الاستماع إلى الذين يفكرون

> د. سمير عبدالرحمن شميري:

>
د. سمير عبدالرحمن شميري
د. سمير عبدالرحمن شميري
الجمود العاطفي والأحاسيس الباردة في سويداء قلب بطل رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» دفع بإحدى الفتيات للصراخ في وجهه «أنت لست إنساناً. أنت آلة صماء».

فهناك بشر بلا قلوب ولا عواطف يجيدون فنون الكذب والرياء واللعب بالأحاسيس الإنسانية، فلهم قدرة فائقة على الحديث البراق الذي يخرج عن نطاق قيم العقلانية والتنوير، ومتدربون على فن الملاسنات اللفظية والمبارزات الكلامية، يأكلون كلاماً ويشربون عبارات جوفاء وينامون فوق أسرة من المفاخر الكاذبة.

فهذه المجاميع التعيسة تجد متعة طاغية في الزعيق والصراخ فنسمع منهم دوماً «بقبقة في زقزقة» فأدمنوا لعبة التكاذب واللف والدوران. فما يقوم به هؤلاء من نميمة ولسع للأبرياء وهذيان مزمن ومواويل حزينة في فن العويل ولغة الإحباط .. هل يصب هذا في خانة تنمية المجتمع؟ أم في خانة الاعتلال النفسي والغيرة المرضية واضطرابات التأقلم؟ فهؤلاء يشتغلون بهمّة عالية في تجارة بيع الأحلام وتسويق الكلام المحنط والممارسات الخبيثة والبتر والتشويه وتسويد الصفحات.

وأعجب كثيراً للمتعلمين من هذا الجنس الذين تضيع من بين أيديهم ملامح الطريق فيقعون في الزلل ويجانبون الصواب، وقسط منهم مغرمون بقاعدة «اكذب .. ثم اكذب .. حتى يصدقك الناس».

إن على هؤلاء أن يتعلموا دروساً من الحياة لأن «أولئك الذين لا يدرسون من أخطاء التاريخ محكوم عليهم بتكرارها» (سنتا يانا).

فالمتعلم لا بد أن يتقن فن الحوار وفن الحديث وفن الإصغاء واحترام الآراء المخالفة وعدم تقزيم قناعات ومعتقدات الآخرين بالسخرية المؤلمة، وعدم تحريف الوقائع والحقائق بطرق بهلوانية، وعدم التشكيك المكثف والتصنيفات المتعسفة.

فالكمال لله .. فما أحوجنا للتواضع والاعتدال والقبول بالآخر وعدم التعصب الأعمى، وما أحوجنا إلى تنمية ثقافة الوفاق وتعلم فن العيش مع الآخرين في المجتمع.

فالمفكر الفرنسي الضليع جاك دريدا (1930-2004م) الذي بلغ شهرة فائقة تميز بتواضع جم يبحث عن الحقيقة أينما وجدت، وكان يردد حتى آخر رمق في حياته «أريد أن أتعلم فن العيش».

إننا بحاجة ماسة لنقد أنفسنا قبل أن ننتقد الآخرين، فنحن فقراء في التفكير المنهجي السليم وفي التعامل بلغة التسامح والعلم والمعرفة، وتشوب حياتنا ضبابية في الرؤية والتحليل، وتتحكم فينا الزوابع والمشادات والعراكات والانفعالات العاطفية الزائفة، والتي تستخدم فيها السيوف البتارة والرماح المسنونة.

فالبيئة المريضة تصبح مفرخة لتفريخ الضجاجين والزمارين والمجاذيب في حياتنا المفعمة بالعثرات والاشتباكات والتيارات المتلاطمة.

أيها السادة :

«لا ينبغي عليكم الاستماع إلى الذين يصيحون وإنما إلى الذين يفكرون»

(نضال ناصر)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى