المسرح العربي لا يعرف شكسبير

> «الايام» أديب قاسم:

> منذ أن قدمت ما كانت تسمى بمدرسة الحكومة في عدن مسرحية «يوليوس قيصر» عام 1910، أي منذ ما يقرب من قرن كامل، لم تشهد اليمن مسرحية أخرى للمؤلف المسرحي الإنجليزي الشهير وليم شكسبير!.. فإذا ما أشار أحد ما إلى «روميو وجولييت» التي قدمت عام 1927 على مسرح متواضع في طريق الطويلة بكريتر-عدن، قلنا له: إن المسرحية لم تكن بحذافيرها مسرحية شكسبير بعد أن عربها نجيب الحداد ليقدمها في مصر مسرح سلامة حجازي الغنائي، ومن ثم انتقلت إلى عدن وإلى كثير من مسارح الوطن العربي اعتماداً على نص الحداد. وفي كل بلد كانت تحصل على نصوص غنائية جديدة، وهو مما يتلاءم مع طبيعة الذوق العربي.. وهذا ما حدث في عدن. وكانت «عطيل» تسير على الطريق نفسه.

وبقي لنا أن نقول: إن المسرح اليمني كان قد التقى شكسبير في منتصف الطريق وسلم عليه على الطريقة العربية.. ومن الطريف أن نقف على هذا الحوار بين روميو وجولييت بالاتكاء على نص شعري حواري لشاعر اليمن عبدالرحمن الملقب بـ «وضاح اليمن» وقد أداره مع حبيبته روضة:

- جولييت: من أنت يا من اطلعت على ستري؟

- روميو: أنا الحب الذي يهوى بهاك/ ولا يمل، ولا يشكو به ضجراً/ أنا المشوق، أنا مضنى الغرام/ أنا عبد الهيام، أنا العاني الذي هُجرا.

- جولييت: مهلاً، فإن القصر عالي البناء.

- روميو: لكن، أنا من فوقه طائر.

- جولييت: إني أخاف الناس من حولنا.

- روميو: مهلاً، فإني أسد كاسر.

- جولييت: ارجع فإني في حكم ظالم.

- روميو: فسيفي ظالم باتر.. إلخ.

ونجد اليوم إجماعاً على الاعتراف بالحقيقة التالية: إذا أردنا ان نعرف شكسبير كان علينا أن نتوقف عند إنتاجه بكل سماته الإبداعية، ذلك أن لغة شكسبير كما وصفها الناقد الأدبي سينت بيف:

"broad and great, refined and sensible, sane and beautiful in itself, who has spoken to all in his own peculiar style, a style which is found to be also that of the whole world, easily contemporary with all timeس.

أي أنها لغة شاملة عظيمة، ومهذبة معقولة، وسليمة رشيقة في حد ذاتها، يتحدث بها إلى كل الناس بأسلوبه الخاص وهي خاصية تجعله ينفذ إلى البشرية كلها، ويجاري بيسر جميع الأزمان.

ذلك هو شكسبير عندما نحب أن نتعرف على إبداعه الأدبي الذي قدمه مسرحه الحافل بالأحداث إلى العالم فأثرى به العقل الإنساني بثروة من القيم الأخلاقية والأدبية والفنية مما دفع به إلى أن يتقدم خطوات واسعة في معارج الحياة.

وفي تاريخ الأدب الإنجليزي كتابW.H.HUDSOM .. يظهر هذا التحليل لأعمال شكسبير:

"Perhaps their most salient feautre is their astonishing variety. Other men have surpassed him at this point and that, but no one has ever rivalled him in the range and versatility of his powers. He was at home in tragedy and comedy, he was supreme not only as a dramatist, but also as a poet to whom the worlds of high imagination and delicate fancy were alike open; and while not himself a very profound or very original thinker, he possessed in a superlative degree, the faculty of digesting thought and turning it into phraseology so perfect that he is the most often quoted of all the English writers. In the vitality of his characterisation in particular he is upparalledس.

بمعنى: «ربما كانت أبرز ميزاتها هو تنوعها المدهش وقد يتفوق عليه الآخرون في هذه النقطة أو تلك، لكن لا أحد يضارعه في مدى قواه العقلية وتعدد جوانب عبقريته. كان بارعاً في المأساة والملهاة ولم يكن الأسمى مكانة ككاتب مسرحي فحسب ولكن أيضاً كشاعر تفتحت له أبواب عوالم الخيال الرفيع ودقة التصور على السواء.

وبينما لم يكن شكسبير مفكراً عميقاً أو مبتكراً، فقد كان على درجة متفوقة على كل من سواه يمتلك المقدرة على هضم الأفكار وتحويلها إلى تعابير حتى أنه وإلى حد الكمال يعد أكثر الكتاب الإنجليز استشهاداً بأدبه. ومن حيث الحيوية التي أسبغها على أشخاص مسرحياته فإنه لا يجارى».

كانت مسرحيات وليام شكسبير قد ترجمت إلى جميع اللغات ومن بينها لغتنا العربية في طبعات متوالية.. ومثلت على جميع مسارح العالم بنصها وقصتها ولا يزال كتاب المسرح يدرسون سر عبقرية هذا المؤلف الذائع الصيت .. غير أن البلاد العربية وامتداداً نحو اليمن لم تعرف مسرح شكسبير بل ولم تتفضل جامعاتنا في الوطن العربي بتدريسه والإمعان في تلك التجربة الغنية التي أثرت العالم. وعندما قدم لنا المسرح العربي في اليمن (عدن) في حقبة مبكرة من تاريخنا الحديث ملامح هذه الشخصية لم نكد نتعرف عليها في تلك المهارة الفنية الكاملة التي تجلت في هذا الإنتاج وقد أعجب بها العالم أيما إعجاب!!

وقد ظهر لنا أعظم الشعراء في ثياب مهلهلة وبقي النتاج الفني الرائع الذي أنتجته تلك العبقرية أشبه بصندوق مغلق من الأسرار حتى اليوم.

ويتبادر إلى الذهن هذ السؤال المحير: هل نملك الشعور بالانتماء إلى هذا العالم وليس لدينا مسرح (واحد) حقيقي.. بينما يقول شكسبير All the worldصs stage العالم كله مسرح.. أو الدنيا مسرح كبير؟

على أن ما من أحد غير شكسبير استطاع أن يقدم لنا الإيقاع والانسجام في تركيب الكلام وتنسيقه على هذا المستوى الرفيع من الصور الذهنية وأن يخلق هذا العدد من الأشخاص الذين نتقبلهم ونتعامل معهم (أو نشعر بهم)، لا باعتبارهم من بنات أفكار شاعر، بل على أنهم، وعلى نحو مؤكد وكامل، شخصيات حية!.. ويحار المرء أكثر عندما يقف أمام تجربة لمدرسة حكومية في أوائل القرن العشرين عرضت لشكسبير.. وقد عجزت عن عرضه جامعاتنا الفتية الفقيرة إلى خشبة مسرح وإلى رؤية نقدية إلى ما نحس به من خواء في حياتنا الثقافية العامة! ومع افتقارنا إلى رؤية عالمية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى