قم للمعلم..

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
لا شك أن مهنة التعليم واحدة من أقدم المهن في التاريخ وأشرفها، وفي ذاكرة كل واحد ممن نالوا حظاً من التعليم قل أو كثر بعض من الأساتذة الذين أثروا فيه أو حولوا مسارات اهتماماته وجعلوه ما هو بعد أن لم يكن شيئاً مذكوراً.

بعضهم يجعل من المدرسة واحة غناء، وبعضهم - والعياذ بالله- يجعل منها جهنم الحمراء، وما بين هذين النقيضين تبرز أهمية الإدارة الواعية المتابعة لأحوال المعلمين والتلاميذ على السواء، أما إذا كان رب البيت بالدف ضارباً، فأبشر بانحطاط التعليم. لأن البوصلة الهادية تحتاج إلى من يهديها:

أعمى يقود بصيراً لا أبا لكم

قد ضل من كانت العميان تهديه

والأساتذة أنواع فمنهم ذلك المطبوع سجية ومزاجا من الذين قال فيهم أمير الشعراء أحمد شوقي :

قم للمعلم وفه التبجيلا

كاد المعلم أن يكون رسولا

ومنهم أولئك المتأففون المتبرمون الذين يسحبون أقدامهم سحباً إلى صف الدرس ولا يدرون متى يفتح الله عليهم بقرع الجرس للانصراف، وهم من طينة أولئك الذين عبر عنهم إبراهيم طوقان في معارضته لقصيدة أمير الشعراء:

شوقي يقول وما درى بمصيبتي

قم للمعلم وفه التبجيلا

لو جرب التعليم شوقي ساعة

لقضى الحياة شقاوة وخمولاً

مئةٌ على مئةٍ إذا هي صُححت

وجد العمى نحو العيون سبيلا

لا أزال أتذكر ذلك المعلم الهندي العجوز الذي أخذني إليه والدي في نهاية خمسينات القرن الماضي لأتلقى دروساً في اللغة الإنجليزية وكان يعقد دروسه أمام منزله في (حافة حسين) بكريتر، ولم يبق له الزمن سوى سنّ واحدة في مقدمة فمه، فإذا أضفت إلى ذلك اللكنة الهندية القارحة في نطق الإنجليزية بإمكانك أن تتخيل أنني خرجت من تلك الدروس بـ (قبض الريح) ومنذ ذلك الحين وأنا وهذه اللغة العالمية في خصام مبين، وكان قد سبقه إلى تنفيري من لغة «التاميز» أستاذ سوداني - لا داعي لذكر الأسماء في غير الحسنات- في المعهد العلمي الإسلامي كان يؤدي واجب الدرس كأنه حكم بالمؤبد مع الأشغال الشاقة، ويكفي أن تنظر إلى التكشيرة الساحقة الماحقة التي تعلو وجهه لتتأكد من قول سعد زغلول باشا الشهير قبل أن يلفظ أنفاسه «مافيش فائدة».. ووفاء لمعلمي الهندي في (حافة حسين) أقول إنه كان خفيف الظل، ورغم الجلبة العظيمة التي كان يحدثها وهو يصرخ على أي شيء وعلى لا شيء بينما ينتقل من طالب إلى آخر بخفة ممثل مسرحي ليلقي نظرة عجلى على الدفاتر مقوساً قامته الطويلة دون أن يخيف أحداً، فإنك تشعر معه أنه يؤدي مهنته بأمانة عظيمة وجهد خارق رغم تقدمه في السن الذي يؤهله لما هو فوق التقاعد المريح، ومع ذلك فما كل ما يتمنى المرء يدركه لأن مسامع الطلبة وخاصة القادمون من الريف لا تستطيع التقاط ذبذباته «المكس» ولا أقول الهجين بين العربية والأردو، ولا شيء تقريباً من العربية .. وللموضوع صلة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى