جندب ابن جناده (زعيم المعارضة وعدو الثروات) اصبر حتى تلقاني ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر

> «الأيام» م. شفيق محمد أمان:

> دخل مكة متنكراً وجمع من نثارات الحديث عن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم وعن المكان الذي يستطيع أن يراه فيه، دخل على محمد صلى الله عليه وسلم فوجده جالساً وحده، اقترب منه وقال: نعمت صباحاً يا أخا العرب، أجابه: وعليك السلام يا أخاه، قال: أنشدني مما تقول، قال: ما هو بشعر حتى أنشدك، ولكنه قرآن كريم. فقرأ عليه ولم يمض من الوقت غير قليل حتى هتف أبوذر أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله، وبعد أن علم الرسول أن الرجل من غفار تبسم وغلبت على وجهه الدهشة والعجب، لأن غفار وأهلها مضرب الأمثال في السطو وقطع الطريق.

عُرف عن أبي ذر تمرده على عبادة الاصنام وإيمانه بالله خالق عظيم، لذا كان إسلامه مبكراً وترتيبه الخامس أو السادس .. في حين كان الرسول [ يهمس بالدعوة همساً، ولأن جندب ابن جناده يحمل طبيعة فوارة جياشة، متمرداً على الباطل أنـَّى يكون، وبرغم ما رأى في الرسول إيثاره الهمس بالدعوة، وأمر الرسول له بالرجوع إلى قومه حتى يبلغه أمر الدين إلا أنه لم يرى بداً من صيحة يصيحها فقال: والذي نفسي بيده لا أرجع حتى أصرخ بالإسلام في المسجد!! وفعلها ونادى بأعلى صوته عند المسجد الحرام بالشهادة متحدياً كبرياء قريش، وكانت أول صيحة بالإسلام جاءت من غريب ليس له في مكة حسب ولا نسب ولا حمى.. فأحاط به المشركون وضربوه حتى صرعوه، فذاق بذلك حلاوة الاذى في سبيل الله.

أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم طبيعة تلميذه الوافد الجديد وقدرته الباهرة على مواجهة الباطل، بيد أن وقته لم يأت بعد، ويعود أبو ذر إلى قومه ويدعوهم الى دين التوحيد ويقبلون عليه، ثم ينتقل إلى جارتهم قبيلة (أسلم) وينجح في دعوتهم، وتمر السنون ويهاجر الرسول إلى المدينة ويعلم ابو ذر باستقراره فيها ويخرج ومعه غفار وأسلم بتكبيرات صادعة يحسبهم الرائي جيشاً مغيراً.

إن عمالقة السطو وحلفاء الشيطان قد أصبحو اليوم عمالقة في الخير وحلفاء للحق، فيلقي الرسول صلى الله عليه وسلم على وجوههم الطيبة نظرات تفيض غبطة وحناناً ووداً ثم يقول: «غفار غفر الله لها» و«أسلم سالمها الله». ولقد قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم مستقبل صاحبة ولخص حياته كلها بهذه الكلمات «ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر» فالصدق الجسور هو جوهر حياة ابي ذر، صدق باطنه وصدق ظاهره، ولسوف يحيا حياته صادقاً، لا يغالط نفسه، ولا يغالط غيره ولا يسمح لاحد أن يغالطه، ولن يكون صدقه فضيلة خرساء، فالصدق الصامت ليس صدقاً عنده، إنما الصدق جهر وعلن، جهر بالحق وتحد للباطل.

أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم ببصيرته الثاقبة جم المتاعب التي سيفيئها على ابي ذر صدقة، فألقى عليه يوماً هذا السؤال: كيف أنت إذا أدركك أمراء يستأثرون بالفيء؟ فأجاب والذي بعثك بالحق لأضربن بسيفي! فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم أفلا أدلك على خير من ذلك؟ اصبر حتى تلقاني.

تلك إذن قضية ابي ذر مع المجتمع، الأمراء والمال، ولسوف يحفظ وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه أيضاً لن يسكت عن الامراء الذين يثرون من مال الامة لحظة من نهار، ولسوف يفعل بلسانه البتار وكلماته اللاهبة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى