مع الأيــام..هيكل الأجور وديك مرو

> أحمد يسلم صالح:

> كثيرة هي الأحداث التاريخية والمواقف الشعرية والنوادر الفكاهية التي تناولت الخبز كأحد أهم الأشياء ضرورة في حياة الناس ومعيشتهم، فلم يجد ابن الرومي سوى اقتناص أحد المواقف حين مر بخباز، وأطلق عنان شاعريته ليقول:

لا أنسى لا أنسى خبازاً مررت به

يدحو الرقاقة (1) وشك اللمح بالبصر ما بين رؤيتها في كفّه كرة

وبين رؤيتها قوراء (2) كالقمر إلا بمقدار ما تنداح دائرة في لجة الماء يلقى فيه بالحجر
طبعاً لسنا بصدد روعة الوصف وحسن التصوير اعتماداً على ملكة شعرية آية في الإبداع والإمتاع بقدر ما يهمنا السير في الحديث عن الخبز والخبازين وما بينهما من حكايات ونوادر وثورات وعواصف سياسية كان مردها الخبز، إلى أن صار قسطاساً بين حضارة وأخرى وأمة وأخرى.

حتى أن أعظم ثورة في التاريخ المعاصر التي توجت بأول جمهورية في التاريخ ألا وهي الثورة الفرنسية كانت شديدة الارتباط بإكسير الحياة (الخبز)، فقد ينسى التاريخ ماريا انطوانيت زوجة الملك ولكنه لم ينس حدوثة اندهاشها واستغرابها من جمهور المتدافعين حين قيل لها إنهم يبحثون عن الخبز فقالت ولمَ لا يأكلون البسكويت!!

وهكذا فإن جملة السياسات والإجراءات التي طالت حياتنا اليوم بكل ما فيها من أخطاء وخطايا، عندما يدفع الناس ثمنها من وزن وشكل رغيف الخبز يكون هنا حجم ووقع المصيبة أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند. ويتعاظم وقع هذه البلايا حين تكون مصحوبة بخطاب سياسي موجه إلى من يظنونهم معتوهين وبلهاء وسذجاً يصدقون الحكومة بقولها: (إن هذا من أجل تحسين معيشة الشعب) فيا له من تحسين أو تحزين ويا له من شعب!!

قولوا معي عندما سمعنا بخطط وبرامج الحكومة بشأن هياكل الأجور أو بالأصح (هياكل الجور) وجدنا أن حقيقة الأمر لا يعد أكثر من جعجعة بدون طحن، وهذه الحقيقة سيكتشفها جمهرة موظفي الدولة قريباً وبالأخص في قطاعي التربية والصحة بما يمكن اختزاله بنادرة من نوادر الجاحظ أوردها في كتابه الشهير: البخلاء، مفادها أن آل مرو بخرسان بلغ بهم البخل مبلغاً لم ينافسهم فيه أحد. وهكذا صار الحال حتى مع طيورهم وأنعامهم. ومما أورده في هذا السياق أن الديكة عادة إذا أرادت كسب الدجاج واستعراض فحولتها تحدث صوتاً مع نبش التراب والإبقاء على حبيبات قمح مثلاً بين القش أو التراب هي كافية لجلب الدجاجة التي يتركها الديك تلتقط الحبوب مكافأة لها على تلبية رغباته وحضورها إلى بين قدميه.

إلا أن ديكة مرو يختلف الأمر معها فهي تحدث كل حركات الديكة الروتينية التي توهم الدجاجة المسكينة بوجود قمح ومع أنه ينفش ريشه ويصدر أصواتاً مغرية للدجاجة إلا أن الدجاجة التي تهرع كما هي عادة الدجاج لا تجد عند ديك مرو حبة قمح ولا يحزنون، وكل ما في الأمر أن ديكة مرو تنال حاجتها وإشباع رغبتها من الدجاج (هكذا بلوشي) بحركات كاذبة وتمثيلية وكل هذا تفعله تلك الديكة بعد أن التقطت الحب وكل حبة لذاتها ولنفسها، وما على الدجاج إلا التصديق بوجود حبوب هي غير موجودة أصلاً.

1) الرقاقة: قطعة العجينة.

2) قوراء: مستديرة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى