في معنى العيد الوطني

> نجيب قحطان الشعبي:

> تهل علينا هذه الأيام الذكرى السنوية 42 لثورة 14 أكتوبر 1963م، التي حققت هدفها الأساسي بتحرير جنوب اليمن المحتل من الاستعمار البريطاني، وذلك بعد نحو 129 عاماً من الاحتلال (19 يناير 1839) ونحو 4 أعوام من الكفاح المسلح المنظـّم سبقته حركة وطنية سياسية سلمية طالبت باستقلال الجنوب.

وتاريخ 14 أكتوبر من كل عام كان القانون يسميه «عيد ثورة 14 أكتوبر» إلى جانب «عيد ثورة 26 سبتمبر» و«عيد الجلاء 30 نوفمبر» ثم عدل القانون ليسمي كلا منها «ذكرى» بدلاً عن عيد ! فيما يعد يوم توحيد دولتي اليمن (22 مايو) هو العيد الوطني للدولة، وذلك ليس سليماً فجوهر العيد الوطني لدولة ما هو احتفاؤها سنوياً بذكرى استقلالها وتحررها من السيادة الأجنبية على شؤونها (الداخلية أو الخارجية أو كلتيهما)، لذلك فالأصل هو أن تتخذ دول العالم من يوم الاستقلال عيداً وطنياً لها، لكن هناك دول لم تتعرض للاحتلال وبالتالي ليس لديها يوم للاستقلال مما يحول دون وجود عيد وطني لها، إلا أن ذلك لم يمنع قادة هذه الدول من مجاراة ما يحدث في الدول الأخرى التي نالت استقلالاً فاتخذ قادة هذه الدول (التي لم تحتل) من بعض المناسبات (كذكرى تأسيس الدولة أو ذكرى جلوس ملكها على العرش) يوماً للاحتفاء به سنوياً ويحمل اسم الدولة (كأن تتخذ الجمهورية اليمنية من تاريخ أية مناسبة هامة يوماً لها تسمّيه «يوم الجمهورية اليمنية» أو «يوم اليمن»)، لكن دون أن تقرن تلك التسمية بصفة الوطني فاليوم أو العيد لايكون وطنياً إلا إذا ارتبط بالتحررالوطني من السيادة الأجنبية.

ولكي يكون واضحاً معنى صفة «الوطني» فإن حركة المقاومة (سلمية أو مُسلـّحة) لحكم الاستعمار البريطاني في جنوب اليمن تسمى حركة وطنية لأنها ضد الحاكم الأجنبي، بينما حركة المقاومة لحكم الإمامين يحيى وأحمد حميد الدين في شمال اليمن تسمى حركة معارضة ولا يصح أن تسمى حركة وطنية، فالمقاومة هنا تتجه إلى حكم وطني (فالإمامان يحيى وأحمد ليسا أجنبيين).

مما سبق نخلص إلى أن بعض الدول التي ليس لديها يوم للاستقلال لتتخذ منه عيداً وطنياً، فإنها تتخذ من أية مناسبة أخرى يوماً لها دون أن تقرن تلك التسمية بصفة «الوطني»، لكن وقع التجاوز عندما أخذت بعض الدول التي لم تستقل -لأنها لم تحتل أصلاً- تتخذ من مناسبة ما يوماً أسمته اليوم أو العيد الوطني لمجرد مجاراة الدول التي لديها عيد وطني دون إدراك المغزى من وجود يوم وطني وهو الاحتفاء بذكرى التحرر الوطني.

وبناء على ما تقدم فإنه لا يجوز أن يكون 22 مايو هو اليوم أو العيد «الوطني» لليمن، فهو لا يوافق يوم استقلال نالته الجمهورية اليمنية، والأصح هو أن يكون 30 نوفمبر أو 14 أكتوبر (باعتباره تاريخ الثورة التي قادت إلى استقلال جنوب اليمن) هو اليوم أو العيد الوطني لليمن وبالطبع سيقول قائل بأن الاستقلال كان خاصاً بالشطر الجنوبي من اليمن وليس بالشطرين معاً، فنقول بأن 30 نوفمبر و14 أكتوبر يظلان على كل حال هما الأقرب بكثير من 22 مايو ليكون أحدهما هو اليوم الوطني لليمن، فعلى الأقل فإن 30 نوفمبر و14 أكتوبر لهما صلة مباشرة بتحرر الشطر الجنوبي، بينما 22 مايو ليس له أية علاقة بتحررالشطر الجنوبي أو الشمالي.

لذلك فالأكثر واقعية هو أن يكون 30 نوفمبر هو العيد الوطني للجمهورية اليمنية وأقولها بصراحة إن من سيعارض ذلك لا يؤمن بالوحدة اليمنية وإنما يريد ضماً وإلغاء بدليل أنه لا يريد أن يتخذ من حدث وطني يمثل الإنجاز السياسي الأكبر في التاريخ اليمني (الاستقلال الوطني) عيداً وطنياً للجمهورية اليمنية لمجرد أن ذلك الحدث وقع في جنوب اليمن ولا يريد أن يعترف بأن تحرر جنوب الوطن بعد احتلال بريطاني دام نحو 129 عاماً يعد مكسباً عظيماً للشعب اليمني كله جنوباً وشمالاً ، أما قولي بأن الاستقلال يمثل الإنجاز السياسي الأكبر في التاريخ اليمني فهذا ليس تضخيماً للحدث بل على العكس فإنه تصغير له فالحدث يكتسب أهمية فائقة أيضاً على مستوى حركات التحرر الوطني عربياً وعالمياً وذلك للأسباب التالية :

1- يمنياً : إننا تحررنا من احتلال بريطاني دام نحو 129 عاماً وذلك بعد نضال سياسي أعقبته حرب تحرير ثورية منظمة لنحو 4 أعوام.

2- عربياً : إننا البلد العربي الوحيد الذي انتزع استقلاله من بريطانيا بحرب تحرير ثورية منظمة.

فلماذا لا يكون 30 نوفمبر هو العيد الوطني للجمهورية اليمنية، فليس هناك في التاريخ الوطني لليمن إنجاز أهم من استقلال جنوب اليمن في 30 نوفمبر 1967م، وحتى بالنسبة للوحدة اليمنية فإنه إذا كان في 22 مايو 1990م قد أدمجت وحدتان سياسيتان في دولة واحدة، فإنه في 30 نوفمبر 1967م أدمجت 23 وحدة سياسية في دولة واحدة، وبالتالي فإن الاستقلال أدى إلى أعظم وحدة اندماجية عرفتها اليمن والوطن العربي في تاريخها الحديث، وذلك من حيث عدد الوحدات السياسية الداخلة في الوحدة.

ومن جهة أخرى فإن المنطق يقضي بتغيير تسمية «22 مايو» لتصبح «يوم الجمهورية اليمنية» بدون صفة «الوطني» أو تسمى «عيد الوحدة اليمنية»، وأن يطلق على المناسبتين الآخريين التسمية الصحيحة وهي «عيد ثورة 14 أكتوبر» و «عيد قيام الجمهورية في شمال اليمن».أما أن يعتبر 22 مايو -كما هو حاصل- العيد الوطني للجمهورية اليمنية، فهذا غير سليم على الاطلاق وإلا فليتفضل من سوف يعترض على مقترحي السالف الذكر فيقول لنا:ماهو الاحتلال الأجنبي الذي تحررت منه الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى