مشاكل الاراضي توضيحات لصورها ومعالجة لإشكالاتها

> «الأيام» عدنان غالب العامري:

> تحدثنا في الحلقة السابقة عن صورة واحدة من صور التلاعب في البيوع للأراضي وهي عملية البيع فوق بيع سابق للأراضي الخارجة عن عواصم المدن الرئيسية أي البعيدة عن المخططات الحضرية ووضحنا القصور المتعمد من قبل قضاة التعميد الشرعي في عدم الإشارة إلى البيوت الجزئية وعدم قيدها وتدوينها بما يفيد تنزيل المساحات المباعة على وثيقة التمليك الأصلية أو بمرفقاتها المخصصة لتدوين هذه البيوع، وخلصنا إلى المطالبة بصياغة مواد قانونية جديدة تنظم هذه العملية وتسد جميع الثغرات الموجودة في القانون الحالي.

وفي هذه الحلقة سوف نتحدث عن صور أخرى من البيوع المحبوكة.

الصورة الثانية: بيوع الأراضي الزراعية
يقدم المشتري على شراء مثل هذه الأراضي بعد أن يكون قد درس كل الجوانب المحيطة بهذه الارض بحسابات مستقبلية، وحدد بدقة متناهية قيمة الأرض الطينية المطلوب شراؤها والقيم المادية الأخرى للجوانب المحيطة بها، من جبال وتباب وأراض جرداء، ومساقي وأعبار ومصارف...إلخ هذه الجوانب المحيطة بالارض الطينية قد تمثل قيمتها عشرة أضعاف القيمة الحقيقية للأرض الطينية التي يرغب المشتري في الحصول عليها لتحقيق الغايات الأخرى التي يتمنى الوصول إليها، بأي طريقة كانت وبأي أسلوب ملتوٍ، لا يعرف المالك - البائع - خيوط المؤامرة التي تحاك ضده في الخفاء، وفي ظل عدم وجود الوعي الكافي والفهم والإدراك للامور القانونية والشرعية، عند بعض الملاك الأصليين لهذه الارض، فيتم خداعهم بسهولة ويسر عن طريق الصياغة القانونية لعقود التمليك التي يحررها كتاب هذه العقود من حكام وقضاة وأمناء شرعيين.. وصياغة هذه العقود تبرمج مسبقاً بين الكاتب والمشتري، مقابل مبالغ مالية متفق عليها مسبقاً، وبعد الاتفاق هذه الامور وحبكها من قبل محرر العقود والمشتري، يتم الذهاب للمالك الأصلي لتلك الارض، ويتم التفاوض على الشراء وتحدد الأسعار للقصبة الواحدة أو المعاد أو الزراع أو المتر...الخ. فإذا تم القبول بالسعر بين الطرفين وتراضوا بخصوصه، يتم تحرير وثيقة الشراء من قبل محرري العقود وإذا افترضنا بأن مساحة الأرض الطينية المطلوبة شراؤها من هذا البائع ألف قصبة (القصبة تساوى 12*12 ذراعا تسمى هادوى، وهناك قصبة = 10*10 ذراع تسمى عشاري) سعر القصبة الواحدة 2000 ريال أي أن إجمالي المبلغ المطلوب قيمة هذه الارض 2 مليون ريال فقط. فيتم تحديد هذه الأرض وقياس مساحتها ووضع العلامات المحددة لأطرافها من الجهات المختلفة، إلى هنا والأمر سليم جداً، ولكن عند قيام محرر العقود بكتابة وثيقة التمليك لهذا المشتري وبحسب الاتفاق المسبق معه، يذكر بأن فلان قد اشترى هذه الارض المحددة وما يلحق بها من مساقي وأعبار ومصارف وجبال وتبات وأرض جرداء...إلخ وكتابة هذه العبارات الزائدة بوثيقة التمليك تكون بدون علم المالك - البائع - وعند قيام محرر العقود بقراءة ما كتبه بهذه الوثيقة أمام من حضر عقد المبيع، يهمل العبارات الزائدة المضافة للعقد، فيسمع الجميع ما ذكر بعقد التمليك، ويقوم البائع والمشتري بالتوقيع النهائي على هذه الوثيقة ويتم اختيار شاهدين من الحضور لتدوين شهادتهما...إلخ من إجراءات تحرير العقود، وبعد ذلك يتم تعميد هذه الوثيقة بالمحكمة الشرعية والسجل العقاري وتدوين هذا المبيع على بطن وثيقة البائع الأصلية بحسب الأصول المتعارف عليها، وينتهي الأمر بتسليم قيمة هذه الارض للمالك - البائع - وكل واحد منهما يذهب إلى سبيلة.

ولا يكتشف أمر هذه الحبكة الا بعد سنين عندما يحتاج البائع لشيء من أملاكه المحيطة بالارض الطينية المباعة، مثلاً أقدم البائع على تأسيس منزل لأحد أولاده على إحدى التباب أو في الاماكن الجرداء أو أراد تقطيع أحجار من الجبال التي تطل على الارض المباعة...إلخ.

هنا سوف يعترض المشتري على المالك ويمنعه من القيام بأي شيء وسيعلن له ولأول مرة وبصريح العبارة بأن كل شيء محيط بأرضه الزراعية، ملك له وحق من حقوقه، وسوف يزعم بأنه سبق الاتفاق على هذا الأمر أمام الجميع وكل شيء مدون بوثيقة التمليك.

هنا تظهر الخلافات والمنازعات ويصل بهما الأمر للمحكمة وكل واحد سيقدم دعوته، فتكون الغلبة للمشتري والحكم له بما هو مدون بعقد تمليكه، والقانون لا يحمي المغفلين، وهكذا تضيع حقوق الملاك بشخطة قلم من كاتب ليس له ذمة ولا دين ولا أخلاق ولا ضمير، استطاع على غفلة من الخلق أن يدون مبيعاً ليس متفقاً عليه ولا مساوماً فيه مطلقاً بين البائع والمشتري.

وبهذا أعطى حقاً لمن ليس له حق، واستلم مقابل ذلك مبلغاً من المال قد لا يساوي شيئاً أمام القيمة الكبيرة للشيء الذي منحه للمشتري.

ولمعالجة مثل هذه الإشكالات وتجنيب الملاك والبائعين من الوقوع في مثل هذه المزالق والثغرات فالأمر يتطلب وجود مادة قانونية، تدعو هؤلاء وتحذرهم من عواقب التساهل عند الإقدام على عملية البيع للأرض الزراعية وذلك بعدم التوقيع على وثيقة التمليك للمشتري إلا بعد عرضها على محام يثقون به، وصاحب خبرة وفهم بهذه الأمور، والشيء الآخر بعد تحديد الارض المراد بيعها وقياس مساحاتها وتحديد معالمها يجب الإشارة بعد ذلك بعدم الحق للمشتري في التصرف خارج نطاق ما تحدد له بالوثيقة وعدم إحداث أو تغيير أي شيء موجود على الطبيعة باستثناء السماح له بمد الأعبار والمساقي ومصارف المياه في نطاق ملك البائع، وبما لا يضر به، ويحق للمالك إذا دعت الضرورة توجيه المشتري إلى تغيير تلك الاعبار والمساقي والمصارف وبما لا يضر بالآخرين.

أو الاتفاق معه بخصوص تمليكها له ويخضع الأمر للاتفاق وتدوين عقد تمليك بذلك. فالوضوح هذا يجنب الجميع المزالق والمشاكل والخلافات.

الصورة الثالثة: بيع فوق بيع لأرضيات البناء (عقارات) داخل عواصم المدن المشمولة بالمخططات الحضرية
أصبح من السائد والمعروف لدى الجميع أن كل أرضية معروضة للبيع يحتمل ويتوقع الكثير أن تكون فيها إشكالات، وهذا الاحتمال والتوقع أكيد وفي محله، فأرضيات البناء في كل المدن اليمنية مطعمة بالمشاكل ولا تخلو أرضية من وجود حبكة أو أكثر فيها، وليس بمقدور الراغب في شراء أرضية بناء، أن يتعرف من بعيد على هذه الحبكات أو إدراكها بطريقة سهلة، فالمسائل هذه مدروسة بدقة متناهية، ومتفق عليها بين أطراف اللعبة، ولا يمكن فك طلاسمها، إلا من خلال التعرف عن قرب على صناعها، وإذا ما ما عرفت هؤلاء واستمعت لحكاياتهم وحبكاتهم الغريبة، ستخرج بنتيجة مفادها أن كل قطعة أرض معروضة للبيع فيها أكثر من مشكلة، ومباعة أكثر من بيع، وسوف تعرف جيداً بأن هناك ثغراث في القانون المنظم لهذه العملية فعلاً، وهو ما أدى إلى ظهور هذه المهازل في عملية بيع وشراء أرضيات البناء .. في تعز وفي قلب المدينة، وبالتحديد الدقيق أمام مستشفى الاسعد هناك أرضية مساحتها أكثر من خمسين قصبة وتقع على ثلاثة شوارع رئيسة وقيمتها تقدر بمئات الملايين، يقال والعهدة على الراوي بأنها مباعة لأكثر من ثلاثة عشر مشترياً كان أحدهم محسن اليوسفي محافظ تعز السابق، وعندما أقدم المحافظ على الشروع في تأسيس هذه الارضية ظهر له الملاك من كل حدب وصوب، وكل واحد منهم أكبر من الآخر، أي كلهم ديناصورات ضخمة، فلم يتمكن من القيام بعمل شيء أمام هذا الأمر، وهو الرجل الأول بالمحافظة، بل كان هو واحد من الضحايا الذين وقعوا في فخ وشراك صناع هذه الحبكات.

في مثل هذه الحال تكون الحلول معدومة فعلاً وليس لها أي مخارج.

وإذا سألنا انفسنا كيف يقوم هؤلاء بهذه الامور؟ وبالتالي القدرة على البيع مرة ثانية.. وعاشرة؟!

لتبسيط هذه الفكرة نضرب المثال التالي: رجل يمتلك أرضية بناء مساحتها مائتا قصبة، باعها لشخص مغترب في 1974 بمبلغ مليوني ريال أي بسعر القصبة الواحدة عشرة آلاف ريال وإجمالي المبلغ يقابل خمسمائة ألف دولار بسعر تلك الأيام.

قام المالك - البائع - بتحرير عقد تمليك وتم تعميده بالمحكمة الشرعية والسجل العقاري بموجب صورة لوثيقة الملكية الأصلية أي أنه لم يتم التأشير على وثيقة البائع بما يفيد قيامه بهذا البيع، ولعدم معرفة المشتري بهذا الإجراء المخطط والمنسق مسبقاً من قبل المالك وكاتب العقود، أضف إلى ذلك أن عملية التعميد بدون الوثيقة الأصل للبيع تتم بالفلوس في ظل قضاة فاسدين وحكام لا يهمهم حقوق الآخرين.

وبعد اتمام عمليه البيع هذه سافر المشتري إلى بلد اغترابه وفي عام 1984 أي بعد عشر سنوات صارت قيمة هذه الارضية مائة مليون ريال.. لاحظ الفارق، قام المالك باصطياد مغترب آخر وباع له هذه الارضية بموجب وثيقة التمليك غير المخدوشة بحوزته، فتمت عملية البيع والشراء والتعميد.. من كل الجهات. لكن هذا المشترى كان أكثر إدراكاً من المشترى السابق، حيث طلب من المحكمة إبطال وثيقة البائع الأصلية وتدوين المبيع عليها ضماناً لعدم تكرار البيع، وحدث ما أراد وبعد إتمام عملية البيع هذه سافر هذا المشترى إلى بلاد اغترابه كما فعل الأول في هذه الحالة وبعد فترة من الوقت يتقدم المالك - البائع - بطلب للمحكمة الشرعية يفيد بأنه فقد وثيقة ملكيته الأصلية لهذه الارضية ويقدم صورة لهذه الوثيقة. وبعد التأكد من صحتها يتم تحرير وثيقة أصلية ويتفق مع محرر هذه الوثائق بعدم الإشارة إلى كلمة بدل فاقد، وبواسطة المال يتسنى له هذا الأمر. وبعد استلامه لهذه الوثيقة يشرع في اصطياد مشتر ثالث، ويتحقق له مثل هذا الأمر ويبيع هذه الأرضية مرة ثالثة في عام 1994م بمبلغ مائتي مليون ريال ..لاحظ فارق المبلغ مع من سبقه. وتتم عملية البيع واجراءات التعميد فإذا شرع المشتري الأخير بعملية البناء في وقته وحينه وأتي بعد سنة أو أكثر المشتري الاول الذي دفع في 1974م اثنين مليون ريال أي قبل عشرين سنة عندما يتم رفع هذه القضية للمحكمة سيكون الزام البائع بتعويض المشتري أو رد ما سبق وأن قبضه منه، كونه ضامن عن مبيعه من أي إخلال وبعد مقاضاة قد تطول أو تقصر يتدخل بعض الحكام بإيعاز من البائع لحل هذه الاشكالية ودياً وبما يرضي الطرفين فيحكم لهذا المشتري بمبلغ عشرين مليون ريال تعويض فوق ما دفعه عام 1974م فيضطر للقبول بذلك لعدم وجود قانون يحميه ويأخذ له بحقه، وعندما يأتي المشتري الثاني الذى اشترى عام1984م فتحدث نفس الاشكالات ويتوصل الأمر للصلح مثل ما تم عمله مع الذي قبله، فيحكم له أن يأخذ عشرين مليون ريال فوق ما دفع فيضطر للقبول بالأمر الواقع. في هذه الحالات ماذا استفاد هذا البائع المجرم من تنفيذ هاتين العمليتين في الحالة الاولى استفاد 78 مليون ريال وفي الحالة الثالية استفاد 80 مليون ريال من إجمالي هذا المبلغ الذي تحصل عليه دون وجه حق لا يهمه أن يدفع للقضاة والحكام وكل من تعاون معه عشرين مليوناً أو أكثر، فهو مستفيد من العمليتين 158 مليون ريال، اليس هذا إجراماً؟! أين الحكام وأين القضاة؟

هنا سوف يتضح بجلاء بساطة ما يقوم به هؤلاء النصابون، وسيدرك فداحة ما يقدمون عليه، وكيف يمارسون الظلم على البسطاء، وبمساعدة من؟ طبعاً بمساعدة مباشرة من الحكام وقضاة التعميد مع وجود الثغرات بالقانون المنظم لهذه العملية، وإذا استطعنا سد هذه الثغرة في القانون كما سبق المطالبة به، على أن يكون الشهود لعملية بيع وشراء الاراضي والعقارات والمباني.. من الجيران المحيطين بالملك المراد بيعه، وتكون هناك عملية الزام بحضور بقية المحيطين من كل الاتجاهات ليكونوا على علم ودراية بهذه العملية، فلو حدث هذا الالتزام بهذا الامر لن يستطيع هذا المالك (البائع) تكرار بيعه، لأنه في البيع الثاني سوف يتطلب حضور من سبق حضورهم في البيع الأول كون الشيء المراد بيعه هو نفسه.

هنا يعتبر جميع الجيران متضامنين ويتحملون المسؤولية الكاملة أمام المشتري الثاني وأمام الجهات القضائية في حالة تمرير مثل هذا البيع المزور، ولن يقبل واحد منهم القيام بمثل هذا الأمر مطلقاً، هنا العملية تم معالجتها ووضع حد للتلاعبات في مثل هذه القضايا، الأمر الثاني في حالة إقدام البائع على طلب إخراج وثيقة تمليك جديدة من المحكمة الشرعية كما فعل في السابق فعلى المحكمة العودة أولاً للجيران المحيطين بالملك الذي يدعيه هذا النصاب، فاذا ثبت بشهادتهم أنه تم بيع تلك الارضية لفلان وبتاريخ كذا، هنا المحكمة لا تستطيع إعطاءه وثيقة ملكية بدل فاقد، وليس بمقدور هذا النصاب بعد هذا تكرار عملية البيع كما كان يفعل لوجود من يراقب تصرفاته، طالما والشهادة لإتمام عملية البيع والشراء ارتبطت بأشخاص الجيران وهذه العملية ملزمة بحضور كل الجيران المحيطين بالملك المراد بيعه.

وأغلب هذه المقالب والحبكات تفضي إلى القتل، والذي يقدم على ارتكاب جريمة القتل هو صاحب الحق المغلوب على أمره، ومن المستحيل أن تصل يده مباشرة إلى المالك (البائع) الذي أقدم على حبك عملية النصب والاحتيال عليه. بل يكون القتل لواحد من أولاد البائع أو أخيه أو أحد أقاربه أو واحد ممن يستعين بهم ويقدمهم لمثل هذا المشاكل ويشجعهم للتمادي بالباطل وإرهاب الآخرين. وإذا ما حدث القتل ووقعت الجريمة كان مصير صاحب الحق السجن المركزي والإعدام، والنصاب في حصانة من الموت ولا بد له من يوم. وهكذا تنتهي أغلب هذه المسرحيات بنهاية محزنة للطرفين وقد تحصد عشرات الارواح.. نكتفي بهذا التوضيح في هذه الحلقة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى