الحكم المحلي واسع الصلاحيات..كيف يبدأ وما هو؟

> المحامي بدر سالمين باسنيد:

> يتزايد الحديث دائماً عن الفيدرالية أو الحكم المحلي واسع الصلاحيات .. خاصة عندما يكون الموضوع «نظام الحكم» وعلاقته بالديمقراطية والصلاحيات التي يجب منحها للمواطنين في تجمعاتهم المختلفة مطروحاً للنقاش.

ودائماً تتزايد مطالب الشعوب للحصول على «الديمقراطية» في الحكم على نمطين اثنين .. الأول يتعلق بحقوق متعاظمة لإدارة شؤونهم بأنفسهم وحقوقهم على ثروات وإيرادات مناطقهم وإدارتها .. والثاني في جعل المشاركة في اتخاذ القرار المركزي عملا فعليا وحقيقة واقعة، كل هذا الجدل المتزايد الذي يتعاظم حتى في أقدم دول الديمقراطية قد أصبح هو الأساس المهم الذي يجب أن يحظى بالاهتمام هنا في هذه البلاد إذا كان الذين يمسكون بزمام الأمور يريدون حقاً تخطي أزمة البلاد القائمة، التي قد تصبح فجأة أزمة عاصفة. وجوهر هذه الأزمة تتجمع داخله قضايا عديدة منها المركزية، بل المركزية المفرطة، التي كانت نتاج وهم الكبرياء اليمني، ومنها الفساد الذي دخل كل المجالات وسكن داخل أروقة مصالح الأمة، بل وعشعش داخل تفكير الكثير من القائمين، وتوهمنا ربما أيضاً وفقاً لمخطط خاطئ كان نتيجة الوهم والكبرياء في بناء الدولة أن محاكم الأموال العامة والنيابات المقابلة سوف تردع الفساد .. وكان ذلك طريقاً خاطئاً وربما رآه البعض حينها أنه كان طريقاً مضللاً لكون هذه المؤسسات لا تواجه إلا بيوت العنكبوت، بينما بقي أبطال وزعماء الفساد في ظل «الكبرياء» وتحت حمايته، ومن الأزمة أيضا الكثير من الأمور يدخل فيها النهب وسيطرة متنفذين لا ينتمون إلى المجتمع المحلي واحتكار الإدارة وتشويه الحقوق والحقائق والهيمنة على الوظائف القيادية، وخاصة الإيرادية منها، ونستطيع أن نضع قائمة كبيرة في محتوياتها من عناصر هذه الأزمة التي يجب أن نراها الآن قبل فوات الأوان.

ولكي نتمكن من الرؤية الصحيحة لطبيعة هذه الأزمة .. ونجد الوسائل لمواجهتها وإيجاد الحلول .. يجب أولاً أن تكون هناك إرادة فعلية لكل الأطراف، يجب أن تكون هناك إرادة سياسية مقتنعة بضرورة الحوار مع الناس للوصول إلى اتفاق حقيقي .. حقيقي فعلاً لإنهاء هيمنة تلك العناصر التي تشكل الأزمة أولاً، ثم إرادة سياسية حقيقية لبناء الدولة مجدداً على أسس تعطي الناس حقوقها في تولي شؤونهم في مجتمعاتهم دون تدخل إلا في حدود يجب أن يوضحها دستور جديد للبلاد، ويجب أن تكون هناك إرادة حقيقية لكل الأطراف الحاكمة والمعارضة والناس خارج تلك الأطر، تقبل بتغيير نظرة الدولة الجديدة لإيرادات المجتمع بتقسيماته الجغرافية ونظرتها تجاه ثروات البلاد .. والاعتراف بحقوق الناس على ثروات مناطقهم وسيادتهم عليها بموجب اتفاق يعكسه دستور جديد للبلاد، لأن الذي قيل من بعض مسؤولي مكاتب الوزارات حول «الإيرادات السيادية» و«الإيرادات المحلية» عندما ناقشنا موضوع ميزانية عدن .. ما قيل حينها كان مخيفاً ومرعباً وبعيداً حتى عن أبسط قواعد الديمقراطية، وحتى عن الجوانب الإنسانية وطموحات الناس، وبعيداً أيضا عن حقوق المواطنين في الحصـول على عيش كريم داخل محافظتهم.

فإذا توفرت هذه الإرادة السياسية بشكل حقيقي وتوفرت لديها استجابة فعلية وحقيقية في تغيير هذا الواقع للدولة اليمنية وإصلاح وضعها وطبيعتها، والاعتراف بضرورة وضع الديمقراطية بشكل واضح وحقيقي لتكون صفة لمؤسسات المجتمع ونظام الحكم والتنمية، فإذا توفر هذا الأمر، فإنه يمكن أن نخلق قاعدة مقبولة للحوار العام والعادل، والعادل مرة أخرى .. لبناء الدولة الجديدة، حيث لا وجود للمركزية المفرطة وحيث يتمتع الناس بحقوق وصلاحيات واسعة في إدارة شؤونهم الداخلية والاعتراف لهم بحقوق واضحة على إيراداتهم وثرواتهم .. بعيداً عن المفاهيم الباطلة والظالمة حول هذه الإيرادات والثروات وهيمنة مفهوم الثروة السيادية والإيراد السيادي.

في مثل هذه الظروف أو إذا شئتم الشروط .. سوف يكون حينها ممكناً إيقاف وتعطيل دورات كل أصناف الأزمة الجامحة والهيمنة المركزية و«البواطل» التي تحدث كل يوم، وعندها يمكن أن يبدأ الحوار مع الناس ويبدأ قبله التفكير بآلية هذا الحوار وضماناته وأن لا يجرى الالتفاف حول هذا الحوار، ثم على نتائجه عن طريق السيطرة على أعداد الممثلين للقوى السياسية .. وهي حيلة كثيراً ما تحدث وحدثت في انتخابات عديدة مهنية وغيرها .. بما في ذلك تدخل عناصر أمنية.

شرط أساسي لتحقيق هذا الحوار أن تكون قاعدته الاعتراف الحقيقي بالآخرين.. والإقرار الفعلي بضرورة التغيير.. التغيير في الأمور التي حدث بسببها الكثير من الباطل والنهب والحرمان داخل المحافظات.. خاصة التي تتعرض لنظرة خاصة متدنية وأنها أراض غنيمة اكتسبها أصحاب الحق في الغنائم.

الحديث بعد هذه المقدمة في هذا الصدد سيكون عن طبيعة وماهية ما نريده من تغيير في بناء سلطة محلية بصلاحيات واسعة تعمل في إطار ديمقراطي داخل دولة واحدة.

وأخيراً تذكروا جيداً .. إن ما يحدث في اليمن لا يعني أبداً أنه صورة للتنمية الشاملة .. فرش الاسفلت أو بناء عمارات أو فنادق ليس تنمية ولم يمنع من تدهور معيشة الناس ومستوى الدخل وضياع فرص العمل خلال العقد الماضي .. تذكروا أن التنمية تكون مجموعة متكاملة من الشروط والظروف، لكنها ليست ما يحدث اليوم، الأمر الذي يتطلب التغيير وقبله الحوار من أجل التغيير، ويجب أن نتذكر جيدا - حتى لا يستعجل أحد في أطروحاته- بأن وثيقة (العهد والاتفاق) لم تعد صالحة اليوم، ليست صالحة لتواجه مطالب الناس في محافظاتهم .. لأن التجربة القاسية لأكثر من عشر سنوات عجاف كشفت حقائق جديدة أصبحت من أهم الضروريات المكونة لمستقبل نظام ديمقراطي آخر يختلف عن ديمقراطية اليوم التي تسببت في ما يحدث من تمييز في المواطنة، ونهب الحقوق والكثير والكثير من المظالم، تذكروا أنه لا يمكن لأي تنمية أن تحدث ما لم تتحق ديمقراطية فعلية .. ورمضان كريم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى