المستثمر والشعور بالأمان

> صالح علي السباعي:

> ها هي البنية التحتية التي كانت أحد العوائق تشرف على الاكتمال؛ الطرق معبدة والشوارع مرصوفة والمطارات مجهزة والفنادق ما أكثرها والإضاءة جيدة والاتصالات سهلة والبنوك موجودة والأمن مستتب والموقع الجغرافي لا يُعلى عليه بين ثلاث قارات. لعل وعسى أن يأتي المستثمر الذي طال غيابه عن هذا البلد بعد أن تهيأت الظروف للاستثمار، ورغم كل هذا لا يزال المستثمرون عازفين عن هذا البلد، وحتى الآن لا يرى المواطن قدوم المستثمرين ماعدا الذين يعملون في مجال النفط، وهؤلاء قدموا إلينا بعد حصولهم على خطاب ضمان من حكوماتهم، وهي حكومات قوية قادرة على إخراج اللقمة من فم الأسد، وهم مستفيدون ويحصلون على أضعاف جهدهم وإذا عطل عليهم جهاز أو سُرقت عليهم سيارة أخذوا قيمتها أضعافاً من حصة الجانب اليمني، ولأن المسؤولين يحصلون على نصيبهم كاملاً فلا أحد يعترض.

وكل ما حصل لدينا في مجال الاستثمار هو عمارات ومداكنة ودكاكين مقاوتة ومطاعم مندي وخبّازون ومعامل بردين، ولم يرى المواطن مصانع أو مزارع لمستثمرين، عربا أو أجانب، وعلى نطاق السياحة عربياً فلم يرى المواطن سوى طالبي الزواج السياحي، أما السائح الأجنبي فقد أصبح يكلـّف البلد أضعاف ما يصرفه، وإذا أراد أن ينتقل من مدينة إلى أخرى خلق حالة استنفار في البلد واحتاج في تنقلاته إلى حراسة وغرفة عمليات للحفاظ على سلامته.

كثيرون من العامة والمسؤولين كانوا يعتقدون أن توفر البنية التحتية سيجلب الاستثمار ويتزاحم المستثمرون، وقد كانوا يقولون ذلك للإعلام، بل إن البعض ذهب إلى أبعد من ذلك وصوروا المنطقة الحرة بأنها ستكون الفردوس القادم، وصوروا كيف ستهبط الطائرات في مطار المنطقة الحرة بين لحظة وأخرى وطوابير سفن الشحن أمام الميناء وحواليه لكن ذلك لم يحدث حتى الآن وكأنه تبخر أو ذهب مع الريح.

وتناسى هؤلاء شيئاً مهماً هو بناء الثقة مع الآخرين وتحسين سمعة البلد إلى الأفضل، وبريطانيا على سبيل المثال تجاوزتها كثير من الدول في الصناعة والتطور لكن سمعة بريطانيا وثقة الآخرين في صناعتها وأنظمتها فوق كل الشكوك. ونحن أهملنا هذا الجانب ولم يعط حقه من قبل الحكومات المتعددة وهو تقصير واضح من خلال الواقع، وعلى الحكومة إصلاح هذا الواقع ووضع خطة للترويج للاستثمار ووضع حد للأسباب التي تؤدي إلى فرار المستثمر، والثقة في هذا البلد شيء مهم وهي أهم من أي مميزات أخرى، وفي عالم اليوم أسقط العلم كثيراً من مميزات الجغرافيا وإذا لديك سمعة طيبة ووثق الناس بك سيأتون إليك حتى لو كان موقعك في الأسكيمو، وإذا لم يثق بك الآخرون سيذهبون إلى دبي وجبل علي وأماكن أخرى من العالم تاركين موقعك الجغرافي تتغنى على أطلاله.. صحيح أن الموقع مهم والبنية التحتية مهمة لكن سمعة البلد هي الأهم، وقديماً قالوا: من خسر ماله لم يخسر شيئاً ومن خسر سمعته خسر كل شيء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى