليجد نفسه وسط مخاضات (الثلاثينات- والخمسينات) بمحك الحركة الثقافية الناشطة والذين يتذكرون تلك الأعوام يتذكرون من غير شك تلك الخصومات العميقة التي ثارت بين الشباب والشيوخ في الصحف في الحياة العقلية والاقتصادية والسياسية، وكذلك الخصومات التي كانت تثار حول الأدب وحول حرية الرأي وقضايا الفن. في ذلك الوقت وداخل هذا الإطار، حيث كان التعليم يزداد انتشاراً وكان الضمير الوطني يزداد يقظة، كان للأديب الصحفي علي محمد لقمان عمود ثابت في تلك الصحافة تناول فيه كثيراً من الجوانب السلبية في الحياة بأسلوب ساخر متخذاً في أغلب الأحيان قالب الشعر، فعمل على تحريك الركود في تلك الحياة من جوانبها المختلفة: الحركة اليومية للحياة، الثقافة، الأدب، الفكر، والعلاقات الاجتماعية. فكان كما يصفه (أحمد السقاف) صحفياً جيداً من الطراز الأول. وأما عن حياته الأدبية التي تمس الأدب العربي الحديث فكان الخطاب السياسي والاجتماعي والفني يشكل المحاور الثلاثة التي تركز عليها شعر علي محمد لقمان ودارت حولها كتاباته النثرية، حتى برزت مسرحياته الشعرية لتعلن عن فارس يلج حلبة الأدب العربي الحديث، ليقدم إسهاماته على مائدة العصر، حيث كان الفن وكانت النزعة العقلانية وتطور المجتمع هي أهم شاغل للمثقفين خلال النصف الأول من القرن العشرين في العالم العربي. وعلى هذه الخلفية من التوجه نحو المجتمع أصبح الأدباء يتحدثون أو يؤثرون الحديث منذ هذه اللحظة عن موقفهم من مجتمعهم ونظرتهم إلى الحياة والعالم، وحيث كان العالم كله يلوح في الفن من خلال نظرة الأديب أو الشاعر أو الكاتب المسرحي. وكان الصراع يدور بين مختلف التيارات الفكرية والدينية حول ما يترتب على تلك العلاقات بين العلم والجهل، وبين المرأة والرجل، وبين الفن والحياة. وفي ذلك كله كانوا في خطابهم يؤثرون الشعب في ظروف التطور الإنساني نحو الحرية (أي ظروف الحياة الحديثة) حيث كان هذا الشعور قد شمل البلاد العربية وقد أحاط بجزيرة العرب. ومن هذا السبيل، كانت عدن تدخل في الحياة العالمية العامة حيث وقفت (أسرة آل لقمان) لتلقي نظرة على العالم.

وذلك هو الانطباع الهائل لما أحدثه اللقمانيون من نهضة ثقافية وفكرية وأدبية في عدن، لتنعكس على عموم اليمن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى