عندما كانت اليمن ترفل في الحرير

> فاروق لقمان:

> قضت الدكتورة الأمريكية ديانا بكورث فترة من حياتها المهنية محاضرة في جامعة عدن كما كانت مشرفة ميدانية في موقع حفريات في لحج. وخلال ذلك أنقذت بئراً قديمة وصورتها في شارع المعري بحافة القاضي بكريتر قبل إنشاء عمارة طمرتها إلى الأبد حسب ذكرياتها الشيقة عن عملها في الممالك اليمنية القديمة منها قانا وقتبان. كما اشتركت في مسح أجزاء من جزيرة سقطرى وجنوب شرق الربع الخالي في منطقة الجوف باليمن.

إلا أن الذي أسر اهتمامي في دراساتها هو إصرارها ثم برهنتها على أن سبأ بالذات ثم عدن الميناء البحري كانتا محطتين حيويتين لتجارة الحرير الصيني منذ الألفية الثانية قبل الميلاد أي حوالي أربعة ألف سنة، التي بدأت على ظهور الجمال ثم على متن السفن ثم الوسيلتين معاً.

فكانت سبأ شمالاً وعدن جنوباً أشبه بما أضحت عليه بعد ذلك هونج كونج وسنغافورة وعدن نفسها. وهذه الأخيرة أصبحت رسمياً ميناء حراً زاهراً بمرسوم بريطاني صدر عام 1850 حتى أصبحت أنشط وأرخص محطة ترانزيت وسياحة عابرة في العالم بين أوروبا والهند والشرق الأقصى حتى أستراليا ووصل عدد السفن الزائرة إلى ستمائة شهرياً للتزود بالوقود والمحملة بألوف الركاب المتلهفين على التسوق في التواهي وكريتر.

ونشطت الدكتورة ديانا ولعل الإخوة في جامعة عدن اشتركوا معها في دراسة درب الحرير الذي كان يمتد من الصين إلى أوروبا حتى أنها كرست محاضراتها عن سبأ وعدن وتاريخها الحافل ومنها محاضرتها القيمة التي أعدتها وألقتها في جامعة ستانفورد الشهيرة نهاية عام 2002م.

بالإضافة إلى الحرير والأقمشة عموماً كانت سبأ وعدن سوقين للذهب والأعشاب الطبية وطبعاً اللبان والمر الحضرمي والعماني بحيث تحولت المنطقة كلها إلى سوق حرة سبقت الاتحاد الأوروبي الحالي بثلاثة ألف سنة. فازدهرت بشكل غير معهود لمئات من السنين وإن كانت تخلو من السجلات والوثائق التي أرخت لتلك الحقبة من تاريخنا المجيد كما حدث للحضارات الفرعونية والعراقية والهندية والصينية.

وتقول الدكتورة إن المنطقة كانت أشبه بالاتحاد الفيدرالي فيها مأرب وعدن وقتبان وشبوه في حضرموت وعلى حافة صحراء شاسعة اسمها رملة السبعتين بالإضافة إلى قانا وسواها لأنها كانت أجزاء من دولة واحدة مثل الاتحاد الأوروبي الممتد من النرويج إلى قبرص وقبل ذلك الولايات المتحدة التي تسمى «الاتحاد» أيضاً رسمياً. وحققت الهند ما هو أعظم من ذلك بولاياتها المتعددة ومئات الممالك التي كان يحكمها المهراجات - الملوك - إذ قررت إقامة دولة واحدة تضم مئات الملايين ينتشرون من قمم جبال الهملايا إلى أقصى الجنوب المواجه لجزيرة الشاي السيلاني سري لانكا.

كذلك المملكة العربية السعودية بقيادة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الذي وحدها في كيان واحد بحجم قارة تقريباً، ثم توحيد اليمن شماله وجنوبه في الجمهورية اليمنية بجهود الرئيس علي عبدالله صالح الذي حقق معجزة تاريخية خالدة يحق للشعب اليمني أن يباهي بها الأمم على مر الزمان، لكن الدول العربية لم تفلح للأسف الشديد في تحقيق حتى سوق مشتركة رغم ميثاق الجامعة العربية الذي نص عليها منذ تأسيسها عام 1945م.

واصلت سبأ الانتفاع بدروب التجارة الدولية عبر أراضيها خاصة مع الصين والهند وسيلان التي أصبحت سري لانكا بعد استقلالها عن بريطانيا ولا تزال أكبر مصدر للشاي الأسود في العالم أما الأخضر فقد تخصصت به الصين واليابان. ويقول الباحثون إنه مفيد للصحة عموماً وفي تقوية القلب ودرء السرطان خصوصاً وكذلك الشاي الأسود لأنه يحتوي على عدة فيتامينات هامة جداً للصحة هي ألف A وسي C وإي .E وهي مجتمعة من مضادات الأكسدة وتحمي البدن من العناصر الحرة الضارة.

كل ذلك الرخاء المذهل على مستوى عالمي كان ناجماً عن جهود عدد محدود نسبياً من السكان ربما لم يتعد المليون في سبأ كلها من مأرب إلى عدن - المستودع الكلاسيكي لمنتجات الشرق والغرب منذ ثلاثة إلى أربعة ألف عام.

وتذهب الأستاذة ديانا إلى أبعد من ذلك بقولها إن الأراضي اليمنية كانت مأهولة ما بين ثمانية آلاف وستة ألف سنة قبل الميلاد ويعيش أهلها على الصيد البري والبحري. فهل كانت الحضارة اليمنية - وإن لم يكن اسم اليمن معروفاً وقتها - معاصرة لحضارة الرافدين - التي اخترعت أول عجلة في الدنيا - وسبقت الفرعونية وامتدت من شمال الوطن إلى باب المندب وبعد ذلك قطع السبئيون البحر وأسسوا مملكة أكسوم في أثيوبيا الحالية وكأن اليمن لم تكن تتسع لطموحاتهم الكبيرة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى