عبدالله باكداده مدير عام مكتب الثقافة والسياحة بعدن لـ «الأيام»:المسرح اليمني لا يعيش حالة ركود ولكن الإمكانيات الفنية والبشرية تفوق النشاط المسرحي

> «الأيام» فتحي الأزرق:

> كثيرة هي القضايا الثقافية والفنية التي تثير جدلا بين أوساط المثقفين والمبدعين حول حالة الركود في الواقع الثقافي والموسمية التي يعيشها.. «الأيام» ناقشت عددا من هذه القضايا مع الأخ عبدالله باكدادة، مدير عام مكتب الثقافة والسياحة بعدن في الحوار التالي.

> حبذا لو تطلعنا على أهم الأعمال التي يضطلع بها مكتب الثقافة، الذي تقفون على رأس جهازه الإداري؟

- مكتب الثقافة والسياحة بمحافظة عدن تقع على عاتقه أعمال جمة ومهام جسيمة لا تقف عند الخدمة الإدارية للمثقف والمبدع أو أداء الواجب تجاه المجتمع ثقافياً وإبداعياً، وإنما تتعدى ذلك باعتبار أن الثقافة و الإبداع هما روح المجتمع الذي من خلاله يمكن حفظ التوازن البشري والإنساني، وهما مقياس رقي المجتمع، والشواهد على ذلك كثيرة وأهم ما يمكن البحث عنه ليقف الإنسان على أرض صلبة هو ذلك الموروث الفني والإبداعي والثقافي والديني، الذي يؤسس واقع اليوم على سند قوي هو روح الإنسان اليمني المنبثقة من روح الإنسان العربي والإسلامي، ومن هنا تأتي جسامة المسؤولية التي تتطلب سلوكاً واعياً وثقافة واسعة وقرارات مدروسة وخطوات جريئة وثابتة كي لا يقع المرء في مزالق أقلها الإسفاف الذي نشاهده عبر شاشات البث الفضائي والإلكتروني وأكثرها تأثيراً العولمة وإمكانيات الدول الكبرى القائمة على غزو عقل وروح الإنسان في المجتمعات المتلقية.

> يعيش المسرح في اليمن فترة ركود حادة، وخصوصاً في هذه المدينة التي كانت أول من يشهد ولادة المسرح في اليمن.. ترى ما هي الأسباب الحقيقية وراء هذا الركود؟ وما هو دوركم في هذا المجال؟

- قد لا أتفق معك في أن المسرح اليمني يعيش حالة ركود اليوم، ولكن إذا جاز التعبير يمكنني القول إن الإمكانيات الفنية والبشرية تفوق النشاط المسرحي، باعتبار أن هناك تفوقاً في الكم والكيف، ولذلك أسباب، ويكفي هذه المدينة أنها انتزعت إعجاب الجمهور والمسؤولين المعنيين من خلال الأداء المسرحي الذي قدمته في إطار فعاليات صنعاء عاصمة للثقافة العربية 2004 وكان القرار الجميل من وزير الثقافة والسياحة بأن يتم الإعلان عن ليالي عدن المسرحية، التي تقام في شهر مارس من كل عام في محافظة عدن بتقديم عروض مسرحية. وقد تم تكريم جملة من المسرحيين سواء على مستوى الوزارة أو على مستوى المحافظة.

> في أحاديث صحفية كثيرة يُحمّل رجالات المسرح في عدن الجهات الرسمية ممثلة بمكتب الثقافة وفرع الهيئة العامة للمسرح مسؤولية ركود المسرح، ما هو ردكم على هذا القول؟

- المكتب لا شك أنه مسؤول عن مجمل النشاطات الثقافية والإبداعية ولا يخلي مسؤوليته تحت أي ظرف من الظروف، ولن نبرر ذلك بشحة الموارد والإمكانيات، وهو يمارس دوره ولكنه ليس المسؤول الوحيد في هذا الجانب، فهناك وزارة ومحافظة ومكاتب عامة أهلية وخاصة وهناك المستثمر الوطني والعربي الذي لم يخض في هذا المجال بعد، وهناك الإذاعة والتلفزيون وجهات رسمية وأهلية ومؤسسات العمل المدني والقائمة طويلة، أما من حيث الركود فالكلمة هنا مجازية فكل نشاط مهما يكن نوعه يمر بفترات ركود وفترات انتعاش، ونحن دائماً بحاجة إلى رؤية مدروسة وواقعية في الحكم على الأمور، رغم أنه في أحايين كثيرة تجرنا العواطف في الحكم عليها.

> يتهمكم الكثير بالموسمية حيث إن أغلب الأعمال التي يضطلع بها المكتب لا تظهر إلا مع قدوم الأعياد والمناسبات الوطنية .. ترى إلى أي مدى يصح هذا الاتهام؟

- الموسمية ليست اتهاماً، وإذا كانت كذلك فأهلاً بها، والنشاطات موجودة، ليست بمكتب الثقافة وحده وإنما بجهات عديدة، موجودة على الساحة ويخطئ من يعتقد أن كل نشاط قائم ينسب إلى المكتب وإذا لم يتم فالمكتب مسؤول عنه. نشاط الوزارة هو جزء من نشاط كلي مترامٍ على أطراف البلاد وهذا لا ينفي مسؤوليته ولكنها مسؤولية في حدود برامجه التي ينفذها على الواقع ضمن مسؤوليته. في الاحتفالات الوطنية أو ما يطلق عليها بالموسمية تتوفر المخصصات المالية باعتبار أن القضية وطنية والاحتفاء بثورة وأناس قدموا حياتهم رخيصة لننعم نحن اليوم بالراحة والطمأنينة ولنغني ونسمع القصائد والزوامل ونشاهد الرقصات، فالموسمية هنا أعتبرها إضافة ولكننا بحاجة إلى اهتمام أكبر وإلى نشاط أكثر وإلى مخصصات وميزانيات تكون موجودة في فعاليات أهلية مستمرة ودائمة، وسيأتي ذلك بإذن الله، فالمجتمعات المستقرة أمنياً واقتصادياً هي المؤهلة لتقديم الأفضل ثقافياً وإبداعياً وإنسانياً.

> في الماضي كانت تقام الكثير من الحفلات والأنشطة الثقافية التي تقام تحت رعاية مكتب الثقافة .. ترى ما هي الأسباب وراء اختفاء مثل هذه الفعاليات؟

- هناك حفلات أقيمت في الماضي برعاية المكتب ومازالت تقام فعاليات بل أكثر مما كانت عليه في السابق برعاية الوزارة أو المحافظة، والمسألة بحاجة إلى رصد وإلى مقارنة فعلية وليست عابرة للتأكيد على ذلك.

> ما هي أبرز أنشطتكم في الوقت الحالي، وهل هناك فعاليات ومشاريع مشتركة مع جهات غير حكومية؟

- أبرز الأنشطة في الوقت الراهن هي ترميم صالة الاكروبات وإعادة الروح والنشاط لفرقة الاكروبات وفرقة الرقص والفنون الشعبية باستخدام الصالة الواقعة في منطقة حافون مديرية المعلا، وكذا إعادة إصدار نشرة «الغدير» الشهرية بغلاف ملون وبتعاون واضح من المحافظة وإدارة المنطقة الحرة بعدن، حيث يرأس تحريرها شاعر وكاتب ومثقف معروف يملك إمكانيات واسعة هو الأستاذ عبدالرحمن إبراهيم، وكذا الإعلان عن افتتاح المنتدى الثقافي بمديرية خورمكسر بتعاون كبير من قبل مؤسسة «الثورة» للصحافة والطباعة مكتب عدن ممثلة بالأخ محمد عبدالله قائد، وهناك فعاليات أسبوعية على مستويات عالية سيتم إجراؤها في منتدى الصهاريج الثقافي، حيث ينشط في الاهتمام بها القاص المبدع حافظ مصطفى ومعه الشباب ممن يؤمل بهم للمستقبل ومن المتوقع أن يقوم المكتب برعاية محافظ عدن د. يحيى الشعيبي بتكريم عشر شخصيات في مجالات الإبداع المختلفة، وهنالك أعمال ونشاطات مختلفة لا يتسع المجال هنا لذكرها بالإضافة إلى أعمال يتم التنسيق بشأنها مع اتحاد الأدباء والكتاب فرع عدن والمنتديات والجمعيات العاملة في محافظة عدن.

> ما هو حجم التعاون بين مكتبكم والمؤسسات والمراكز الثقافية الوطنية والأجنبية؟

- التعاون قائم ونحن نرحب به دائماً لأنه يعطينا مجالاً للتواصل مع أطراف عديدة، ومن المعروف أن عدن مدينة متعددة الثقافات وتأثير هذه الثقافات واضح في كل معالمها، وقد شاهدنا في الأسابيع الماضية الحفلات التي أقيمت من قبل الفرنسيين والألمان في شوارع عدن، وكذا الكورال الألماني الذي قدم (44) فتاة على مسرح قاعة فلسطين وكذا فرق موسيقى الجاز الأوربي والتلفزيون الصيني والالماني وتنسيقات عديدة تقوم بها وزارة الثقافة والسياحة، وفي محافظة عدن يبرز تواصل المكتب مع جهات محلية وعربية وأجنبية.

> برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة انتشار المنتديات الثقافية في محافظة عدن.. إلى أي مدى ترى أنه يمكن أن تخدم النشاط الثقافي في المحافظة؟

- الجمعيات والمنتديات الثقافية برزت واضحة في محافظة عدن تحديداً بالإضافة إلى منتديات وجمعيات أخرى اجتماعية وخيرية وسياسية.. إلخ، وفي واقع الأمر فإن الموضوع يحتاج إلى دراسة عميقة تبرز دور هذه المنتديات ويتوجب أن يتم توجيهها الوجهة الصحيحة التي من خلالها تستطيع أن تقدم خدمة أفضل للجميع باعتبار أن معظمها اليوم يقوم على إمكانيات وثقافات قياداتها التي تتعب كثيراً وتقدم ما يمكن أن تقدمه، وهناك من ينجح وهنالك من يخفق كما أن هناك من يعمل بإيجاب وهناك من تتخلل أعماله الكثير من السلبيات وفي كثير منها اختلط السياسي بالثقافي ومن ثم نقلت هذه الصراعات إليها. والسؤال الذي يفرض نفسه كيف يمكن لهذه المنتديات أن تقدم لنا الخدمة الثقافية؟ وهو ما يتوجب علينا الإجابة عنه.

> ولكن البعض يرى أن السبب الرئيس في ظهور مثل هذه المنتديات هو غياب إن لم نقل اضمحلال الدور الرسمي؟

- لا أعتقد ذلك، فهذه إحدى مؤسسات العمل المدني وهي مؤسسات أهلية لها قياداتها التي يجب على الجهات الرسمية ألا تتدخل في شؤونها وإلا لماذا قامت هذه المؤسسات؟! إن دور مكتب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ودور مكتب وزارة الثقافة والسياحة إشرافي فقط، ولها أن تنشط وفق رؤاها ومن يصمد يستمر ومن يبحث عن وجاهة ينفضّ عنه من حوله وينام في بيته.

> هل تقدمون الدعم لمثل هذه المنتديات؟ وهل هنالك تعاون أو أنشطة فيما بين الجانبين؟

- الدعم لمثل هذه المنتديات والجمعيات يتم من قبل مكتب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وفق شروط من يقدم الخدمة الفعلية للمجتمع وينشط وفق معايير وأسس، إلا أن الكثير من هذه المنتديات أعلن عن نفسه ولم يكن في حجم أحلامه وكأن المسألة كانت (قرحة قات) وعاد مرة أخرى ليحل منتداه، ولكن هناك منتديات نجحت نجاحاً كبيراً.

> يشكو الكثير من المبدعين في هذه المدينة من غياب الاهتمام الرسمي بهم خصوصاً فيما يتعلق بالجانب المعيشي وعدم التكفل بعلاج المريض منهم .. ما هو دوركم كممثلين للجانب الرسمي في إزالة معاناة هؤلاء؟

- المعاناة كبيرة، ونحن لسنا أمام معاناة المبدعين اليوم بل نحن أمام عقود من الزمن تراكمت فيها الآلام والمآسي ودورات الدم والصراعات التي خلفت وراءها آلام التمزق والشتات على مستوى الأسرة اليمنية بشكل عام، ولربما أن فئة المثقفين باعتبارها الشريحة الأكثر حساسية تأثرت وعانت أكثر من غيرها من شرائح المجتمع، واليوم تم الالتفات إلى الكثير من الرواد من خلال تكريمهم. والمسألة في تقديري الشخصي لا تقف عند هذا فالموضوع بحاجة إلى تأمين حياة هؤلاء من خلال إعداد هكيل خاص بالمبدعين أو اعتماد مبالغ تحفظ لهؤلاء مكانتهم وكبرياءهم مما يجعلهم في عطاء مستمر نحو الواقع والمجتمع.

> لماذا يعتبر المنتسبون لقطاع الثقافة الأدنى من حيث حجم الرواتب؟

- قانون الأجور في البلد واحد على حد علمي، وهناك هياكل لبعض المؤسسات أو نظام للمكافآت حسب تخصصها ولا أدري إذا كانت الرواتب في قطاع الثقافة هي الأدنى مقارنة ببقية المؤسسات أو الوزارات، بل لا أعتقد ذلك. ولكن تظل المطالبة بتحسين مداخيل هذا القطاع من حيث اعتماد هيكل خاص بالمبدعين أو إقرار نظام للمكافـأة أو إضافة مبالغ شهرية تحت أي مسمى باعتبار المبدع والمثقف واجهة المجتمع.

> كلمة أخيرة.

- أتمنى أن نجد المثقف اليمني قد صنع له اسماً خارج حدود بلاده نستطيع من خلال ذلك أن ننقل إبداعنا وثقافتنا ونحقق عائداً مادياً وأدبياً للبلد لأن المبدع ثروة إيرادية وليست أدبية فقط.. أتمنى ذلك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى