المحطة الأخـيـرة..بين الخصخصة والعمعمة ضاع العمال

> صالح علي السباعي:

> قال الخالق جل شأنه: {تلك الأيام نداولها بين الناس}، والحياة مستمرة دون توقف، لكن دوام الحال من المحال، وعهد ساد ثم انتهى ليسود عهد آخر، ولكل زمان ضحاياه، وبعد الاستقلال جاء عصر جديد، عصر التأميم والعمعمة، ثم الإجهاز على القطاع الخاص والتجارة، واختار النظام اقتحام كمين الاشتراكية المنصوب له سلفا بدلا من التخلص منه بالفرار، وصعدت إلى الواجهة طبقة العمال والفلاحين التعاونيين، عاشت عصرها الذهبي بكل تجلياته، ثقافة جديدة وأناشيد جديدة وأغان جديدة، الكل كان مبتهجا يردد نشوان يا نشوان، التي انهار بعدها البنيان وانهار عصر العمعمة وأصبح في خبر كان، ليسود عصر جديد ..عصر الخصخصة والاستثمار، عصر المندي والبروست والهمبرجر والعصير، عصر الانفتاح الكبير.

وفي هذا العصر تغير الحال وضاع العمال، هؤلاء الذين أخلصوا لعملهم حتى اللحظة الأخيرة، وجدوا أنفسهم في نهاية المشوار على الحصيرة، أطلقوا عليهم العمالة الفائضة ينظرون إليهم نظرة الغراب وكأنهم يحملون فيروسا قاتلا، لا زال الكثير منهم من دون عمل ولا رعاية ولا هيكل، رواتبهم فصلية، محرومين من الزيادة، يدفعون بهم إلى المستثمر مالك المصنع الجديد الذي يلعب معهم لعبة الشيطان: يوافق على استيعابهم ثم يتخلص منهم بطرق شتى ليصبحوا ضحايا المراحل.

فإذا كان أصحاب الرواتب والأجور يعيشون معيشة صعبة فما بالك بالعمالة الفائضة، وكيف يواجه هؤلاء الأعياد والأيام والشهور؟.. ما ذنب أطفالهم ونسائهم يعيشون في حالة عجز تام عن توفير ضروريات الحياة وفي حالة انكسار، جيوبهم وبطونهم خاوية والحسرة والاستغراب في عيونهم مما يحصل لهم في البلد الذي قدموا له أعمارهم، يعيشون فيه معيشة الأيتام على موائد اللئام، بينما يشاهدون ويسمعون أن العاطلين في الغرب يحصلون على الرعاية والرواتب وفي بلدهم لا يرون سوى الجحود، ويرون (الهبارين) أصبحوا أسوداً وكتائب الشحاذين تحاصر الأسواق والمساجد، واتساع مساحة القسوة على حساب العطف والرحمة.

الحكومات المتعاقبة تتجاهل قضية العمالة الفائضة وكأنها مشغولة بإنجاز المفاعل النووي اليماني، بينما العملية ليست معقدة إلى هذا الحد وبإمكان الدولة إحالة هؤلاء على المعاش بعد تسوية أوضاعهم، وهم لا يريدون أكثر من ذلك، ولكن المؤسف أن المسؤولين يأتون ويذهبون ويتناسون أن المسؤولية أمانة، والأمانة أشفقت من حملها الجبال، ويتناسون أن الكراسي زائلة والإنسان نفسه سيغادر هذه الحياة لا محالة، سيترك منزله الذي عاش فيه إلى نزل آخر يطول فيه بقاؤه ويهجره أحباؤه ويُترك وحيدا يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، يوم تنكشف الأسرار والكتاب لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها، وهم الآن في مهل، فهل يجدون الحل قبل انقطاع الأمل وحلول الأجل؟.. هل يتعظون ولا يظلمون الإنسان الذي كرمه الله وسجدت له الملائكة إلا الشيطان؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى