> نادر عبدالقدوس عبدالخالق:

أخطاء الدليل المرجعي لهيكل الوظائف والأجور والمرتبات:إن من اطلع وقرأ بتمعن الدليل المرجعي لهيكل الوظائف والأجور والمرتبات لاستنتج قاعدة أساسية وهي أن كل وزراء الخدمة المدنية المتعاقبين لبعضهم البعض منذ قيام الوحدة وحتى اللحظة لم يقرؤوا القانون رقم (19) لسنة 1991م بشأن الخدمة المدنية وإن قرأوه لم يفهموه، وإن فهموا لم ينفذوه كما يجب وكما هو حاصل الآن.

تلك مقدمة للملاحظات التالية:

أولاً: الدليل المرجعي، علمياً، لا يصلح أن يكون دليلاً، حيث إنه لم يف بالغرض المرجو منه، ففيه الكثير من الكلام الإنشائي مع ضياع الطريقة السليمة لعملية النقل.

ثانياً: الجدول الخاص بتسكين مديري الإدارات ورؤساء الأقسام ساوى بين سنوات خدماتهما ولم يعط تمييزاً بين مراكزهما الوظيفية فقد أظهر التساوي في تسكينهما.

ثالثاً: المؤهلات العلمية والشهادات الدراسية:

أ- المؤهلات الجامعية:

جدول تسكين الاختصاصيين من ذوي المؤهلات الجامعية تفوح منه رائحة فتاوى ما قبل الوحدة المباركة ويفترض أن تكون قد بادت وانتهت صلاحيتها بعد مايو 1990م أو أنه كان مفترضاً أن تذكر كافة المستويات الدراسية المعتمدة قانوناً في كلا الشطرين إذا أريد لها ذلك، كما أنه لم يستفد من كشوف أول تسوية وظيفية للموظفين التي ظهرت عام 1992م. ومن المعيب حقاً أن تنحصر المؤهلات الدراسية في وطن 22 مايو على ثلاثة مستويات فقط (بكالوريوس، ماجستير لاحقة للبكالوريوس ودكتوراه) وكأننا نعيش في زمن سبعينيات القرن الماضي. إن واضع ذلك الجدول، في برجه العاجي، لم يفق بعد من سباته العميق ليعرف أن اليمن قد مر بمراحل طويلة من التقدم العلمي والتكنولوجي والثقافي وغيرها من العلوم وأن شطرين قد توحدا فنتج عنه ظهور العديد من المستويات والمؤهلات ذات التخصصات العالية والمتنوعة في شتى المجالات العملية والعلمية والأكاديمية والمهنية. وكان يمكن ترتيبها على النحو التالي (من الأعلى إلى الأدنى):

- دكتوراه.

- ماجستير لاحق للبكالوريوس.

- ماجستير خمس سنوات بعد الثانوية (العامة، الفنية).

- دبلوم عال (رفع كفاءة) سنتين بعد البكالوريوس/ ليسانس.

- بكالوريوس /ليسانس جامعي.

إن شهادة الماجستير بعد الثانوية لايمكن مقارنتها بالبكالوريوس، لأن الحصول عليها يتطلب تقديم أطروحة علمية يتم الدفاع عنها تحت إشراف علمي لا يستهان به من جامعات وكليات مختلفة وليس مثل البكالوريوس الذي تتم فيه تقديم امتحانات للسنة الدراسية الأخيرة. علماً أن قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (276) لسنة 1992م بشأن نظام شغل الوظائف قد ميز ذلك في الفصل الثاني بتحديد الراتب عند التعيين في المادة (5) الفقرة (ب) بمنح علاوة واحدة للجامعيين من حملة التخصصات لمن تزيد السنوات المقررة لدراستهم الجامعية على أربع سنوات دراسية. وكلنا يعلم أن حملة شهادة الماجستير بعد الثانوية يحصون بالآلآف ومع هذا مازالوا صابرين على ظلم الخدمة المدنية وانتهاك حقهم العيني.

ب- المؤهلات دون الجامعية:

إن قرار مجلس الوزراء المذكور في الفقرة أعلاه بشأن نظام شغل الوظائف لم يميز قط بين الثانوية العامة والثانوية الفنية. بل في كل جداوله قد جعلهما عند مستوى واحد، على اعتبار أنهما ثلاث سنوات دراسية بعد الإعدادية العامة أو الفنية. ليس هذا فحسب، وإنما كل الأدلة الخاصة بتنظيم الإدارة والصادرة من منظمات دولية تؤكد ذلك ولا تميز بين الثانوية العامة والفنية، إلا دليلنا المرجعي هذا الذي يعتبر استثناء وشاذاً عن ذلك. فالجدول في الدليل الفقرة رابعاً: مجموعة الوظائف الفنية/ الكتابية تبدو عليه وبوضوح المزاجية والعشوائية في تركيب وترتيب المستويات الدراسية دون الجامعية. فقد أعطى للثانوية العامة أهمية خاصة لمن حمل بعدها دبلوم أربع سنوات ووضعه في بداية الجدول ثم تلاه بدبلوم ثلاث سنوات ومن بعد دبلوم سنتين بعد الثانوية العامة. ولكنه بعد ذلك أهملها، فعوضاً عن وضعها كمستوى لاحق لما سبق مع الثانوية الفنية، إلا أنه أبعدها عن مكانها المناسب وردها أسفل سافلين مع الدبلوم مهني سنتين بعد الإعدادية والدبلوم مهني خمس سنوات بعد الابتدائية. فطوبى لحاملي الثانوية العامة، هذا وهم ناجحون، فما بالك بالراسبين. والسؤال الذي يبرز هنا، بماذا ولماذا الثانوية الفنية جعلها أفضل في الترتيب من الثانوية العامة؟ حتى الدبلوم الفني ثلاث سنوات بعد الإعدادية (وهو يساويها) فضله عنها!! أليست الثانوية العامة هي المؤهل الوحيد، عادة، للالتحاق في أي كلية أو جامعة يمنية بمختلف تخصصاتها؟ إذن لماذا يتم التعامل هكذا، أو الاحتقار إذا صح التعبير، بمستوى الثانوية العامة؟ إن دل هذا على شيء، فإنما يدل على عدم قدرة واضع الجدول النظر إلى أبعد من أنفه.

رابعاً: إن المستفيدين الحقيقيين من هذا الهيكل هم الشرائح التالية:

أ- الوكلاء والمديرون العامون وكافة نوابهم من غير حملة الشهادات الجامعية سواء شاغلوها حالياً أم شغلوها سابقاً.

ب- مديرو الإدارات من غير حملة الشهادات الجامعية،وهذا ما أجبر بعض الموظفين التوسل إلى مسئوليهم لإصدار قرارات وأومر بتعيينهم مديري إدارات بمسميات لا يصدقها العقل.

ج- كل حاملي الشهادات الجامعية (بكالوريوس وما فوق)؟

خامساً:إصرار الحكومة ممثلة بوزير الخدمة المدنية على تقسيم خدمة الموظف الطويلة والمسماه بسنوات الأقدمية على الرقم أربعة ولماذا هذا الرقم بالذات؟ وهذا التقسيم قانوناً ما هو إلا احتيال وسرقة إذا صح التعبير من خدمة الموظف. ليس كذلك فحسب، وإنما سلب حق لموظف (مواطن) أقره الدستور، وانتهاك صارخ لقانون الخدمة المدنية من وزير الخدمة المدنية فلمن تصدر القوانين ومن يحمي من ومن يلجأ لمن؟؟ فالخدمة المدنية أصبحت تشرع القوانين وتفرخ القرارات للإفتاء وتنفذ كما تشاء. أي أنها هي القاضي وهي الجلاد في آن واحد.

سادساً: خدمة الموظف السابقة لأي مؤهل جديد له أثناء الخدمة ترمى إلى مزبلة التاريخ، وتاريخ حصوله على ذلك المؤهل يعتبر تعييناً جديداً له. هذه الفتوى يمكن إضافتها إلى أحكام قراقوش العجيبة. فبدلاً من أن تكرم وتحيي وترفع من معنويات ذلك الموظف المجتهد الذي ضحى بوقته وربما بماله في سبيل رفع كفاءته أو على أقل تقدير احتسابها بالنصف وإضافتها إلى راتبه الأساسي كعلاوات أقدمية تقوم الخدمة المدنية، وبجرة قلم في قرار لتساويها صفراً، لأن هذا الموظف في قاموسها يسمى موقفاً أو مغفلاً فيما إذا كنت دقيقاً في التعبير.

سابعاً: في جداول الهيكل وضعت وظائف وبجانبها تكررت عبارة «وما في مستواه» فوكيل وزارة، كبير اختصاصيين، مدير إدارة وحتى رئيس قسم تكررت تلك العبارة المطاطية. فماذا يقصد بها؟ وكيف نفهم ذلك المستوى؟ ولماذا لم يشرحه الدليل المرجعي ويسهب فيه كما أسهب في شرح بعض الإجراءات الروتينية المعتادة التي يمكن لأي طالب ابتدائي أن يدركها، كوضع التسلسل مثلاً أو التعريف بتاريخ التعيين أو تاريخ الميلاد وغيرها من التعريفات والإرشادات البليدة؟

ثامناً: أهمل واضعو الدليل المستوى الوظيفي «نائب مدير» حيث إن هناك العديد من المؤسسات والمصانع وربما كلها وكذا العديد من المرافق الحكومية يوجد بها نواب مديري إدارات ونواب أو مساعدو رؤساء أقسام ولم يذكر كيفية التعامل معهم ضمن التسكين، علماً أن معظم تلك المرافق توجد هذه الوظائف في هياكلها التنظيمية.

والجدير بالذكر هنا ووسط فوضى التنظيم في الدليل قد تم التناقض مرتين بهذا الموضوع في آن واحد. أولهما قرار مجلس الوزراء رقم (238) لسنة 2005م بشأن قواعد النقل إلى الهيكل العام للوظائف والأجور والمرتبات الملحق بالقانون رقم (43) لسنة 2005م في الفقرة أولاً البند (ب) الذي يأمر بالنقل إلى الدرجة الثانية من يشغل حالياً أو سبق له أن شغل إحدى الوظائف الأتية: وكيل وزارة مساعد، وكيل مساعد للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة.. الخ، إلى أن وصل عند نائب مدير عام مؤسسة. وبالحرف ذكر أنهم ينقلون بمسمى «نائب مدير عام مؤسسة/هيئة/شركة...الخ». وعند مراجعتنا للجداول المرفقة للتسكين فإننا لا نجد لا نائب مدير عام ولا نائب مدير إدارة ولا غيره.. وبهذا ووفقاً للفتوى سيعامل نائب مدير عام كمدير إدارة ونائب مدير إدارة كرئيس قسم وهكذا دواليك.. المهم الالتزام بفتاوى بليدة. أما التناقض الآخر فيتمثل في قرار وزير الخدمة المدنية والتأمينات رقم (69) لسنة 2005م بشأن اللائحة التنظيمية والوظيفية للوحدات الفنية والنوعية والجغرافية للأجور الفصل الثاني البند ثالثاً بتشكيل فرق الأجور في وحدات الخدمة المدنية العامة المادة (7) والمكونة من:

1- نائب رئيس وحدة الخدمة العامة - رئيساً

2- رئيس وحدة شؤون الموظفين - عضواً

3- رئيس وحدة الشؤون المالية - عضواً

4- مدير الشؤون القانونية - عضواً

فعجباً لهذا القرار الذي يفرض قسراً على رئيس اللجنة أن يتعامل مع وظيفته كنائب وعند التسكين يتعامل معها بالدرجة الأدنى منها. فلكم أن تتصوروا نفسية ذلك النائب وهو يعلم يقيناً أنه مبعد من وضعه المثالي والحقيقي.

تاسعاً: وثيقة التعليمات الخاصة باستيفاء بيانات الجدول التحليلي لكشف الرواتب واستمارة النقل إلى الهيكل العام للأجور والمرتبات والمرفقة ضمن الدليل المرجعي، في الصفحة الثالثة منها الفقرة (2) جاء فيها بالنص:« تدوين المبلغ الإجمالي للبدلات القانونية الخاصة التي تحدد دمجها ضمن الراتب الأساسي في البند المحدد لها في النموذج»، ويقصد بها تلك البدلات الخاصة المعتمدة وفقاً لقانون أو قرار لمجلس الوزراء لمراعاة طبيعة العمل مثل الوظائف التعليمية والصحية كما جاء في صفحة (2) الفقرة (ب) من نفس الوثيقة. من تلك السطور نستنتج أن قانون المعلم مثلاً قد صودر وألغي نهائياً من وزارة الخدمة المدنية دون مسوغ قانوني. فالقانون لا يلغى إلا بقانون، ومنه يكون قد ضاع الحق المكتسب للمعلم. فالزيادة البسيطة والمتواضعة التي كان يتمتع بها المعلم والمميزة له عن بقية موظفي الدولة التابعين للموازنة العامة قد فقدها ويصبح حاله كحال أي موظف في الدولة يدخل في إطار الهيكل الجديد الذي بالتأكيد لن يستفيد منه، مع أن المادة رقم (30) من القانون رقم (43) لسنة 2005م بشأن نظام الوظائف والأجور والمرتبات قد نصت على أن تقوم الوزارة بإعداد واعتماد بدلات مصاحبة للهيكل الموحد تسمى (بدلة طبيعة عمل) تشمل وظائف عديدة ومن ضمنها وظائف التعليم والصحة، اللتان بالذات ذكرتا في الدليل بضم بدلاتهما الخاصة إلى الراتب الأساسي دون ذكر أية بدلات مصاحبة تسمى (بدل طبيعة عمل) أو تخصيص جدول ما يدل على ذلك. ومن وجهة نظرنا فإن هذا يعتبر تحايلاً على القانون نفسه وضحكا على الذقون وإلا لما ذكرت تلكما الوظيفيتان في الدليل كبقية الوظائف غير المذكورة فيه والمشمولة في المادة (43) آنفة الذكر مثل الأكاديميين بالجامعات اليمنية، الإعلام، الصحافة، وظائف مراكز البحوث الأكاديمية والفنية، أو أي وظائف أخرى تقتضي طبيعية عملها ذلك.

عاشراً: المادة رقم (7) من قانون الوظائف والأجور رقم (43) الآنف الذكر نصت أنه لأغراض تنفيذ هذا القانون.. تنشأ وحدات فنية تعمل وفقاً للأطر والنماذج والتعليمات الصادرة عن وزارة الخدمة المدنية. فالفقرة رقم (5) من المادة نفسها نصت على أن توجد وحدة فنية على مستوى كل محافظة يصدر بتشكيلها قرار من الوزير ليتم التنفيذ لا مركزياً. وهذا بيت القصيد، حيث خرقت الوزارة هذه المادة فيما يخص كافة المعلمين والمعلمات وجعلت تنفيذ القانون مركزياً ليتم نقلهم من هيكلهم (قانون المعلم) إلى الهيكل الجديد. على الرغم من صدور قرار وزير الخدمة المدنية والتأمينات رقم (69) لسنة 2005م بشأن اللائحة التنظيمية والوظيفية للوحدات الفنية النوعية والجغرافية للأجور والذي أكد في الفصل الثاني منه ماجاء في بداية هذه الفقرة. فالمركزية تكاد تصبح عرفاً وتقليداً تتميز به حكومتنا الرشيدة. إن المعلم قد أصبح جاهلاً، فهو لا يعلم في أي مستوى وأي درجة سيكون؟ وكم سيبلغ راتبه؟ ومتى سيحصل عليه؟ وهل ستستمر البدلات أم لا؟ بالنسبة له أصبح كل شيء من راتب أو وظيفة عملاً سرياً وغامضاً لأنه مركزي. وأذكر هنا، عسى الذكرى أن تنفع المؤمنين أنه عند تطبيق قانون المعلم الذي أيضاً كان إعداده مركزياً قد سقطت «سهواً» المئات والمئات من أسماء المعلمين والمعلمات، والمئات من المعلمين كانت بياناتهم غير دقيقة مما نتج عنه تفاوت في الرواتب. ولا ننسى أيضاً كيف تمت التسوية الوظيفية للمعلمين مركزياً حتى إنه إلى يومنا هذا مازال المئات منهم بدون تسويات، فمن عنده المقدرة فليتابع في العاصمة صنعاء وهذا بالضبط وبالسيناريو نفسه ما سيحدث للمعلم عند تنفيذ الهيكل الجديد سواء بالبدلات أم بدونها، فلطالما كانت البداية خطأ، فالنتيجة أيضاً بدون شك، ستكون خطأ.والله ولي التوفيق..ورمضان كريم.

ماجستير في العلوم الاقتصادية، استشاري تنظيم إدارة