نجوم عدن..مقاهٍ وملاهٍ

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
انطفأت مقهاية (فارع) في شارع مسجد العسقلاني بكريتر كما ينطفى أي شيء جميل مخلفاً الأسى في النفس وقد أثبت الحاج فارع أن (الجودة) هي مقياس النجاح فمقهاه الشهير لم يكن في الوسط التجاري المزدحم كما كان حال مقهى عثمان وزكو مع ذلك كان قبلة متذوقي الشاي الرفيع يأتون من أقاصي المدينة فلا يكاد كرسي يفرغ حتى يمتلئ في الحال على امتداد ساعات العمل الطويلة، وقد طور الحاج صناعته بإنشاء مزرعة للأبقار وفرت الالبان الطازجة والقشدة الملاي التي كان البعض يفضلها مع الشاي أو يشتريها مفردة، وفي مقهى فارع على الاغلب جرت عمليات فرز مذاقات الشاي وفق درجات معايرته بالحليب سنجل، دبل، دبل نص، سلالي (نسبة إلى المشير عبدالله السلال) فكأن الشاي معرض للتغذية والسياسة في آن واحد، وأشير إلى أن الحليب مع الشاي وهو في جانب منه تقليد للانجليز كان يستجيب لسوء التغذية للقادمين من الارياف الذين يجدون فيه إشباعاً لا يجدونه في الشاي (العصمالي) نسبة الى العثمانيين كما أظن وهم الاتراك الذين عسكروا في لحج ولم يخرجوا منها إلا في الحرب العالمية الاولى، ولو استمرت رؤية الحاج فارع في الصناعة المتكاملة لربما كان اليوم بين أشهر مصنعي الالبان ومشتقاتها في الجزيرة العربية وصولاً الى اللحوم،كما هو شان شركة المراعي السعودية ،ذلك أن الاعمال تنسج محيطها ومجالها بسلاسة وتصاعد إذا ما احسنت إدارتها كما هو حال بيت هائل سعيد انعم، ولكن الحاج فارع وقع في شدق التنين في غفلة من الحلم فأصبح أثراً بعد عين.

مقهى (كُشر) لا يزال قائماً وأمام الزقاق الذي يقع على ناصيته في تفرع شارع الميدان بكريتر كان دكان والدي في حافة الحدادين، لذلك كنت كثيراً ما ارتاده واستمع فيه الى جدل الشباب «المناجمة» وتعلقهم بأبطال الافلام المصرية وتردادهم لبعض الجمل الشهيرة من قبيل « رجال الشرطة لا يتغيرون» وللمناسبة فقد كان آخر حداد يجاورنا قبل أن ترحل هذه المهنة الى عالم الفناء.

هذا عن المقاهي وبينها الكثير الذي لا اعرفه، فماذا عن الملاهي؟ كانت السينمات هي الأبرز : مستر حمود، الأهلية، البانيان، وأحدثها وآنقها بلقيس في حقات، وكان الفيلم المصري هو المسيطر وبدون شك فقد لون الثقافة المحلية بل يمكن القول أنه اخترقها ثقافياً وفنياً ولهجة وما أكثر الصرعى والعشاق لنجمات ونجوم ذلك العصر الذهبي في الخمسينات والستينات، ولا أزال أتذكر فريد الاطرش عندما كان يصدح بـ «يا ليلي.. يا عيني..» بصوت مديد ينتهي بعشرات الكوافي ترمي في الهواء عند نهاية اللازمة التي اشتهر بها.

موضوع السينما مغر بكتابة طويلة ليس هنا مجالها، ويليه في الملاهي اليمنية حفلات الغناء التي ازدهرت ازدهاراً عظيماً في نهاية الخمسينات وبداية الستينات من القرن المنصرم وكان نجماها الرئيسان محمد مرشد ناجي وأحمد بن أحمد قاسم وجمهورهما الرئيسي سكان الشيخ عثمان وسكان كريتر مع اختراق الشيخيين لجمهور كريتر الموزع الولاء، وقد أوجدت حفلات الغناء صراعاً فنياً وتراثياً موصولاً لا يزال يتفاعل إلى اليوم كما تتفاعل النار تحت الرماد.كان رمضان الكريم ذروة الفرح السنوي وفيه يحلو السمر على أنغام الوتر وسلطنة القات ومقاهي الكيرم التي يتنافس فيها الابطال «الشمبيونات» الذين يخطفون الالباب بأصابعهم الذهبية والمعجبون يحيطون بهم لمعرفة أسرار الرميات الحاذقة.

مقاه وملاه مجرد ضربة فرشاة في جدارية تنبض بالحياة ولا أدري ماذا بقي منها وماذا انطفأ.. وقل للزمان أرجع يا زمان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى