وتلك الأيــام..أصابع البراءة

> محمد عبدالله الموس:

> لدماء الأبرياء (أصابع) تشير إلى الجناة، وتغلي هذه الدماء في موعد الثأر، هكذا تقول الأسطورة الشعبية اليمنية. على أن الثأر لا يعني - بأي حال - الانتقام خارج القانون، أو النظر إلى الجرائم التي تستهدف (عقلاء المجتمع) على أنها مجرد جرائم قتل تنتهي آثارها بمعاقبة المرتكب المباشر للفعل.

دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري لم تكن آخر هذه الدماء البريئة وإن كان اغتياله مزلزلاً بقدر مكانة الرجل التي صنعتها أياديه التي امتدت مع غيرها لتلملم أشلاء (لبنان الأرض) وتقارب بين التباعد الطائفي في (لبنان الإنسان)، فالرجل لم يصل إلى كرسي السلطة على ظهر دبابة محاطة بقبيلته أو عساكره، ولم يكن يبحث من وراء هذه السلطة عن ثروة، فلديه منها ما يكفيه، بجملة أخرى لم يأت إلى لبنان ليأخذ ولكنه جاء ليعطي ووصل هذا العطاء إلى حياته التي سلبوها غدراً في جريمة تجاوزت آثارها القطر اللبناني وقد تترتب عليها تبعات إقليمية يصعب توقع مداها.

قد يدفع هوس الاستئثار بالثروة أو السلطة إلى التعتيم على الرأي الآخر أو تخوينه أو تكفيره وهي من الأساليب المتبقية للدول البوليسية في زمن تخطت فيه مصالح وعلاقات المجتمعات الحدود الوطنية وأصبح فيه الاستقرار في أي مجتمع يتعدى كونه شأناً داخلياً، أما استهداف رموز المجتمع وقادة فكره ونشاطه فسيشكل جريمة في حق وعي المجتمع ناهيك عن التأثير السلبي على السكينة العامة ومصالح الوطن واستقراره واستقرار الإقليم، الامر الذي يجعل معالجة الآثار أصعب بمراحل من مسألة الأخذ بالثأر.

واقعة اغتيال الشهيد الحريري جاءت في مرحلة أفول زمن الحكومات البوليسية المطلقة، ويبدو أن مدبري مثل هذا الفعل لم يدركوا هذه الحقيقة إلا بعد عجز أساليبهم التي عهدوها عن طمس الأثر، وبغض النظر عن النتائج النهائية للتحقيق - الدولي أو اللبناني- فإن تقرير المحقق الدولي (القاضي ميليس) أظهر رأس جبل الثلج في أسلوب إدارة العلاقة مع الرأي الآخر في أوطاننا، بدءاً من إرسال الطرود البريدية إلى ذوي الرأي المختلف وانتهاء بإرسالهم إلى العالم الآخر. كما أظهر -أي التقرير- المدى الذي تذهب إليه الرؤوس حين تسخن لتخاطر بمصالح الأوطان واستقرار الشعوب، وبأن لغة الكياسة التي نراها متلفزة ليس لها وجود في الواقع العربي.

لم تكن دماء الشهيد الحريري هي الأولى التي تراق (بريئة) لكنها الأولى في سرعة التلويح حيث أفلحت أصابع هذه الدماء البريئة في التلويح باتجاه الجناة، وقد تكون هناك دماء أخرى بريئة في بقاع كثيرة تشير إلى قتلتها، ومؤكد أنها ستفلح في لفت الأنظار ذات يوم، فقد أصبحنا في زمن لم يعد فيه أبناء الوطن من الرأي الآخر مجرد أبناء عققة يجب إعادة تربيتهم على أيدي مربين تدربوا على فنون تأديب الآخرين وتعليمهم (إتيكيت) الطاعة والتغني بأمجاد(الزعيم).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى