مع الأيــام..انا والرفيق ليم والعلم

> علي محمد يحيى:

> في أول عهد الاستقلال للشطر الجنوبي من الوطن، كنت في ذلك الحين أحد موظفي مكتب وزير الزراعة والثروة السمكية، وكان الأستاذ الدكتور أنور محمد خالد رعاه الله ومتعه بالصحة والعافية هو الوكيل الدائم للوزارة، أي نائب الوزير ، ولم يكن في تلك الأيام قد نال درجة الدكتوراه بعد، كان قد استدعاني إلى مكتبه بعد أن استدعى مساعده الأستاذ عبدالعزيز القعيطي UNDER SECRETARY FOR ADMINISTRATION AND FINANCE يحفظه الله وهو اليوم رجل أعمال موفق، وكلفنا نحن الاثنين أن نستنفر عمال وموظفي ديوان الوزارة لاستقبال الحدث الكبير الذي فيه تقدم جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية أول مساعدات الدول (الاشتراكية) لشعبنا، وهي خمسون جراراً زراعياً، وأن علينا في الوقت ذاته مع من يراه الأستاذ القعيطي مناسباً حسب توجيهات الوكيل الدائم، القيام بكل إجراءات البروتوكول الدبلوماسي والاحتفالي والإعلامي، حيث سيشرف الحفل سيادة رئيس الجمهورية قحطان محمد الشعبي، طيب الله ثراه، وليشرف على استلام هدية الشعب الكوري ويعلن شكره للحكومة الكورية وزعيمها كيم ايل سونج في خطاب شعبي بملعب كرة القدم بمدينة التواهي - الذي لم يعد اليوم ملعبا - كما كلفني الأستاذ أنور خالد، وهو الذي لا أنكر عليه ما تعلمت منه من فنون الإدارة رغم قصر الفترة، كلفني أن أتولى مشاركة (الرفيق ليم) مدير مكتب وكالة «تشوليما» للأنباء الكورية الديمقراطية في عدن آنذاك مهمة الحملة الإعلامية. فما كان من (الرفيق ليم) بادئ ذي بدء لتنفيذ التكليف إلا أن طلب مني توفير علم الجمهورية الفتية (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية) ليتسنى رفعه مقابلاً للعلم الكوري في أعلى المنصة الاحتفالية التي تولت تنفيذها وزارة المواصلات والأشغال العامة، التي كان وزيرها حينها المهندس حيدر أبوبكر العطاس، وما هي إلا سويعات مرت حتى أحضرت له علمنا اليمني الجنوبي حسب طلبه، الذي ما إن رآه حتى انفجر ضاحكاً و(مزمجراً) من شدة غيظه (لبلادتي) معلناً أن هذا العلم غير مناسب بالمرة لصغر حجمه الذي لم يزد في عرضه على المتر الواحد، مقارنة بالعلم الكوري الذي أخرجه لي بعناية وترفق من خزانة الكتب ليرينيه بعرض أربعة أمتار من طرف السارية. فعدت من جديد إلى الخياط قليل المعرفة - كما هو حالي في تجهيز الأعلام- أشرح له المطلوب. وقد فعل ما أردت منه فأخذت العلم مهللاً فرحاً إلى الرفيق ليم، فإذا به ينشره على مساحة أرض مكتبه ويخرج مقياساً (متر) ليقيس العلم طولاً وعرضاً.. فلم يجد حجة للزمجرة أمامي مرة أخرى.. حتى جاء إلى قياس أطراف (النجمة الحمراء) الخمسة التي لم يجدها متساوية تماماً.. فإذا به يلقي على مسمعي درساً مطولاً بلغة عربية سليمة في حب العلم واحترامه (لأن حب العلم من حب الوطن) حسب تعبيره وأن علينا نحن في هذه الدولة (الفتية) الأخذ بهذه المسائل.. فذهب معي إلى الخياط للمرة الثالثة وقام شخصياً بتفصيل نجمة جديدة من القماش الأحمر ليثبتها الخياط مكان (المشوهة) التي تم نزعها.

ومر الاحتفال على خير ما يرام لأنه كان الأول من نوعه لم يألفه المواطن، والذي ألقى فيه الرئيس قحطان يرحمه الله خطابه الحماسي.. إلا من الجرارات التي تعطل عدد منها وتوقفت قبل أن تصل إلى موقع العرض، وأخريات لم يبارحن ساحة العرض بعد انقضاء الحفل لتعطلهن أيضاً ولم تسر في طابور الاستعراض إلا النصف أو زادت قليلاً من الصالحات منهن، والمهم هنا ليس الحديث عن الجرارات أو تعطلهن بسبب (المناخ) وحرارة الجو كما أشيع تندراً ولكن عن مكانة العلم عند المواطن والدولة. ففي معظم دول العالم لمكانته يرفع صباحاً ويتم إنزاله مع غروب الشمس يومياً، وكان هذا حاله قبل الاستقلال وبعده في المحافظات الجنوبية من الوطن.. (وفي المعسكرات كان يتم إنزاله على صوت البورزان - البوق) وللشعور بهذه المتعة الروحانية كنا نذهب صغاراً إلى أمام بوابة معسكر (الليوي) عبدالقوي بعد ذلك حيث نشاهد العلم وإنزاله من على الصارية العالية على نغمات البوق المؤثرة على انفعالات النفس. والعلم لم يكن مشاعاً استخدامه كما هو حاله اليوم.. فلم يكن يرفع إلا على مباني الدولة الرسمية أو في المناسبات ينزل ويحفظ بعدها إلى مناسبة أخرى قادمة وخوفاً وتهيباً من أن يوضع في مكان لا يليق به، مثلما نراه اليوم مطلخة ألوانه على الجدران، مشوهاً أو ممزقاً على ساريات معظم مباني الدولة الرسمية أو مرفوعاً على مواقع اخترق أصحابها القانون والنظام وكأنهم به يحتمون، أو أخرى تمزقت وبهت لونها وتلاشت ومازالت لاصقة على جرائد من حديد أو خشب قابعة فوق أبواب المحلات التجارية بشكل مخز، وأكثرها إيلاماً علم تغسّل وتسمح به السيارات على قارعة طريق. فارحموا أعز رمز ذلّ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى