دعم التغيير في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

> جاك سترو:

>
جاك سترو
جاك سترو
شهد هذا العام مؤشرات حقيقية على عمليات التغيير في الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا. ففي بداية شهر يناير شهدنا الانتخابات الرئاسية التاريخية التي جرت في السلطة الفلسطينية. وبعد ذلك بثلاثة أسابيع أبدى الشعب العراقي عزمه وتصميمه على المضي في سبيل الديموقراطية - وكذلك شجاعته الكبيرة - بتجاهل تهديدات الإرهابيين والخروج بالملايين للإدلاء بأصواتهم لانتخاب الحكومة المؤقتة.

وكان هناك المزيد من الأمثلة طوال العام. ففي الربيع عبّر الشعب اللبناني بشكل ساحق عن رغبته بممارسة سيادته بنفسه. وفي شهر مايو اتخذت الكويت خطوة كبيرة بمنحها الحقوق السياسية الكاملة للمرأة الكويتية. وفي شهر سبتمبر أجرت مصر أول انتخابات رئاسية ضمن عدد من المرشحين، والتي أشار الرئيس مبارك إلى أنها تشكل جزءا من مجموعة أوسع من الإصلاحات السياسية والاقتصادية. وخلال نفس الشهر أدلى الجزائريون بأصواتهم لتبني ميثاق السلم والمصالحة، والذي يتيح لهم مواجهة تاريخهم القريب المؤلم، وكذلك أيضا النظر نحو مستقبل أفضل لهم. وأطلقت الحكومة الأردنية عملية وضعتها بمشاركة مواطنيها لتحديد ملامح برنامج الإصلاح للسنوات العشر القادمة.

وإلى جانب هذه الإجراءات الملموسة، هناك الآن أيضا نقاش أكثر انفتاحا بشأن الإصلاح، ورغبة جديدة لمعالجة المواضيع الأساسية - كالمساءلة والمشاركة الديموقراطية - وهي مواضيع ساد شعور إلى وقت قريب بأنه من الأفضل عدم الاقتراب منها. وفي العام الماضي ألزم القادة العرب أنفسهم باتخاذ إجراءات خلال القمة العربية التي عقدت في تونس. ويلعب المجتمع المدني بشكل متزايد دورا أساسيا في دفع النقاش والمساعدة في تطبيق الإصلاح. وما برحت استطلاعات الرأي تبين بثبات أن هناك تأييدا كبيرا من المواطنين لوجود المزيد من الحكم الديموقراطي، تماما كما هو الحال في أي مكان آخر في العالم.

وسوف تستفيد المنطقة نفسها كثيرا من عمليات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وقد برهنت تقارير الأمم المتحدة للتنمية البشرية في العالم العربي بشكل مفصل ومبني على الأبحاث مدى الحاجة لهذا التحديث، فهو مفتاح لإطلاق إمكانات المنطقة، وإعادة الوصل ما بينها وبين الاقتصاد العالمي، ومنح الأمل لعدد متزايد من الشباب المبدعين، لكنهم عادة مستاؤون وعاطلون عن العمل.

كما سيستفيد العالم أجمع أيضا بشكل جلي من كون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر استقرارا وازدهارا، يرى مستقبله من خلال روابط أكثر متانة مع باقي أنحاء العالم. فبناء شراكات مع الدول في المنطقة يعتبر أمرا أساسيا لإحداث تقدم في مجالات العمل الحيوية، من أمن الطاقة وعدم انتشار الأسلحة إلى انتقال الازدهار الاقتصادي ومكافحة الإرهاب.

إذاً ما الذي باستطاعة المجتمع الدولي عمله لأجل دعم هذا الالتزام الإقليمي بعملية الإصلاح والتنمية؟ يتعين علينا، بالطبع، أن نستمر بالعمل الجاد لتسوية الصراعات الإقليمية الممتدة منذ زمن طويل، وبشكل خاص الصراع الدائر بين إسرائيل والفلسطينيين. كما يتعين علينا الإبقاء على الزخم فيما يتعلق بالأهداف الإنمائية الألفية. لكن باستطاعتنا أيضا استغلال الرغبة الجديدة بإحداث تقدم في المنطقة للانخراط في نقاش صادق بشأن مواضيع تعتبر حتى الآن حساسة للغاية، وأن نعرض المساعدة العملية. سوف تتاح لنا الفرصة للقيام بذلك خلال اجتماعين هامين يعقدان في وقت لاحق من الشهر الجاري. وسوف تلعب المملكة المتحدة، بحكم رئاستها لكل من مجموعة الثماني والاتحاد الأوروبي، دورا رياديا في كلا الاجتماعين.

وفي 12 نوفمبر، تستضيف البحرين "ندوة لأجل المستقبل". تمثل هذه الندوة جزءا من الخطة الأوسع للدعم من مجموعة الثماني للشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا، والتي تركز على مساعدة المنطقة من خلال مبادرات عملية؛ فخلال العام الحالي والعام القادم، على سبيل المثال، ستقدم أكثر من 30 مليون دولار من المساعدات لتنمية القطاع الخاص وبرامج التمويل الصغير. وسوف يركز المنتدى نفسه على موضوعين هامين يتعلقان برفع مستوى جودة التعليم والتنمية الديموقراطية.

وعلى نحو فريد، سوف يشارك المجتمع المدني بنفس الدرجة مع الحكومات، مقدما التوصيات بشأن حقوق الإنسان وحكم القانون والفساد والديموقراطية ومنح السلطة للنساء. حينها سيكون هذا الحدث هاما ليس من حيث مجالات المواضيع المفتوحة للنقاش فحسب، بل أيضا من حيث اتساع اختصاصات الأفراد المشاركين في تلك المناقشات.

وبعد ذلك، في نهاية الشهر، سوف نشهد الذكرى العاشرة لانطلاق الشراكة اليورومتوسطية، والتي تمثل إطارا لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع جيرانه الأقرب إليه على الساحل الجنوبي. ومرة أخرى، سيكون التركيز عمليا جدا. فقد أنفق الاتحاد الأوروبي خلال العقد الماضي ما يربو على تسعة مليارات يورو على هذه الشراكة، لكن كان تأثيرها في مناطق محدودة دون غيرها؛ فالعديد من مواطني المنطقة لا يعلمون ما حققته هذه الشراكة أو ربما لم يسمعوا بها أصلا. نريد خلال هذه القمة أن نحدد مع شركائنا على الساحل الجنوبي من البحر الأبيض المتوسط مجموعة من الأهداف السياسية والاقتصادية الطموحة للسنوات الخمس إلى العشر القادمة، كما نعتزم دعم ذلك من خلال زيادة كبيرة في المساعدات لأجل التنمية التعليمية وتأسيس صندوق خاص للدول التي تحرز تقدما جيدا في مجال تحسين الحكم.

إذاً فغالبية الدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى جانب المجتمع الدولي، جادة بشأن إحداث تقدم في مجال التحديث والإصلاح.

لكن من شأن هذا أن يبين بشكل أكثر وضوحا السجل السيء للغاية للدول التي تتجاهل زخم التغيير في المنطقة، كسوريا وإيران. وهو أمر يؤسف له بشكل خاص في حالة إيران التي وصلت قبل بضع سنوات إلى مراحل هامة من المناقشات بشأن الإصلاح والتحديث. تخاطر هذه الدول في جعل شعوبها - التي لديها الكثير لتقدمه للمنطقة وللعالم على نطاق أوسع - تتخلف، بينما تزدهر الشعوب في الدول المحيطة بها.

إن العمل داخل هذه المنطقة للبرهنة على الفوائد الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية الناجمة عن تبني التغيير يمكن أن يرسل رسالة قوية لهذه الشعوب، وكذلك إلى حكوماتهـا.

وزير الخارجية البريطاني

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى